يُغيِّر العالم نظامه لإنتاج واستخدام الطاقة بالكامل، وهي مسيرة مليئة بالعقبات. فتحوّل الطاقة الذي يحدث الآن سيستبدل أهم ركيزة للاقتصاد العالمي نفسها، والمتمثلة في الوقود الأحفوري، بمصادر الطاقة النظيفة التي لا تضر المناخ، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذا التحول دقيق ويتطلب عقوداً لتحقيقه، كما يُقارن أحياناً بإعادة بناء طائرة في منتصف الرحلة.
برغم أنَّ تحوّل الطاقة قد أفسح المجال لاستثمارات ووظائف حول العالم؛ لكنَّه تسبب في صدمات أيضاً. عندما تهدأ الرياح، على سبيل المثال، تقفز أسعار الطاقة في أوروبا. وتشهد كاليفورنيا انقطاعاً في الكهرباء خلال موجات الحر، لأنَّ محطات الكهرباء القديمة، التي تعتمد على حرق الغاز، تغلق بوتيرة أسرع من قدرة مصادر الطاقة المتجددة على أن تحل محلها. كما أنَّ بعض الصناعات، مثل خطوط الطيران، لا يمكنها العمل بالكهرباء في الوقت الحالي.
برغم أنَّ نظام الطاقة الجديد قد يصبح يوماً ما أكثر موثوقية من نظيره القديم، هناك أسباب متنوعة تجعل الانتقال صعباً للغاية وسيحتاج إلى فترة طويلة لإكماله. ها هي بعض الأسباب.
مصادر الطاقة المتجددة
نحن في حاجة إلى طرق أفضل لتخزين طاقة الرياح والطاقة الشمسية. على سبيل المثال، المرافق في مختلف أنحاء العالم تقوم بتوصيل بطاريات أيونات الليثيوم بشبكة الكهرباء، معتمدةً على نماذج كبيرة من نفس التقنية الموجودة داخل الهواتف المحمولة.
لكن تلك البطاريات عادةً ما تعمل لمدة 4 ساعات فقط قبل أن تحتاج إلى إعادة شحنها. يمكن لأنواع جديدة من البطاريات أن تعمل لساعات أطول، لكنَّها لا تستطيع تشغيل الشبكة لأيام أو لأسابيع.
الوصول إلى الناس
بعض المناطق مثل السهول العظمى بالولايات المتحدة التي يقطنها عدد محدود من السكان، وتشتد فيها الرياح، أو الصحراء الكبرى النائية المشمسة، يمكن أن تنتج الكثير من الطاقة، لكنَّها تحتاج إلى خطوط الجهد العالي لنقل الكهرباء إلى حيث يعيش الناس.
تواجه هذه التوصيلات باستمرار تحديات على طول الخط. ففي الولايات المتحدة، استطاعت عائلة واحدة لسنوات إحباط مشروع لخطوط نقل الكهرباء، بقيمة 3 مليارات دولار، وهو مُصمّم لنقل طاقة الرياح من وايومينغ إلى جنوب كاليفورنيا. في 2021، رفض مُصوّتون في ولاية ماين مشروع خط لنقل الكهرباء كان بإمكانه توفير الطاقة الكهرومائية لنيو إنغلاند من مقاطعة كيبيك.
ومن أسباب السعي لبناء مزارع الرياح في البحر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة أنَّها لن تحتاج إلى خطوط نقل الكهرباء على الأرض.
صعوبة التحول للكهرباء
يتضمن جزء كبير من تحوّل الطاقة عملية تحول الأجهزة والمعدات التي يجري تشغيلها بالوقود الأحفوري عادةً إلى العمل بالكهرباء، مثل السيارات وأجهزة التدفئة بالمنازل والمواقد. هذا التغير بدأ أخيراً في التسارع.
مبيعات السيارات الكهربائية على المستوى العالمي، على سبيل المثال، ارتفعت أكثر من الضعف من 2020 إلى 2021، إذ مثّلت 9% من مبيعات المركبات الجديدة على مستوى العالم، وفقاً لـ"بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس".
لكن بعض الأشياء التي تستهلك الطاقة بكثافة، مثل مصانع الصلب والأسمنت وسفن الشحن وطائرات الركاب الكبيرة، لا تعمل بالكهرباء. أدى ذلك إلى البحث عن "جزيء نظيف"، وهو وقود قابل للتخزين والنقل ولن يرفع من درجة حرارة الكوكب.
تراهن الحكومات والصناعات على حد سواء على أنَّ الهيدروجين سيكون ذلك الوقود، لأنَّه يمكن تصنيعه من الماء وحرقه دون إنتاج ثاني أكسيد الكربون. لكنَّ بناء نظام عالمي لتصنيع واستخدام الهيدروجين يتطلب بنية تحتية جديدة ضخمة ستحتاج عقوداً لإنشائها. تحتاج الصناعة أيضاً إلى تشكيلها بحذر، لكي لا يساهم إنتاج الوقود ونقله وتخزينه في تغير المناخ.
