تواجه طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة مشكلة وزنها 40 طناً. فمنذ أوائل ديسمبر، جرفت المياه نحو 20 حوتاً كبيراً إلى الشواطئ الواقعة على الساحل الأميركي على المحيط الأطلسي أو بالقرب منها، كما وقع ثلث الحالات التي تعرف باسم "الجنوح" على شواطئ نيوجيرزي.
لم يتضح بعد السبب المحدد وراء زيادة نفوق الحيتان، لكن تحالفاً غير متجانس من معارضي طاقة الرياح، ومجموعات بيئية محلية، ومقدّمي البرامج الحوارية المحافظة، وجّهوا أصابع الاتهام نحو الرياح البحرية باعتبارها الجاني. فهم يرون أن مشروعات قيد التطوير تعطّل الحياة البحرية، وتسهم في العدد الكبير غير المعتاد من الحيتان النافقة.
في المقابل، لا يزال موقف المسؤولين الحكوميين والشركات التي تقف وراء مشروعات الرياح هذه ثابتاً، وهو أنه لا يوجد دليل يربط بين نفوق الحيتان ومساعي التنمية والتطوير الجارية لطاقة الرياح البحرية. ويقولون إن الطموحات الخاصة بمشروعات الرياح البحرية قبالة ساحل نيوجيرزي، مستمرة حسب الخطة الموضوعة لها.
قال جيه سي ساندبرغ، مسؤول الحملات في "جمعية الطاقة النظيفة الأميركية"، وهي منظمة صناعية: "المجموعات المعارضة لتطوير الطاقة النظيفة تنشر معلومات خاطئة. لقد انتهزت الفرصة لمحاولة وقف نشر الطاقة النظيفة على امتداد الساحل الشرقي".
زيادة نفوق الحيتان
في يناير الماضي كتبت مجموعة من منظمات المحافظة على البيئة رسالتين منفصلتين في هذا الصدد، وكان ذلك بقيادة منظمة "كلين أوشن أكشن" (Clean Ocean Action)، وتحالف يضم عشرات من رؤساء بلديات نيوجيرزي. وطالبت الرسالتان مسؤولي واشنطن بوقف أنشطة التنمية البحرية بالقرب من الولاية. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، اكتسبت القضية اهتماماً في شتى أنحاء الولايات المتحدة، فيما تعمل المؤسسات الإخبارية المهتمة بالمناخ على التحقّق من صحة الحملات المناهضة للرياح البحرية، ويزعم مقدمو البرامج الحوارية المحافظة، مثل تاكر كارلسون، أن مشروعات الرياح تقتل الحيتان. كما إن بعض الذين يلقون باللوم على الرياح البحرية، لديهم صلات مع جماعات محافظة تعارض الطاقة النظيفة منذ فترة طويلة.
نشطاء مناخ يتهمون "شل" بـ"التمويه الأخضر"
وبعيداً عن توجيه أصابع الاتهام، يتفق الجميع على أن حيتاناً كثيرة تنفق. وتقول الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إن "هناك نفوقاً غير عادي" للحيتان الحدباء على امتداد ساحل المحيط الأطلسي، وهو مستمر منذ 2016، وذلك قبل وقت طويل من بدء أي عمليات تطوير كبيرة لمشروعات طاقة الرياح البحرية هناك. ومن بين نحو 180 حوتاً تتتبعها الإدارة منذ ذلك الحين، خضع قرابة نصفها للفحص. وأظهر زهاء 40% منها أدلة على أن الاصطدام بسفينة أو الوقوع في شرك حاجز أو شبكة، من أسباب النفوق.
ولم يجر ربط أي من حالات نفوق الحيتان هذه ربطاً مباشراً بتطوير طاقة الرياح البحرية، لكن بعض علماء البحار ومناهضي طاقة الرياح يذهبون إلى أن عدم وجود صلات مثبتة لا يستبعد ذلك الاحتمال تماماً. ويشعر المنتقدون بالقلق من أن الأنشطة المرتبطة بتطوير طاقة الرياح البحرية، مثل وضع الدعائم والركائز في قاع البحر، يمكن أن تضرّ بالحياة البحرية.
