خلال الأسبوع الأول من يونيو، نشر فريقي في "بلومبرغ إن إي أف"، توقّعاتنا السنوية حول المركبات الكهربائية. ويشير التقرير إلى كيفية تطوّر وسائل النقل البري المختلفة على مدى العقود المقبلة، كما يمثّل خريطة، يتم فيها تحديد تأثير هذا التطور على أسواق النفط، والطلب على الكهرباء، والبطاريات، والمعادن والمواد المستخدمة والبنية التحتية للشحن، والانبعاثات.
يتناول التقرير زوايا مختلفة حول الموضوع. وإليكم ما أودّ تسليط الضوء عليه من بين عدد كبير من الوقائع المثيرة للاهتمام ضمنه:
تراجع مبيعات سيارات الاحتراق بشكلٍ ملحوظ بعد بلوغها الذروة
لا تزال مبيعات السيارات تتعافى من تأثير الجائحة ونقص أشباه الموصلات، فضلاً عن عوامل كثيرة. ومن المتوقع أن ينتعش سوق السيارات بشكل عام خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن مبيعات السيارات الكهربائية ترتفع بسرعة تكفي لتعيق عودة مركبات الاحتراق إلى ذروتها السابقة.
تُقدِّر "بلومبرغ إن إي أف" أنه بحلول عام 2025، ستتراجع مبيعات السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي بنسبة تقل عن 19% من ذروتها في عام 2017. وبالرغم من أن التحوّل في مجال النقل البري لا يحدث بالسرعة الكافية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، إلاّ أنّه لا يزال يشهد تطوراً ملحوظاً بعد مرور أكثر من 100 عام على نمو محركات الاحتراق الداخلي.
تزايد الاعتماد على الطاقة الكهربائية في مختلف وسائل النقل البري
هناك دراسات تشير إلى التحوّل الكهربائي الواسع للمركبات في كل من الاقتصادات الغنية والناشئة. على سبيل المثال، تُسيّر الصين 685 ألف حافلة نقل عام كهربائية على الطرقات و195 مليون حافلة كهربائية ذات عجلتين. كما سجّلت مبيعات المركبات الكهربائية في كوريا الجنوبية 17% خلال العام الماضي. أمّا في الهند، فإن نحو 40% من المركبات الثلاثية العجلات هي بمعظمها كهربائية.
اقرأ أيضاً: نمو السيارات الكهربائية يتجاوز انتشار نقاط شحن البطاريات
تمتلك كل دولة احتياجات تنقّل مختلفة، ونقاط متفاوتة لتنطلق منها في أسطول المواصلات. لكن المبتكرين يحاولون بالفعل كهربة كل وسيلة تحط رحالها في قطاع النقل البري. ومن المرجح أن تكون هناك دراسات لحالات ناجحة مفاجئة في السنوات المقبلة.
تحتد المعركة بين خلايا وقود الهيدروجين والبطاريات المستخدمة في الشاحنات الثقيلة، أليس كذلك؟
قبل عشر سنوات، دارت نقاشات حول ما اذا كان الجيل الجديد من السيارات سيعمل بالبطاريات أو خلايا الوقود. وقد تم تسوية ذلك إلى حدٍّ كبير الآن، بحيث يقُدِّر عدد السيارات الكهربائية الجديدة بحوالي 20 مليون سيارة، بينما يبلغ عدد السيارات التي تعمل بخلايا الوقود أقل من 50 ألف سيارة. حتى أن "تويوتا"، الداعم الأكبر لاعتماد الهيدروجين لم تبلغ هدفها المتواضع ببيع 30 ألف سيارة تعمل بخلايا الوقود سنوياً حتى الآن، حيث باعت 5 آلاف و930 منها فقط في عام 2021.
وفي هذا السياق تغيّر مجرى النقاشات اليوم ليشمل الشاحنات الثقيلة التي تعتمد حتّى الآن على خلايا الوقود. لكن كل هذه البيانات تصب في النتيجة نفسها. حيث كشف إحصاء عالمي في تقرير، أن توقعات هذا العام تُشير إلى أن 68 شاحنة ثقيلة كهربائية تتوفّر اليوم، بينما يعتمد طرازان فقط منها على خلايا الوقود.
