قالت وكالة الطاقة الدولية، التي تضمُّ محلّلي الطاقة الأكثر موثوقية في العالم، في تقريرها السنوي، إنَّ العالم يتجه نحو الاحتباس الحراري بوتيرة أسرع من الحدِّ الكبير الذي أُعلِن عنه في اتفاقية باريس عند 1.5 درجة مئوية خلال السنوات المقبلة.
ووضعت الوكالة، التي تشتهر بخبرتها في الوقود الأحفوري، مساراً للدول للتحرُّك نحو تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وفق جدول زمني أكثر ضيقاً.
وأشارت الوكالة، إلى أنَّ تكلفة التخلُّص من أنواع الوقود الأحفوري في نظام الطاقة العالمي ستفوق بـ25% حجم الاستثمارات المتوقَّعة في هذا المجال، التي تقدَّر بـ54 تريليون دولار حتى 2040.
التحول نحو الطاقة النظيفة
تخلَّت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير "آفاق الطاقة العالمية في 2020"، عن نهجها في توقُّعات الطاقة التي لطالما أثارت انتقادات للتقليل من أهمية صعود مصادر الطاقة المتجددة، ومن المشكلات المناخية المتسارعة.
ويقول فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، : "نحن عازمون بشدة على جعل وكالة الطاقة الدولية وكالةً للتحوُّل العالمي نحو الطاقة النظيفة".
وحدَّدت الوكالة أربعة سيناريوهات عالمية مختلفة لمستقبل الطاقة: استمرار الاتجاهات الحالية، أو استمرار الوباء لفترة أطوَل من المتوقَّع، أو سيناريو التنمية المستدامة، وأخيراً السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي سيُقضى بموجبه على الانبعاثات، وفقاً للموعد النهائي الذي حدَّده العلماء في منتصف القرن.
السيناريو الأمثل.. الانبعاثات الصفرية
سيتطلب سيناريو الانبعاثات الصفرية (وصول نسبة الانبعاثات إلى صفر)، الذي يطالب به الناشطون والمستثمرون المهتمُّون بقضايا المناخ طَوال سنوات، قرارات عنيفة، وتمسُّ الجميع بشكل متزايد على المدى القصير.
ومع حلول عام 2030، ينبغي أن يحصل العالَم على الكهرباء بنسبة 75% من المصادر منخفضة الكربون، وذلك لترتفع النسبة من 40 % في 2019.
من جهة أخرى، في العام الماضي شكَّلت السيارات الكهربائية 2.5% فقط من السيارات الجديدة المبيعة، وهو رقم ينبغي أن يرتفع إلى أكثر من 50 % بحلول 2030، ويتعيَّن على الدول النامية إجراء تعديلات في نُظم الطاقة في ثُلث المباني القائمة فيها، وذلك خلال أقل من 10 سنوات، وهي نسبة ترتفع إلى 50 % في الدول الأكثر ثراءً.
تغييرات سلوكية تطال الجميع
وتتوافق سيناريوهات الانبعاثات الصفرية بحلول 2050، والتنمية المستدامة مع التوقُّعات بارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 أو 1.65 درجة مئوية بحلول 2100، دون تطبيق تقنيات حدِّ الانبعاثات واسعة النطاق.
كما أنَّ الوصول إلى انبعاثات صافية صفرية في الوقت المحدَّد يتطلَّب تغييرات سلوكية غير مسبوقة مِن قِبل 7 مليارات شخص يتمتَّعون بوصول جزئيٍّ على الأقلّ إلى أنظمة الطاقة الحديثة، وهو ما يعني استبدال الرحلات الجوية القصيرة برحلات القطارات أو السيارات ذات الانبعاثات الأقل من ثاني أكسيد الكربون، كما ينبغي أن يحلَّ المشي، أو الدرَّاجات محلَّ رحلات السيارات القصيرة لمسافة 3 كيلومترات أو أقلّ، وسيتعيَّن على الجميع أن يضبطوا مكيِّفات الهواء بقدر أعلى بـ3 درجات مئوية في الصيف.
ولا تقتصر هذه التغييرات السلوكية على الأغنياء فحسب، ويقول بيرول: "ليس فقط في لندن أو باريس أو نيويورك، بل يجب أن تحدث هذه التغييرات في كل مكان".
"كوفيد" وخفض الانبعاثات
تعرَّض الاندفاع العالمي لخفض الانبعاثات إلى مزيد من التعقيدات بسبب وباء "كوفيد-19"، علماً أنَّ العلماء ناشدوا كثيراً الدول للسعي وراء ذلك منذ عقود .
وتقدِّر وكالة الطاقة الدولية أنَّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة حول العالم ستتراجع بنسبة 7 % العام الجاري بسبب الهبوط في الطلب جرَّاء الوباء، ولكن هذا التراجع لن يستمرَّ مع خروج الاقتصادات من الأزمة، وسوف تعود الانبعاثات إلى اتجاهها نفسه العقد الماضي، إلا إذا حدث "تغيير حقيقيٌّ في الاستثمار في الطاقة النظيفة"، وهو ما سيتطلَّب من الحكومات والقطاع الخاص إنفاق نحو تريليون دولار في كل عام من الأعوام الثلاثة المقبلة.
ويضيف بيرول: "في قطاع الطاقة كثير من العمل الذي ينبغي القيام به، ولكن مجهودات قطاع الطاقة وحده لن تكون كافية".