تشهد القارّة الإفريقية ارتفاعًا متسارعًا في معدلات درجات الحرارة، ومن المتوقع أن يؤثر تغيُّر المناخ في جوانب الحياة هناك، ابتداءً من صحّة الإنسان إلى الأمن الغذائي والنموّ الاقتصادي، وفقًا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن "حالة المناخ" في أفريقيا، والذي يعد التقرير الأول من نوعه.
وقد ارتفعت درجات الحرارة في أفريقيا بين عامَي 1901 و2012 بأكثر من درجة مئوية مقارنة بالمتوسط العالمي، وبحلول الفترة من عام 2080 إلى 2100 سيتجاوز هذا الارتفاع في مناطق كثيرة من القارّة درجتين مئويتين، مقارنة بفترة ما قبل الصناعة. وذلك في حال استمرّت الانبعاثات عند مستوياتها الحالية، وفقًا للتقرير الأخير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
عواقب حتمية
وتقول فيرا سونجوي، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة: "نحن نعلم أن تأثيرات تغيُّر المناخ التي نعاني منها اليوم هي العواقب المترتبة على اختيارات التنمية التي اعتمدتها البلدان على مرّ السنين، وخصوصًا الدول المتقدمة". وأضافت: "إفريقيا أكثر عرضة لخطر التغيُّر المناخي من غيرها، حتى لو لم تكُن مسؤولة عن ذلك بشكل كامل، إلا أنّ لديها أيضًا حلولًا قابلة للتطبيق بشكل كبير".
وكانت القارّة قد شهدت بالفعل ارتفاعًا في موجات الحَرّ والأيام الحارّة بشكل استثنائيّ وأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة، فيما تؤثر الحرارة والجفاف أيضًا في الإنتاج الزراعي، ما يزيد من أضرار الآفات والأمراض.
ويأتي تغيُّر المناخ ليضاف إلى النزاعات وعدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية، لتشكل مجتمعة عوامل رئيسية لزيادة معدلات الجوع التي زادت مؤخرًا في إفريقيا.
وقالت سونجوي خلال عرض التقرير الأخير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنّ الدول الإفريقية تنفق بالفعل ما بين 2 و9% من ناتجها المحلي الإجمالي للتكيف مع المناخ واتخاذ تدابير للتخفيف من حدّته.
وكان الإعصار الاستوائي "إيداي"، الذي ضرب موزمبيق في مارس 2019، قد تسبب في خفض نموّ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في ذلك العام إلى 2.3 في المئة، مقارنة بـ6.6 في المئة قبل العاصفة.
السيناريو الأسوأ
ومع ارتفاع درجات حرارة القارّة والكوكب بشكل عامّ، ستبقى درجات الحرارة المرتفعة والجفاف والتغيرات في هطول الأمطار اتجاهات مستمرّة في إفريقيا على مدى العقود القليلة المقبلة. وفي ظلّ السيناريو الأسوأ للمناخ، سترتفع درجة حرارة العالم بمقدار 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وهو ما سيخفض الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي بين 7.04 في المئة و12.12 في المئة، وفقًا للتقرير، فيما تشير السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا بارتفاع درجات الحرارة بشكل متوسط، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للقارّة بين 3.3 و8.28%.
كذلك يُعَدّ المناخ من العوامل الأكثر تأثيرًا في الإنتاج الزراعي، الذي يعتبر أساس الاقتصاد الإفريقي.
وارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية وفي البلدان المعرضة للجفاف جنوب الصحراء الكبرى، بنسبة 45.6% منذ عام 2012، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
ومن المقرر أن تؤدي التغييرات في أنماط هطول الأمطار أيضًا إلى زيادة الحشرات القارضة في مناطق جديدة، والمساهمة في نقل أمراض مثل حمى الضنك والملاريا والحمى الصفراء.
الأمن الغذائي في خطر
وفي ظلّ أسوأ سيناريو لتغيُّر المناخ، فإنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن ينخفض متوسط إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 13 في المئة في غرب ووسط إفريقيا، و11 في المئة في شمال إفريقيا، و8 في المئة في شرق وجنوب إفريقيا. وبينما سيستطيع بعض المحاصيل أن يتكيف مع الواقع الجديد مثل الدخُن والذرة الرفيعة، فلن يكون الأمر مماثلًا بالنسبة إلى محاصيل أخرى كالأرز والقمح.
التقرير أشار أيضًا إلى نقص البيانات من إفريقيا، وهو ما يمثل تحديًا للتنبؤ بتأثيرات تغيُّر المناخ وإعداد التدابير اللازمة للتصدي له. ووفقًا لتقرير نُشر في المجلة العلمية "Nature Climate Change" في يوليو الماضي، فإنّ عدم وجود محطات الأرصاد الجوية بشكل كافٍ هناك يعني أن موجات الحَرّ بالكاد تسجّل في مناطق من أفريقيا مثل جنوب الصحراء الكبرى.
وذكر التقرير أنه خلال الأعوام الـ120 الماضية سُجِّلَت موجتان من موجات الحَرّ فقط في جنوب الصحراء الكبرى بواسطة قاعدة بيانات حالات الطوارئ، وذلك بالمقارنة مع 83 موجة حَرّ أوروبية سُجِّلَت في العقود الأربعة الماضية.
عدم المساواة
ووفقًا لفريدريك أوتو، مؤلِّفة التقرير والقائمة بأعمال مدير معهد التغيير البيئي بجامعة "أكسفورد"، فإنّ توافر التقارير عن موجات الجفاف والفيضانات في إفريقيا تحسَّن على مدى العقود القليلة الماضية، ويرجع هذا جزئيًّا إلى عمل المنظمات غير الربحية التي تقوم بأعمال الإغاثة على أرض الواقع وتعمل على جمع البيانات. وبالمقارنة، فإنّ بيانات الموجات الحارّة أصبحت أكثر ندرة في الوقت الذي تزداد فيه هذه الموجات تواترًا وفتكًا.
وتقول أوتو: "في البلدان الإفريقية التي تعاني من سوء الإدارة فإنه عندما تحدث تغييرات أو تعطيلات مفاجئة في محطات الأرصاد الجوية ينتج عن ذلك فجوات في السجلات، وهذه مشكلة، لأنها تزيد من صعوبة قياس التغييرات وتحديدها".
وأضافت أن أنظمة الإنذار المبكّر التي تعمل بشكل جيّد لتنبيه الناس بالجفاف والفيضانات يمكن تطبيقها أيضًا على موجات الحَرّ. ولفتت أوتو إلى أنّ "أكبر تأثيرات تغيُّر المناخ في جميع أنحاء العالم تتمثل في تفاقم عدم المساواة، فهو يفاقم الانقسام بين الدول المتقدمة والدول النامية، ويقود أيضا إلى عدم المساواة داخل المجتمعات نفسها، إذ أنّ الناس الذين يموتون من الحرارة ليسوا أولئك الذين يمتلكون مكيفات التبريد".