اقرأ أيضاً: مُصنِّعو السيارات يشعرون بانفراجة في أزمة إمدادات الرقائق الإلكترونية
لا يزال الأمر في بداياته، وسيكون إزالة الكربون من الشاحنات التي تقطع مسافاتٍ طويلة أمراً صعباً على وجه الخصوص. لكن هناك الكثير من الكيلومترات التي تقطعها الشاحنات الثقيلة في دورات عملها القصيرة، أو على الطرقات التي يكون فيها حجم الشاحنة، وليس وزنها، هو العامل المقيِّد. فضلاً عن العمل المستمر سعياً لزيادة "نقل" بطاريات "ليثيوم-أيون"، والضبط الدقيق لتكوينها الكيميائي بما يناسب الشاحنات بدلاً من مجرد استخدام نفس الخلايا الموضوعة داخل السيارات العادية. في هذا الإطار، يحرص عدد من مطوري المركبات على إجراء هذا التعديل قريباً، فإن وجود نماذج حقيقية في السوق الآن يُعتبر ميزة كبيرة.
الطلب المتوقع على الكوبالت لتشغيل السيارات الكهربائية آخذ في التراجع
تعتبر قصة الكوبالت في البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية أمراً مُذهلاً. إذ إنّ معظم كثافة الليثيوم الموجود في "بطاريات الليثيوم أيون" المستخدمة في المركبات الكهربائية موجودة في عائلة الكوبالت التي تشمل تركيبة المنغنيز والنيكل، أو في بطاريات "أن أم سي" التي تستخدم النيكل والمنغنيز والكوبالت بنسبٍ متفاوتة في القطب الكهربائي للمركبة (على سبيل المثال NMC 622 أو NMC 811). وبدا الطلب على الكوبالت جاهزاً للانطلاق قبل بضع سنوات، ويبدو أن هذه هي الكيمياء المفضلة مع زيادة عدد المركبات الكهربائية.
اقرأ أيضاً: أسعار معادن البطاريات المرتفعة تزيد تكلفة السيارات الكهربائية
من المتوقع أن يرتفع الطلب على الكوبالت، ولكن بأقل بكثير ممّا كان متوقعاً في السابق. حيث أدى ارتفاع أسعاره مع مخاوف أزمات سلاسل التوريد إلى تسريع استبداله بمواد كيميائية مختلفة، بما في ذلك الفوسفات والحديد والليثيوم، أو ما يعرف بـ"إل أف بي"(LFP) ، الذي لا يستخدم الكوبالت أو النيكل في تركيبه. كما تتوقع "بلومبرغ إن إي إف" أن تُشكِّل بطاريات "إل أف بي" (LFP) %42 من إجمالي الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية في العام المقبل.
يسلط ذلك الضوء على سمة أساسية لكيفية عمل الأسواق, وهي أن الأسعار المرتفعة لا تدفع الاستثمار في إمدادات جديدة فحسب، بل أنها تحفز استبدال جانب الطلب أيضاً. وتدعو الحاجة إلى ضخ كميات كبيرة من الاستثمارات الجديدة في جميع مجالات سلاسل توريد البطاريات، لكن هناك أسباب وجيهة للتشكيك في التحذيرات من استمرار النقص الدائم. ومن المرجح أن تواجه المواد الخام التي تدخل في صناعة البطاريات بالتقلبات التّي طرأت على أسواق السلع الأساسية على المدى الطويل. ولذلك فإنّ حل ارتفاع الأسعار هو ارتفاع الأسعار نفسه.
اقرأ أيضاً: أسعار معادن البطاريات المرتفعة تزيد تكلفة السيارات الكهربائية
صافي الانبعاثات الصفرية يتطلب أكثر من مجرد تبديل نظام الدفع في السيارات
إن مجرد تبديل أنظمة الدفع داخل السيارات ليست الطريقة الأكثر فعالية للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050. ويتضمن تقرير التوقعات لهذا العام سيناريو انخفاض الطلب الذي يبحث في الخطوات التي تعتمدها الحكومات لمكافحة الاعتماد على السيارات.
تجدر الإشارة إلى أن خفض المسافات المقطوعة في السيارات ولو بنسبة قليلة أي حوالي 10% على مستوى العالم يمكن ان يُسهّل في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. ويمكن لبعض التدابير أن تضمن تحقيق ذلك من خلال الاعتماد على وسائل نقل اخرى، تأتي وسائل النقل النشطة (ركوب الدراجات الهوائية، وممارسة المشي) في المقام الأول، فضلاً عن اعتماد وسائل النقل العام.
في هذا السيناريو، ينخفض عدد السيارات العالمي بمقدار 145 مليون سيارة بحلول 2050، ما يساهم بتراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتراكمة بمقدار 2.25 غيغا طن، وخفض الطلب السنوي على البطاريات بمقدار 433 غيغاوات/ساعة. ما يُقلّل بالتالي من الضغط على سلاسل التوريد. ومن الضروريّ تطبيق كلّ ما ورد أعلاه، لنكون على المسار الصحيح نحو هدف صافي الانبعاثات الصفرية.