صعّد لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" (BlackRock)، من دعواته لقادة الشركات للتركيز على البيئة في أعقاب أزمة كورونا، متعهداً باتخاذ تدابير جديدة لمعالجة تغير المناخ.
واعتبر فينك في رسالته السنوية إلى الرؤساء التنفيذيين، أنه يتعين على الشركات الكشف عن خططها التي تظهر توافق نماذج أعمالهم مع أهداف تحقيق اقتصاد ذا انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050. وكتب فينك، بعد عقده مقارنات بين العواقب المميتة للجائحة وتأثيرات الاحتباس الحراري، أن التنظيم المسبق على المدى البعيد يعني الاستعداد لوقائع تغير المناخ.
وأضاف في رسالته: "نحن أمام أزمة وجودية بسبب هذه الجائحة. فهي تذكير صارخ بمدى هشاشتنا، لدرجة تجعلنا بحاجة إلى مواجهة التهديد العالمي الناتج عن تغير المناخ بقوة أكبر، والتفكير في كيفية تغييره لحياتنا، تماماً مثلما فعلت الجائحة".
تدقيق مُشدّد
تسبب فينك في إحداث بلبلة قبل عام في "وول ستريت"، عندما طالب الشركات بمعالجة ظاهرة تغير المناخ، مُعتبراً أنها ستؤدي "لإعادة تشكيل جوهرية لقطاع التمويل". وانتقد نشطاء منذ ذلك الحين سجل تصويت الشركة على مقترحات المساهمين المتعلقة بالمناخ، ودعوا "بلاك روك" لاستغلال السلطة التي يتمتع بها مجلس الإدارة لفعل المزيد.
وكشف فينك النقاب عن تدابير إضافية، بما في ذلك إضافة "نموذج تدقيق مشدد" على محافظ الشركة التي تدير أوراق استثمار خطرة على المناخ. أما بالنسبة للشركات التي لا تركز بشكل كافٍ على الانتقال نحو تحقيق انبعاثات صفرية صافية، فإن "بلاك روك" ستنظر في التصويت ضد إداراتها، وربما حتى تبيع أسهم هذه الشركات من محافظها النشطة.
كما ستطلق الشركة أدوات استثمارية ذات "أهداف واضحة لمواءمة درجات الحرارة"، فضلاً عن نشر مقاييس مواءمة درجات الحرارة المتعلقة بالأسهم العامة وصناديق السندات، والكشف عن نسبة أصولها تحت الإدارة المتوافقة مع تحقيق أهداف صفرية صافية.
وشدّد المدافعون عن البيئة على "بلاك روك" يجب أن يوافق كلامها مع فعلها حقاً، لأن الإفصاح وحده لن يكون كافياً لمكافحة الاحتباس الحراري.
مثال يُحتذى
يقول بن كوشينغ، وهو من كبار ممثلي حملة المناصرة المالية التابعة لـ"نادي سييرا" (Sierra Club): "لا يكفي أن تطلب "بلاك روك" من الشركات خطة فحسب، بل يجب أن تُحمّل الشركات مسؤولية الحد من تأثير المناخ والانبعاثات".
وتلعب شركة "بلاك روك" دوراً فريداً في استجابة الشركات الأمريكية لتغير المناخ باعتبارها أكبر مدير للأصول في العالم. وتشرف الشركة، التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها، على 8.7 تريليون دولار، بما في ذلك نحو 200 مليار دولار من الاستراتيجيات المستدامة. ويتم استثمار نحو ثلثيْ أصول الشركة المدارة في صناديق المؤشرات، والتي يتبع بعضها أسواقاً واسعة، مما يعرضها بشكل كبير لأعمال تنتج الكربون بكثافة.
8.7 تريليون دولار تحت إدارة "بلاك روك" التي تملك 7.5% من أسهم شركات مؤشر S&P 500
ومع نمو الشركة، أصبح "فينك"، البالغ من العمر 68 عاماً، رجلاً من المؤثرين في القطاع المالي، وهو يكتب رسائله السنوية إلى قادة الأعمال ويتحدث فيها عن قضايا الاستدامة. وتعهد فينك خلال هذا العام بأن يصبح مثالاً يحتذى به، فقام بإجراء تغييرات في أسلوب عمل "بلاك روك"، بما في ذلك إخراج منتجي الفحم من محافظها النشطة التي تديرها، وتقديم المزيد من المنتجات الاستثمارية الصديقة للبيئة.
المشكلة الكبيرة
وحّدت مجموعة من المنظمات غير الربحية، لاسيما منظمة "سان رايز بروجيكت" ومنظمة "فريندز أوف إيرث"، من جهودها عام 2018 لإنشاء حملة "مشكلة بلاك روك الكبيرة"، والتي تهدف إلى الضغط على مدير الأموال لدفع الشركات التي يستثمر بها لمواءمة ممارساتها التجارية مع عالم منخفض الكربون.
وقال غواراف مادان، أحد نشطاء الحملة في منظمة "فريندز أوف إيرث"، إن أحدث مبادرات شركة "بلاك روك" ما زالت "لا ترقى إلى مستوى القيادة الحكيمة التي نحتاجها من أكبر مستثمر في العالم بمجالات الفحم والنفط والغاز والسلع المرتبطة بإزالة الغابات".
ويشكل الإصلاح البيئي الأوسع الذي تصادق عليه المنظمات غير الربحية صعوبات بالنسبة لشركة "بلاك روك" بسبب حيازاتها وأرصدتها الواسعة عبر صناديق المؤشرات، حيث ترتبط هذه الاستثمارات بقوائم شركات تمثل صناعة أو سوقاً واسعاً لأحد المجالات. وتتناقض استراتيجيات الاستثمار السلبي هذه مع الاستراتيجيات النشطة التي يختارها مديرو محافظ الاستثمارات الفردية لمحافظهم.
مؤشرات خاصة
يخضع الاستثمار القائم على المؤشرات لمتغيرات خاصة به. حيث تتزايد الاستراتيجيات المصممة حسب الحاجة، مما يسمح للمستثمرين بتعديل المؤشرات بناءً على تفضيلهم الشخصي، بما في ذلك لأسباب أخلاقية أو بيئية.
وكانت شركة "بلاك روك" وافقت في شهر نوفمبر من العام الماضي، على الاستحواذ على مزود المؤشر الشخصي "أبيريو" (Aperio) مقابل نحو مليار دولار. وأوضح فينك أن العملاء يمكنهم استخدام مؤشرات مصممة حسب الرغبة تظهر تفضيلات تتعلق بالأهداف الصفرية الصافية للانبعاثات والشركات التي تحقق هذه الأهداف.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت عن رسالة فينك الأخيرة في وقت سابق.
وتمتلك شركة "بلاك روك" متوسط حصة تبلغ نحو 7.5% في شركات مؤشر S&P 500، بناءً على البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
يُذكر أن الإدارة لأمريكية اتخذت خطوات جديدة تتعلق بالمناخ منذ تنصيب الرئيس جو بايدن، بما في ذلك إعادة دخول الولايات المتحدة في اتفاقية باريس للمناخ، ووقف التنقيب عن النفط في محمية القطب الشمالي الوطنية للحياة البرية.