مع زيادة تعرُّض مناطق مختلفة لحرائق الغابات والعواصف وغيرها من الكوارث الطبيعية، بدأ عديد من المدن حول العالم بالتخطيط لإنشاء بنية تحتية تحدّ من آثار التغيُّر المناخي، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وتتربص هذه الكوارث بالقيمة المستقبلية للعقارات في تلك المدن، وهو ما يجعل المستثمرين والمطورين العقاريين يأخذون عوامل الخطر المناخي بعين الاعتبار بشكل متزايد، خصوصًا عند اتخاذ قرار مكان الشراء أو البناء لمشروعهم المقبل، وذلك وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا من "Urban Land Institute"، وهي منظمة تُعنى بالاستخدام المسؤول للأراضي.
هل الحكومات جاهزة للتصدي للتغيرات المناخية؟
ويعني ذلك أيضًا أنّ هؤلاء المستثمرين والمطورين لقطاع العقار يأخذون بالاعتبار مدى جاهزية الحكومات وترتيبها للتصدي لتغييرات المناخ أو الكوارث الطبيعية، وذلك وفقًا لما جاء في دراسة أجرتها شركة "هيتمان" (Heitman).
وسأل الباحثون فيها شركات كبرى خلال مقابلات حول مدى أخذهم لمخاطر المناخ بعين الاعتبار في قرارات الاستثمار، ومن ضمن الشركات التي أُجريَت مقابلات معها خلال البحث شركة "BlackRock Inc". وشركة "CBRE Global Investors" ومجموعة "كريدي سويس" و"غولدمان ساكس" و"موديز و"مورغان ستانلي".
ويقول إد والتر، كبير المديرين التنفيذيين في منظمة "ULI"، في بيان له: "يتطلع المستثمرون إلى ما بعد الأصول الفردية، من خلال تقييم استعداد المدينة للتغيُّر المناخي، إلا أنّ النماذج والمقاييس التي يحتاجون إليها لهذا التقييم لا تزال في خطواتها الأولى".
ووردَ في التقرير أنّ شركات الاستثمار العقاري التي أُجريَت المقابلات معها اتفقت على أن الصناعة حاليًّا متأخرة في التنبؤ بمخاطر المناخ، مع أنه أصبح من الصعب تجاهل التكرار والحدّة المتزايدين لتأثيرات تغيُّر المناخ، التي ينتج عنها الجفاف والفيضانات والأعاصير المدمرة وحرائق الغابات وموجات الحرارة والانزلاقات الأرضية.
وشهد العام الماضي 40 كارثة طبيعية نتج عن كل منها خسائر مباشرة على المدى القريب بلغت مليار دولار، وفقًا لبحث أجرته شركة التأمين "AON" التي اقُتبِس عنها في تقرير "ULI"، كما بلغت قيمة الخسائر العالمية من سوء الأحوال الجوية منذ عام 2010 وحتى 2020 أكثر من 3 تريليونات دولار.
مخاوف متنامية لدى مجتمع الاستثمار
ويتشارك كثيرون في مجتمع الاستثمار هذه المخاوف المتنامية لدى المستثمرين العقاريين، ففي الولايات المتحدة وخلال شهر يوليو أرسلت مجموعة من المنظمات غير الربحية وصناديق التقاعد والمستثمرين الآخرين، الذين يمثل مجموع أصولهم نحو تريليون دولار، رسالة إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي وهيئات حكومية أخرى تطالبهم باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن أزمة المناخ. وأشارت الرسالة إلى التهديد الكبير الذي يمثله التغير المناخي على الأسواق المالية والاقتصاد.
ووجد تقرير "ULI" أيضًا أنّ المستثمرين في العقارات يأخذون النقاط التالية بعين الاعتبار (أو يسعون لدراستها) عند تقييم المخاطر الملموسة في السوق، أو تلك المخاطر المباشرة للأحداث المناخية:
- إجماليّ عدد السكان ونسبة المعرّضين للخطر منهم.
- المساحة الجغرافية الكلّية أو نسبة المساحة الجغرافية المعرّضة للخطر ضمن المدينة.
- إجماليّ القيمة أو النسبة المئوية للعقارات المعرّضة للخطر.
- احتمالية تفاقم أحداث مناخية أو كوارث الطبيعية بشكل يُعيق منطقة الأعمال الرئيسية في المدينة.
- وجود مناطق أعمال جوهرية أو سكنية أكثر هشاشة من غيرها أمام أخطار المناخ والكوارث الطبيعية.
مخاطر أوسع على الاقتصاد والمشاريع
وحدّد البحث أيضاً فئة أخرى تؤخذ بعين الاعتبار مِن قِبل المستثمرين، وهي ما يسمى بـ"مخاطر التحول"، ويُقصد بها المخاطر الأوسع على الاقتصاد والمشاريع المترتبة على سياسات التغير المناخي التي تدفع الأعمال نحو اقتصاد بأثر كربونيّ أقلّ. لكن النماذج التقليدية لمستثمري العقارات تحديدًا لا تأخذ في الحسبان هذه التعقيدات وليست مصممة لقياس الآثار البعيدة المدى للتغيُّر المناخي على البنية التحتية للمدينة أو الاقتصاد.
يقول ماوري توغناريلي، كبير المديرين التنفيذيين في "هيتمان": "يجب أن تتضمن عمليات الفحص تقييم المخاطر المتسارعة التي يفرضها التغير المناخي، مثل تقييدات السياسات المالية، والاستثمارات الهامة في البنية التحتية وإصلاحها والاستبدال بها، فيما تستمرّ في التطور أدوات إدارة البيانات ومنهجيات الاستخبارات التجارية المطلوبة لمساعدة المستثمرين في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه العوامل". وورد في التقرير أنه سيكون على المدن أن تُظهِر لخبراء العقارات أنها آمنة ماليًّا، ومستعدّة لحالات الطوارئ وتستثمر في البنى التحتية وتلتزم كفاءة الطاقة واتخاذ القرارات على أُسُس علمية.
ارتفاع مستوى سطح البحر
وينطبق هذا بشكل خاصّ على المدن الساحلية، إذ تستمرّ مستويات سطح البحار بالارتفاع. ووفقًا لدراسة قامت بها جامعة كولورادو في عام 2018 (نُظمت في جامعتَي بولدر وبنسلفانيا)، فإنّ العقارات التي تعرضت لارتفاع مستوى سطح البحر تُباع الآن بسعر أقلّ بـ7 في المئة مقارنة بالعقارات المشابهة وإنما الأكثر حماية، التي لها البُعد نفسه عن الماء.
وأظهرت أداة عامل الفيضان التي تقدمها "First Street Foundation" أنّ ثماني ولايات على طول الساحل الشرقي قد خسرت ما مجموعه 14.1 مليار دولار من قيمة العقارات في المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر منذ عام 2005.
وذكر التقرير سنغافورة كمثال، إذ أعلنت الدولة عن تخصيص 100 مليار دولار سنغافوري (73 مليار دولار) على أكثر من عشر سنوات لتجهيز البلاد لمواجهة أسوأ سيناريوهات مستويات الفيضان التي قد يتسبب بها الاحتباس الحراري. وتعمل صناعة العقارات على تطوير نماذج الاستثمارات المستقبلية التي من المحتمل أن تثمّن هذا النوع من التخطيط طويل الأمد.