تهديد الموائل الطبيعية
في إطار متصل، حذّر شون هيز، رئيس فرع الأنواع المحمية في مركز علوم مصائد الأسماك في الشمال الشرقي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، الهيئات التنظيمية المعنية بطاقة المحيطات العام الماضي، من أن "الضوضاء الزائدة وحركة مرور السفن ودخول تعديلات وتغييرات على الموائل الطبيعية بسبب تطوير الرياح البحرية، من المحتمل أن تضع ضغوطاً إضافية "على الحيتان و"تزيد العواقب بالنسبة إلى أعداد "هذه الأنواع من الكائنات البحرية.
وتؤكد المجموعات البيئية أيضاً أنه رغم عدم ارتباط حالات النفوق في الآونة الأخيرة بالنشاط المستمر، إلا أنه يلزم بذل مزيد من الجهد لحماية الحياة البحرية من مجموعة تهديدات، منها بناء مزارع الرياح في المستقبل.
طائرات بدون طيار وروبوتات وعربات جوّالة.. تقنيات تغزو المحيطات لمحاربة التلوث
قالت أليسون تشيس، كبيرة محللي السياسات في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: "أي نوع من أنواع الصناعة في المحيطات سيشكل مخاطر على البيئة". وأضافت أنه من المهم للغاية تطوير هذا القطاع الجديد بطريقة ذكية لأن "الحياة في المحيطات تجد صعوبة بالفعل في التكيف مع تغيّر المناخ، كما تعرضت للضغط جراء التلوث وتدمير الموائل على مدى عقود".
من جانبه، صرح فيل مورفي -الممثل الرسمي عن حاكم ولاية نيو جيرزي- لبلومبرغ في بيان صدر يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، بأن الولاية ستواصل متابعة أهدافها المتعلقة بطاقة الرياح البحرية. وجاء في البيان: "نعلم أن العديد من السكان، في مجتمعاتنا الساحلية وعبر الولاية، يشاركوننا اهتمامنا الحقيقي بالحياة البحرية وبقائها. لكننا نعلم أيضاً أن هناك من لا يحرّكهم الاهتمام ببيئتنا، والقلق على سلامتها، وإنما فكرهم السياسي ومعارضتهم للجهود ذاتها التي ستحافظ على بيئتنا وتحميها للأجيال المقبلة".
عراقيل أمام مطوري طاقة الرياح
أرّق هذا الجدل من جديد مطوّري طاقة الرياح، الذين يرفضون هم والجمعية الأميركية للطاقة النظيفة المزاعم القائلة بأن مشروعاتهم تضرّ بالحياة البحرية. قال ساندبرغ: "نعمل بجد لإيصال الحقائق إلى المجتمعات المحلية".
ومن بين نقاط الجدل والنقاش هذه، تقول الجمعية إن السفن الخاصة بطاقة الرياح البحرية لا تمثل سوى 2% فقط من حركة المرور البحرية على امتداد الساحل الشرقي، وتعمل بموجب لوائح صارمة تحكم حدود السرعة، كما يشتغل بها مراقبون خارجيون يرصدون أي اضطراب للحياة البحرية.
في السياق ذاته، قال ممثلون عن شركتي "فينيارد ويند" (Vineyard Wind) و "أورستد" (Ørsted) لطاقة الرياح، إنهما تركزان على سلامة الحياة البحرية، وشددوا على أن سفنهما تخضع لقواعد صارمة. وأوضح ممثل عن "أورستد إيه إس" في رسالة بالبريد الإلكتروني الأمر بقوله: "لم تتعرض السفن المتعاقدة مع (أورستد) لأي ضربات من حيتان أثناء نشاط المسح البحري في الولايات المتحدة".
أسعار الفائدة المرتفعة تُصعّب نشر التمويل للطاقة النظيفة
لا يعد نفوق الحيتان سوى أحدث عقبة أمام طاقة الرياح البحرية. فالتضخم وأسعار الفائدة المرتفعة ومشكلات سلاسل التوريد، تهدّد بالفعل بعرقلة المشروعات على امتداد ساحل الولايات المتحدة الشرقي، وقد كوّن هذا القطاع خبرة طويلة مع الأنباء السلبية والمعارضة العامة التي تفسد خططه. فقد رُفض مسعى كبير لبناء مزرعة رياح قبالة ساحل ماساتشوستس في عام 2017، وكان ذلك لأسباب عدة، منها أن المعارضين الأثرياء لم يرغبوا في رؤية التوربينات من شرفات منازلهم على الشاطئ.
