العبوات القابلة للتحلل تعيد إطلاق الكربون في شكل ميثان وطنّ الوقود الواحد يصدر 3 أضعافه ملوثات

هل تفوق أضرار البلاستيك القابل للتحلل العضوي منافعه؟

ما يرده إلينا البحر - المصدر: بلومبرغ
ما يرده إلينا البحر - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يشعر البعض بالذنب نتيجة الأضرار التي تخلفها مشترياتهم اليومية من المنتجات الاستهلاكية على البيئة. لكن هناك 1000 طريقة لتعويض الأضرار الناتجة عن تلك المشتريات، ومنها أن يضعوا زجاجتهم وعبواتهم وصناديق أمازون في حاوية إعادة التدوير، أو أن يشتروا المشروبات العضوية المنقوعة في الماء البارد والمُعدة بالطاقة المتجددة 100%، مع تخفيض الكربون المنبعث من رحلات الطيران في العطلات، وتعويض انبعاثات الكربون في غابات بيرو المطيرة.

كما يوجد حل آخر وهو العبوات البلاستيكية القابلة للتحلل العضوي، فرغم صعوبة وقف الاعتماد على البوليمرات المستخدمة في صناعة عبوات التوت المعلب بسعرها الرخيص وفوائدها الصحية، ألا أنه بمقدورنا على الأقل الحد من أضرارها إذا اشتريناها في عبوة يمكن أن تتحول إلى سماد عضوي.

من جانبها، تتابع شركات الكيماويات ما يجري باهتمام، وتزيد الطاقة الإنتاجية للمنتجات المشتقة من النبات والقابلة للتحلل العضوي نحو 3 أضعاف على مدى الخمس سنوات المقبلة لتبلغ 6.3 مليون طن متري، حسب "يوروبيان بيوبلاستيكس" (European Bioplastics)، وهو اتحاد صناعي.

تبدو هذه الكمية كنقطة في بحر، مقارنة بنحو 400 مليون طن في سوق البلاستيك سنوياً، لكن يمكن أن تنمو سريعاً. ويتوقع "بروجكت دروداون" (Project Drawdown)، وهو فريق بحثي مناخي، أن يتراوح إنتاج البلاستيك العضوي ما بين 92 و357 مليون طن بحلول 2050.

من نفط إلى كربون

إذا ظننت أن المشكلة الوحيدة التي تمثلها العبوات البلاستيكية هي معالجة النفايات، فربما تغير وجهة نظرك بعد التعرف على هذا الاختراع. ذلك لأن الغرض من العبوات البلاستيكية القابلة للتحلل العضوي هو أن تتحلل في البيئة خلال أسابيع أو شهور، بدلاً من عقود أو قرون على غرار العبوات التقليدية، مع ذلك ووسط توقع تضاعف معدل استهلاك البوليمرات بحلول 2040، هناك مشكلة أخرى علينا أن نضعها في بؤرة الاهتمام، ألا وهي: الانبعاثات.

نشطاء مناخ يتهمون "شل" بـ"التمويه الأخضر"

فأغلب المنتجات البلاستيكية في العالم مثلها مثل البنزين والفازلين والأسفلت، هي منتجات ثانوية لتكرير النفط، وتمثل نحو 8% من إجمالي استهلاكه، ومن المرجح أن ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ في العقود المقبلة، بينما تحل المحركات الكهربائية محل محركات الاحتراق في النقل البري، لتخفض من حصة النفط التي ستُحول إلى وقود. مع ذلك، فإنها تختلف عن الوقود الأحفوري اختلافاً جوهرياً، فاستخدام طن من وقود المحركات النفاثة يضخ أكثر من ثلاثة أضعافه من ثاني أكسيد الكربون في الجو، حيث يفصل الاحتراق جزيئاته الهيدروكربونية.

من جهة أخرى، فأي أنبوب بلاستيكي لا فائدة منه إلا إذا ظل مستقراً كيمائياً، لذا يجب على الكربون الموجود به أن يظل حبيساً داخل بنيته الكيميائية وإلا ستضعف وتنهار.

على الجانب الآخر، فالعبوات البلاستيكية القابلة للتحلل العضوي تغير تلك الآلية، فعند تحللها تعيد إطلاق الكربون إلى البيئة، بالأخص في شكل ميثان، وهو أحد أشد الغازات الدفيئة تأثيراً. نتيجة لذلك؛ قد تصبح الانبعاثات الصادرة من دورة الحياة أكبر من الناتجة عن البدائل التقليدية في النهاية. ففي إحدى الدراسات الأميركية في 2020 عن حمض البوليلاكتيك المشتق من نشا الذرة والمستخدم عادة في عبوات الطعام وحيدة الاستعمال، كشفت الدراسة عن أن إجمالي الانبعاثات كان أكبر من الناتج عن عبوات البلاستيك التقليدية، عدا الحالات التي ظلت فيها خاملة بعد التخلص منها.