التمويل والإرادة السياسية والتخطيط
في بعض الأوقات، لم يكن لما ذُكر أعلاه أي وجود. ضخ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أموالاً عامة في تحوّل الطاقة، إذ موّل شركة الطاقة الشمسية المتعثرة "سوليندرا" (Solyndra)، وأول مصنع سيارات كهربائية لشركة "تسلا".
تحول خليفته، دونالد ترمب، إلى المسار العكسي فوراً. ويخصص قانون خفض الضرائب للرئيس جو بايدن 374 مليار دولار للإنفاق المرتبط بالمناخ، الذي يشمل إعفاءات ضريبية لبناء ونشر البنية التحتية للطاقة النظيفة. لكن لا يوجد ضمان بأنَّ الإدارات المستقبلية ستستأنف ما بدأ أو تُسرِّع الوتيرة.
تُقدِّر "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" أنَّ الاستثمار العالمي في تحوّل الطاقة وصل لأكثر من 800 مليار دولار في 2021، أو نحو 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويجب أن يرتفع 5 أضعاف بحلول 2030 لكي يظل العالم على المسار الصحيح عبر إبقاء ارتفاع درجة الحرارة بنحو درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت) هذا القرن.
الطقس القاسي لا يساعد
يتسبّب العالم الأكثر دفئاً بالفعل في مزيد من موجات الحر والفيضانات والكوارث الأخرى. ترفع الحرارة القاسية الطلب على الكهرباء لتكييف الجو والتبريد، فيما يمكن للمناخ -الذي ازدادت صعوبة التنبؤ به- الإضرار بتوليد الكهرباء بطرق شتى. يمكن لحرائق الغابات، التي يغذّيها تغير المناخ، خفض الطاقة الشمسية من خلال تغطية السماء بسحابة من الدخان.
درجات الحرارة العالية والجفاف أصابت بالشلل إنتاج الطاقة الكهرومائية الموثوق بها من مشروعات مثل سد الممرات الثلاثة بالصين ، ورفعت درجة حرارة الأنهار بحيث اضطرت المنشآت النووية في أوروبا، التي تعتمد على المياه لتبريد المعدات، إلى خفض عملياتها. الطاقتان النووية والمائية أداتان رئيسيتان في تحوّل الطاقة، إذ إنَّهما لا تصدران أي انبعاثات كربونية تقريباً.
الفقراء يحتاجون إلى الكهرباء
في 2020، كان هناك نحو 770 مليون شخص في العالم، أي قرابة 10% من الجنس البشري، ما زالوا يفتقرون إلى الكهرباء، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. ولم يكن لدى نحو 2.5 مليار فرصة لـ"الطهي النظيف"، مما يعني أنَّهم يضطرون لاستخدام الخشب أو الفحم أو حتى روث الأبقار الجاف لطهي الوجبات.
يمثل التحول لمئات الأشخاص الذين ما زالوا يحاولون الهرب من الفقر تحدياً وفرصة على حد سواء. بعض المناطق في أفريقيا، غير المتصلة بشبكة الكهرباء، تحصل على ألواح شمسية لتزويد البطاريات ومصادر الإضاءة بالطاقة، وقد ينتهي بها الحال إلى تجاوز نظام الطاقة الذي يعمل بالوقود الأحفوري، ويواجه بقية العالم صعوبات استبداله.
الاعتماد على النفط والغاز
نظراً للإطار الزمني طويل الأجل للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ ما يزال العالم يحتاج إلى الوقود الأحفوري، وسيظل الحال كذلك لسنوات. لكنَّ الاستثمار في المجال بطيء. واعتمدت مؤسسات الاستثمار على المديرين التنفيذيين في قطاع النفط لتخصيص أموال أقل للتوسع في الإنتاج والتركيز بدلاً من ذلك على تحقيق مزيد من الأرباح إلى المساهمين في شكل توزيعات وعمليات إعادة شراء الأسهم. هدد بايدن الصناعة بضرائب أعلى، إلا إذا وافقت الشركات على زيادة إنتاج النفط وتكريره. وتُقدِّر وكالة الطاقة الدولية أنَّ الصناعة تحتاج إلى إنفاق قرابة 50% أكثر كل عام حتى 2030 لتلبية الطلب العالمي على النفط. لكن مع مضي تحوّل الطاقة قدماً؛ أصبحت شركات النفط غير واثقة من حجم الإنتاج الذي سيحتاجه العالم بالفعل.
الحرب تُعقِّد تحوّل الطاقة
ربما يمكن اعتبار الحرب في أوكرانيا يوماً ما علامة فارقة في تحوّل الطاقة، كونها تقنع أوروبا بتسريع التحوّل. في الوقت الحالي؛ أدى الغزو والعقوبات التي تبعته إلى تدافع على الوقود لاستبدال الإمدادات الروسية، مما عطّل التخطيط ورفع الأسعار. وامتصت القارة المزيد من الغاز الطبيعي بشكل كبير في الأسواق العالمية لتدفئة المنازل وتزويد الصناعات بالوقود.