ستسمع الكثير عن تعهدات الشركات والحكومات حول خفض غازات الاحتباس الحراري إلى "صافي الانبعاثات الصفرية"، مع استهدافها التخلص من تأثيرها السلبي بهدف المساعدة في التصدي إلى تغير المناخ. وبشكل مثالي سيأتي جزء كبير من هذه التعهدات عبر التحول إلى تقنيات جديدة منخفضة الكربون، مع تطوير مزيد من العمليات الأعلى كفاءة في استخدام الطاقة، والاتجاه نحو مصادر الطاقة المتجددة، إضافة إلى إعادة تدوير المواد بشكل أكثر فعالية. لكن ماذا عن البقية؟ يزعم عدد كبير من الشركات أن اتباع هذا النهج حتى النهاية ليس مجدياً من الناحية الاقتصادية، ومن هنا ظهرت تعويضات الكربون، التي تثير لغطاً كبيراً، وتصدر الجدل حولها المشهد مجدداً في قمه المناخ "كوب 27" مصر.
1) ما هي تعويضات الكربون؟
الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها هي أنه عندما تضطر شركة، أو حكومة، أو فرد إلى إصدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن حينها إزالة كمية مماثلة من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي بوسائل أخرى للتعويض. ظهر استخدام كلمة "تعويض" لوصف المبادرات البيئية قبل عدة عقود في ظل الجهود المبكرة لمعالجة التلوث، مثل قانون الهواء النظيف في الولايات المتحدة لعام 1970، قبل أن يتحول وقف تغير المناخ إلى الهدف الأسمى. ورغم أن التعويضات ركزت تاريخياً على زراعة الأشجار أو حمايتها، والتي تمتص ثاني أكسيد الكربون، إلا أن هذا المصطلح جرى استعماله منذ ذلك الحين لوصف مجموعة متنوعة من الجهود البيئية عالمياً.
2) من يشارك في تعويضات الكربون؟
تدور معظم مناقشات التعويضات حول ما يجري شراؤه طواعية من قبل الشركات أو المنظمات أو الأفراد الذين يحاولون تلبية الأهداف التي يفرضونها على أنفسهم. تتضمن هذه الصفقات عادةً المطورين الذين يقترحون مشروعات التعويض، وجهات التسجيل التي تتحقق من صحة ما إذا كانت أرصدة الكربون حقيقية، والوسطاء ممن يوفقون بين التعويضات والمشترين.
اقترح مبعوث المناخ الأميركي جون كيري في قمة "كوب 27" تطوير إطار عمل جديد للتعويضات. كما تكتسب برامج التعويض شعبية رغم الشكوك المتزايدة حول ما إذا كانت فعالة في الحد من الانبعاثات.
3) ما هو حجم السوق الطوعية لتعويضات الكربون؟
بلغت مليار دولار تقريباً في 2021، وفقاً لمنظمة "سوق النظام الإيكولوجي". ولا تدار من قبل أي حكومة أو منظمة بعينها، وهناك جدل كبير حول كيفية تطور هذه السوق. ويقدر محللو "بلومبرغ إن إي أف" أن 1900 مشروع تعويض الكربون أصدرت أرصدة للتعويض في الفترة من 2015 إلى 2020 بالتعاون مع هيئات التسجيل الأربعة الرئيسية. وأنشؤوا أكثر من 344 مليون تعويض كربون في 2021، ارتفاعاً من 185 مليوناً في 2020.
4) ما هي أنواع المشروعات التي تستطيع إنتاج تعويضات الكربون؟
تندرج الغالبية العظمى من التعويضات المتاحة في فئة تسمى "الانبعاثات التي جرى تجنبها". هذه المشروعات إما تحمي الغابات، أو تزود الناس ببدائل لاستخدام الوقود الأحفوري، أو تتفادى الانبعاثات الصادرة عن النفايات. وإذا نُفّذت بشكل صحيح، يمكن أن تقلل مثل هذه المشروعات من حجم غازات الاحتباس الحراري التي تضاف إلى الغلاف الجوي مع توفير فوائد أخرى للمجتمعات المحلية وتعزيز التنوع البيولوجي.
وإلى جانب زراعة الأشجار أو حمايتها، يمكن كذلك إنشاء تعويضات عن طريق منع إطلاق الغازات الدفيئة بخلاف ثاني أكسيد الكربون، مثل الميثان أو أكسيد النيتروز. وعادةً ما تتضمن التعويضات الأكثر تكلفة إزالة ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي وتخزينه بعيداً. قد يتضمن ذلك مشروعات مثل زراعة الغابات أو تركيب آلات تعمل على تفريغ الهواء من ثاني أكسيد الكربون. وتزيل 4% فقط من التعويضات فعلياً ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وفقاً لبيانات فريق العمل المعني بتوسيع أسواق الكربون الطوعية، الذي يتلقى تمويلاً من مؤسسة "بلومبرغ فلانثروبيز" (Bloomberg Philanthropies).
5) هل تعويضات الكربون فعالة؟
هناك جدل كبير حول ذلك الأمر، فلو افترضنا أن عملية إصدار اعتمادات المناخ موثوقة بالكامل -وهو أمر مشكوك فيه- فإن فعالية مشروعات التعويضات بالمقارنة تتدنى لتصبح "غير أساسية". يتحدد ذلك من خلال قياس مقدار المنفعة الإضافية التي يحققها المشروع، في مقابل ما كان سيحدث في غياب مدفوعات الكربون. بالتالي، يمكن للمشروعات التي تركز على غاز الميثان المتسرب من مناجم الفحم أو تدمر غازات الاحتباس الحراري التي تنتجها الصناعة أن تُظهر بسهولة أكبر أنها تضيف فوائد حقيقية (بشرط ألا تكون القوانين المحلية تقوم بهذه الإجراءات بالفعل). أما المشروعات الأخرى، مثل مزارع الطاقة الشمسية الجديدة والحفاظ على الغابات المجهزة جيداً، فستشكل غالباً إضافة أقل، نظراً لوجود احتمالات كبيرة لأن تكون هذه الإجراءات الصديقة للمناخ قد حدثت دون مساهمة أموال سوق التعويضات.
يشكك عدد متزايد من العلماء في فعالية السوق، وانضم بعض بائعي التعويضات إلى الدعوة لوضع توجيه محدد أكثر للسوق. على سبيل المثال، شكلت القواعد الضعيفة ذريعة لأصحاب الأراضي لتطوير مشروعات تعويضات لا تغير في الواقع طريقة إدارة الغابات، بالتالي لا تقدم الكثير لمساعدة المناخ. ويؤدي انتعاش مبيعات التعويضات التي لا يوجد أثر حقيقي لها إلى التنديد بالتقدم المناخي الذي لا يظهر فعلياً على أرض الواقع.
6) كيف سيُحسم هذا الجدل على الأرجح؟
نظراً للتشكيكات المحيطة بمصداقية التعويضات التي تتجنب الانبعاثات، يتجه عددٌ قليلٌ من الشركات للتركيز فقط على تقنيات إزالة الكربون. في 2022، تجمع المشترون بما في ذلك "ألفابت" و"ميتا بلاتفورمز" و"سترايب" (Stripe) معاً لإطلاق صندوق بقيمة 925 مليون دولار ملتزم بشراء تعويضات إزالة الكربون من الشركات الناشئة الجديدة. والأمل هو أن هذه الأموال ستساعد تلك الشركات الناشئة على التوسع وجعل إزالة الكربون أرخص، فأكبر آلة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء في 2022 بلغت سعتها 400 طن سنوياً تقريباً فقط.