بوليمرات مختلفة

تختلف أنواع البلاستيك العضوي عن بعضها بعضاً، حيث كشفت الدراسة نفسها أن البيوبولي إيثلين -وهو بوليمر لا يتحلل مستخرج من النبات- قد يمتص كربون أكثر مما ينبعث منه، وتثبت هذه العملية الحسابية أن القابلية للتحلل العضوي تُعد واحدة من سلسلة العوامل النافعة والضارة في الوقت نفسه المرتبطة بمجموعات متنوعة من البلاستيك، بدلاً من كونها عملية بسيطة نتائجها كلها منفعة.

أما الخطر الأكبر في هذا الصدد فهو السماح لمنافع البوليمرات القابلة للتحول إلى سماد عضوي بأن تعمينا عن مساوئها المحتملة، بينما تُصنع أغلب العبوات البلاستيكية القابلة للتحول العضوي من كتلة حيوية مثل النشا وبقايا المحاصيل، يمكن صنعها أيضاً من أنواع الوقود الأحفوري، وهذا أسوأ ما يمكن حدوثه، حيث إن الانبعاثات الصادرة منه في مكب النفايات لن يعوضها الكربون المنطلق في الهواء الذي تمتصه النباتات المستخدمة باعتبارها مواد أولية، وقد يصبح قطاع سوق العبوات البلاستيكية العضوية أسرع القطاعات نمواً في هذه الصناعة على مدى السنوات المقبلة.

الاستثمارات العالمية الخضراء تتجاوز تريليون دولار للمرة الأولى

أيضاً تُعد تريفثالات البولي بيوتيلين (PBAT) بديلاً صالحاً للبولي إيثيلين، حيث تُشتق من الوقود الأحفوري، وتستخدم في التغليف والحقائب والزجاجات البلاستيكية، ويبدو أنها تتصدر سباق قطاع البلاستيكيات في الصين، حيث توقعت دراسة طلبت الحكومة إجراءها أن يبلغ إنتاجها 7 ملايين طن متري في 2025، مقارنة بإنتاج مليون طن من حمض البوليلاكتيك.

التحلل في باطن الأرض

من الجوانب الإيجابية لجبال النفايات -الناتجة عن شهيتنا الواسعة للعبوات البلاستيكية- أنها واضحة وظاهرة للجميع، ما يعني وجود حافز على حلها، فإذا تمكنت الدول النامية التي تتسبب في نحو 90% من مخلفات البلاستيك بالبحار في العالم من رفع مستوى معالجة نفاياتها بحيث تعادل نظيرتها في الدول المتقدمة، ستصبح المحيطات أنظف، كما أن رفع معدلات إعادة التدوير في أنحاء العالم من المعدلات الحالية التي تقل عن 10% إلى أكثر من 40% على غرار المستويات الأوروبية المعتادة سيساعد في حل الأزمة بصورة أكبر.

"هيونداي" تستثمر 8.5 مليار دولار في 2023 لزيادة إنتاجها من السيارات الكهربائية

لكن على الجانب الآخر فالانبعاثات الناتجة عن تحلل البلاستيك لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، حيث تحدث تحت الأرض ولا ينتج عنها صورة مؤثرة للمخلفات العائمة أو السلاحف العالقة أو مكبات تفيض بالنفايات، ولكن نتائجها قد تكون أسوأ مما نتوقع، حيث قالت أليس جو، باحثة في تلوث البلاستيكي في جامعة تورنتو، إن عبوات البلاستيك العضوية "ليست الحل النهائي لأنها ما تزال تستخدم عقلية الاقتصاد الخطي، الذي يعتمد على الأخذ من الطبيعة والتصنيع ثم رمي المخلفات الضارة للطبيعة مجدداً".

بالنسبة للشركات، قد تشكل شعارات الحفاظ على البيئة التي توفرها العبوات البلاستيكية العضوية ميزة تساعد على التوفيق بين المستهلكين المشغولين بقضايا البيئة، والبوليمرات التي نستخدمها يومياً.

لكن من الناحية البيئية سيشكل ذلك أبرز مشكلة، حيث يمكن للاعتماد على العبوات القابلة للتحلل فقط أن تعرقل أعمال الحد من الانبعاثات وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير البسيطة، وتصبح في النهاية الطريقة الوحيدة التي نواجه بها إدماننا للعبوات البلاستيكية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة