لا تدع صور الأميركيين الذين تحيط بهم الثلوج وتحاصرهم تعطيك انطباعاً خاطئاً. ففي جميع أنحاء العالم يُعتبر هذا شتاءً دافئاً للغاية.
يستمتع الأوروبيون، على وجه الخصوص، بطقس خريفي- إذ كانت درجة الحرارة في برلين 16 درجة مئوية (61 فهرنهايت) في يوم رأس السنة الجديدة. بينما تنتظر الصين ووسط اليابان أيضاً درجات حرارة معتدلة بشكل استثنائي خلال الأسبوع المقبل والسنة القمرية الجديدة. أما في الولايات المتحدة، سيأتي الطقس الأكثر دفئاً في منتصف شهر يناير.
الظروف المناخية تُغيّر مواسم استهلاك الطاقة
كان ذلك بمثابة هدنة أتت بعد شهور من القلق من أن تخلف أزمة الطاقة الآلاف بدون تدفئة كافية. كما أنها قدمت مزيداً من الأدلة حول كيفية أن تغير المناخ يحوّل الأنماط الموسمية نحو استهلاك الطاقة من التدفئة في الشتاء إلى التبريد في الصيف.
بهذا المعنى، ربما يتأخر فقط الارتفاع المتوقع في أسعار الطاقة إلى يوليو أو أغسطس، وسوف يترتب على ارتفاع درجة الحرارة في الصيف صعوبة إعادة ملء المخزونات لفصل الشتاء المقبل.
يقول بوب هينسون، خبير الأرصاد الجوية في مؤسسة "ييل كلايمت كونيكشن" (Yale Climate Connection)، ومؤلف كتاب "دليل العاقل إلى تغير المناخ": "من الواضح أن نوبات الشتاء المعتدلة ستساعد أوروبا على تجاوز أزمة الطاقة المرتبطة بالحرب... لكن هذا المناخ نفسه زاد أيضاً من احتمالات نشوب حرائق غابات مروعة في أوروبا مثل تلك التي اندلعت في الصيف الماضي... لا يمكننا الانتقاء حسب رغبتنا من بين العديد من الجوانب السلبية والجوانب الإيجابية العرضية للمناخ المتغير".
في أوروبا، تُعتبر موجة الحرارة الشتوية امتداداً لصيف شديد الحرارة أدى إلى تدمير المحاصيل وجفاف الممرات المائية. سجلت جمهورية التشيك أدفأ ليلة لرأس السنة على الإطلاق. وفي وارسو، تجاوز مؤخراً مقياس الحرارة الزئبقي ذروته القياسية السابقة بأكثر من 5 درجات مئوية.
بشكل عام، تتغير المناطق الأكثر برودة على كوكب الأرض بوتيرة أسرع، حيث يشهد القطب الشمالي بعض التحولات الأكثر خطورة. وفقاً لبيانات "خدمة الطقس الوطنية الأميركية"، ترتفع درجة حرارة الشتاء في جميع أنحاء الولايات المتحدة بمعدل أسرع من المواسم الأخرى.
سعادة وهمية بالطقس الدافئ
في الوقت الحاضر، قد يتمتع المستهلكون بما هو أكثر من الطقس. فبالإضافة إلى انخفاض استهلاك وقود التدفئة، فإن الأسعار آخذة في الانخفاض؛ وباتت العقود الآجلة للغاز الطبيعي -وهي مؤشر على احتمال نقص إمدادات الوقود- عند أدنى مستوياتها منذ عام 2021. وفي الولايات المتحدة، انخفض سعر الغاز المحلي بنسبة 28% منذ عيد الميلاد.
يقول هينينغ غلويستي، مدير قسم الطاقة والمناخ والموارد في "مجموعة يوروآسيا" في لندن: "إن عوامل الطقس المعتدل، وخاصةً الدفء الشديد الذي أخر الطلب في بداية الشتاء على التدفئة لمدة ستة أسابيع، ثم بداية العام ذات الطقس المعتدل، ساعدت بلا شك أوروبا على تجاوز هذا الشتاء".
في حين أن العوامل بما في ذلك التحولات في التيار النفاث، ودرجات حرارة سطح البحر المرتفعة بشكل غير اعتيادي هي التي تدفع موجة الدفء الحالية، لذا يتفق خبراء الأرصاد الجوية على أن تغير المناخ هو ما جعل من ذلك حدثاً سجل درجات قياسية.
بدوره يرى أندرو ديسلر، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة "تكساس إيه آند إم": "إن تغير المناخ مثل المنشطات بالنسبة للطقس... إذ إنه يأخذ حدثاً كان سيحدث على أي حال ويجعله أكثر تطرفاً، لذا فإن موجة الحر أو هطول الأمطار التي كانت من الممكن أن تكون أمراً روتينياً، تدخل إلى النطاق الخطير أو المدمر بسبب تغير المناخ".
في نوفمبر، أعادت حوالي 200 دولة تأكيد التزاماتها باحتواء ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل عند 1.5 درجة مئوية. لكن فشلها في الاتفاق على كيفية تحقيق هذا الهدف يضع ذلك التقدم في موضع الشك، مما يجعل حدوث الظواهر الجوية المتطرفة وموجات الحر أكثر احتمالاً. ارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.1 درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر، ويتوقع العلماء أن هدف 1.5 درجة مئوية يمكن تجاوزه في غضون عقد من الزمن.
تأثير الحرب على الالتزامات الأوروبية
يقول غلويستين من "مجموعة يوروآسيا" إنه في حين من المرجح أن ينخفض استهلاك الطاقة في أوروبا بفضل الطقس المعتدل، فإن ذلك لن يفعل الكثير لتقليل الانبعاثات في المستقبل القريب. ففي محاولتها للتخلص من النفط والغاز الروسيين، زادت الدول الأوروبية من توليد الكهرباء باستخدام الفحم.
يتوقع غلويستين أنه "ستمر سنة أو ثلاث أخرى قبل أن يتراجع التلوث والانبعاثات في أوروبا بشكل شديد مرة أخرى، حتى في ظل طقس أكثر اعتدالاً".