توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لدعم وتعزيز سوقه الرئيسية للكربون، معززاً بذلك استراتيجية "الاتفاق الأخضر" الهادف إلى جعل الاقتصاد الأوروبي محايداً مناخياً بحلول منتصف القرن.
من المقرر تعزيز نطاق تداولات الانبعاثات لتشمل التدفئة والنقل البري، إضافة إلى خدمات الشحن، وذلك بموجب اتفاق مؤقت أعلنه ممثلون عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي. يعتزم التكتل المكوّن من 27 دولة أيضاً، تسريع وتيرة التزام الشركات، بدءاً من شركات إنتاج الطاقة إلى مصنّعي الصلب، بالحد من التلوث.
تُعدّ هذه الإصلاحات الجذرية، جزءاً من خطة المنطقة لخفض الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل من مستويات عام 1990 بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
أكبر قانون للمناخ
صرّح بيتر ليز، كبير مفاوضي البرلمان الأوروبي خلال مؤتمر صحفي يوم الأحد بعد 29 ساعة من المفاوضات، بأن "هذا القانون يُعدّ أكبر قانون للمناخ على الإطلاق في أوروبا، والبعض يقول إنه الأكبر في العالم". وأضاف: "نحصل على الكثير من أجل المناخ، حيث توافرت نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، بأقل سعر ممكن".
الاتحاد الأوروبي يوافق على جمع 20 مليار يورو من سوق الكربون لتعزيز تحول الطاقة
على الرغم من تخفيف بعض البنود في المقترح الحالي مقارنة بالمقترح الأصلي، حيث تواجه أوروبا أزمة طاقة غير مسبوقة نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن الاتحاد مصمم على جعل الإصلاحات الخضراء أساساً لاستراتيجيات نموّه. كما أنه يشكّل قدوة للدول والمناطق الأخرى في مكافحة التغيرات المناخية.
قال إنغو رامينغ، رئيس أسواق الكربون في مجموعة "بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا" (Banco Bilbao Vizcaya Argentaria SA) في مدريد، إن" هذا الاتفاق يُعدّ نجاحاً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وسيوفر الطمأنينة للشركات والمستثمرين، رغم الاضطرار إلى تقديم بعض التنازلات نظراً للتحديات الناجمة عن البيئة الاقتصادية".
ساعدت التوقعات بفرض إجراءات أكثر صرامة، على رفع أسعار الكربون إلى مستوى قياسي عند 99.22 يورو، أي ما يعادل 105 دولارات للطن المتري في العام الحالي. أغلقت العقود الآجلة المعيارية للكربون يوم الجمعة عند سعر 83.82 يورو، أعلى بمعدل 10 أضعاف عن المستوى المسجل قبل خمسة أعوام. لا يزال الاتفاق بحاجة إلى الموافقة الرسمية من الدول الأعضاء والبرلمان، ليبدأ العمل به.
يُعدّ هذا الاتفاق خطوة مكملة للاتفاق الذي تم التوصل إليه في بداية الأسبوع الماضي بشأن فرض ضريبة تلوث على الواردات من منتجات محددة إلى أوروبا وحماية مصنعيها من المنافسين الذين يتمتعون بأسعار أقل من دول ذات إجراءات بيئية أقل صرامة.
اّلية تعديل حدود الكربون
كجزء من إصلاح أسواق الانبعاثات، حدد صُناع السياسات قواعد للتدرّج في تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون بدءاً من عام 2026، والتخلّص التدريجي من مخصصات التلوث التي تحصل عليها القطاعات المشمولة بالضريبة بحلول عام 2034.
قال رامينغ: "أظن أن آلية تعديل حدود الكربون تُعدّ إنجازاً كبيراً.. قد تشكل حافزاً لتسعير الكربون العالمي، وتبقى المهارات الدبلوماسية عاملا ًمؤثراً للشروع في تنفيذها".
يفرض نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات، حدوداً سنوية متناقصة على حوالي 12 ألف منشأة صناعية وخدمية، ويحد من التلوث القادم من شركات الطيران. يمكن للشركات التي تستهلك الكربون بنسب أقل أن تبيع الكميات غير المستخدمة منه لتحصل على حوافز لتسريع تحولها لتصبح صديقة للبيئة.
الصين والهند تواجهان ضغوطاً لتمويل الخسائر والأضرار المناخية
في الوقت ذاته، ستسهم الإصلاحات، التي تُعدّ الأكبر في السوق منذ نشأتها في عام 2005، في رفع سقف معدل تناقص التلوث كل عام من 2.2% حالياً إلى 4.3% بين عامي 2024 إلى 2026، وفقاً لليز، من البرلمان الأوروبي. من ثم سيعمل ما يُعرف بـ"عامل التخفيض الخطي"، على تسريع وتيرة تناقص التلوث مرة أخرى بدءاً من عام 2027 إلى 4.4%.
الكتلة الأوروبية ستتبع ارتفاع "عامل التخفيض الخطي" بخفض في الحد الأقصى للانبعاثات، ما يقلل المخصصات بمقدار 90 مليوناً في عام 2024 و27 مليوناً أخرى في عام 2026، وسيترجم الاثنان سوياً إلى انخفاض بنسبة 62% في حدّ التلوث بحلول نهاية العقد الحالي مقارنة بمستوى عام 2005.
اتفق المفاوضون أيضاً على السماح بتصميم ضوابط تلقائية لتوفير التصاريح، كما كان مقترحاً من قبل المفوضية الأوروبية في يوليو 2021، بحسب ليز. هذا القرار يتضمن نصاً لتثبيت الحد الأقصى لعدد التصاريح المتاحة في احتياطي استقرار السوق عند 400 مليون تصريح، كما سيتم إلغاء أي تصاريح تزيد على هذا العدد اعتباراً من عام 2023.
اقرأ أيضاً: كبار المستثمرين يطالبون شركات النفط بأهداف مناخية أكثر صرامة
بموجب الاتفاق، سيبدأ برنامج تداول انبعاثات موازٍ لوقود التدفئة والنقل في عام 2027، مع احتمال حدوث إيقاف طارئ في حال ارتفاع أسعار النفط والغاز، ما قد يعطّل انطلاقة سوق الكربون الثانية لعام واحد.
في الوقت ذاته، يعتزم الاتحاد الأوروبي إنشاء صندوق جديد يمكن للحكومات استخدامه في تعويض المواطنين المتضررين، وذلك كخطوة لتهدئة المخاوف حول تكلفة الإصلاحات على الأسواق العالمية التي تعاني بالفعل من تضخم الأسعار. الجدير بالذكر أن صندوق المناخ الاجتماعي سيبدأ العمل في عام 2026، بإجمالي يُقدّر بنحو 26 مليار يورو، حيث تأتي النسبة الأكبر من الأموال من الإيرادات الناجمة عن برنامج تداول الكربون الجديد.