خسائر تأخيرات المشروعات
أي تأخير في تطوير طاقة الرياح على امتداد خط الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة، من شأنه أن يكون مكلفاً للغاية. فقد أنفق المطورون مبلغاً قياسياً قدره 4.4 مليار دولار في العام الماضي فقط، وذلك للحصول على حقوق تركيب توربينات قبالة سواحل نيويورك ونيوجيرزي، وكان هذا في مزاد ضخم أكد الحماسة المتزايدة للطاقة المتجددة.
أيضاً سيتطلب بناء مزارع الرياح الفعلية مزيداً من الاستثمارات، مع بلوغ السعر المعلن لبعض من أكبر المشروعات 10 مليارات دولار. وبحلول 2030، يمكن أن يبلغ إجمالي الإنفاق الرأسمالي لتحقيق أهداف طاقة الرياح البحرية للولايات المتحدة، نحو 100 مليار دولار، وفقاً لأحد التقديرات التي استشهدت بها وزارة الطاقة الأميركية.
"بلاكستون" الأمريكية تستثمر 3 مليارات دولار في الطاقة النظيفة
تنشر الشركات التي تبني مزارع الرياح تقارير أسبوعية تصف حالة سفنها والأعمال التي تنفذها. ويركز النشاط الحديث في المنطقة على إعداد الموقع. وكشفت شركة "فينيارد ويند" (Vineyard Wind)، على سبيل المثال، أن ثماني سفن تمدّ كابلات تحت البحر عبر نانتوكيت ساوند قبالة ساحل ماساتشوستس. ويُظهر تقرير صادر عن "أفانغريد" (Avangrid) أن شركة المرافق تحفر تحت الماء في منطقة تعاقدها، والتي تقع أيضاً قبالة ولاية ماساتشوستس.
إليزابيث كلاين، المديرة المعينة حديثاً للمكتب الأميركي لإدارة طاقة المحيطات، والتي تشرف على الصناعة، أكّدت لبلومبرغ في مقابلة في 10 فبراير الجاري، أن الهيئات التنظيمية الاتحادية لا تزال تتحرك بحذر رغم أن تغيّر المناخ يدفع باتجاه الإسراع في الجهود الخاصة بطاقة الرياح البحرية.
أضافت كلاين: "ثمة قلق إزاء هذا العمل، لكننا نقوم به، على ما أعتقد، بطريقة مدروسة وجديرة بالاحترام حقاً، حيث نتصدّى للمخاوف التي تنتاب المجتمعات، ونتأكّد من أننا نستمع إلى ردود الأفعال وندمجها في منظومة عملنا حيثما أمكننا ذلك، ونواصل تنفيذ مهمتنا المتمثلة في إدارة تنمية الطاقة بشكل آمن ومسؤول على الصعيد القاري الخارجي".
مخاوف السكان
كان لدى العديد من سكان جيرزي شور بالفعل مشكلات مع مشروعات طاقة الرياح المحلية. فقبل حالة الهياج التي أصابت الثدييات هذا الشتاء، أعدّ سكان الشاطئ قائمة شكاوى متعلقة بالتوربينات، منها ارتفاع سعرها ومظهرها.
وتعتقد سوزان هورنيك، المقيمة في أوشن سيتي في نيوجيرزي، والعضو في جماعة "بروتكت أور كوست نيوجيرزي" (Protect Our Coast NJ) أن هذه التوربينات ستدمّر قطاع السياحة في المنطقة. فعندما يأتي الناس إلى أوشن سيتي، فإنهم لا يريدون النظر إلى حقول صناعية.
في الوقت ذاته، تقول الشركات التي تطوّر التوربينات إن معداتها تكاد لا تُرى حتى في يوم صافٍ. وخلال اليوم الأحد، شاركت هورنيك في مسيرة "أنقذوا الحيتان" على ممر "بوينت بليزنت بيتش"، والتي يطالب سكانها المحليون بإنهاء بناء مزرعة الرياح. ويعد اليوم أفضل توقيت لتنظيم هذه المسيرة، لأنه اليوم العالمي للحيتان، بحسب توضيحها.