هل يتحكم مستثمرو المناخ في كل شيء؟

 الألواح الكهروضوئية في محطة الطاقة الشمسية "بورتولانو 2" التابعة لشركة "إبيردرولا" في بورتولانو، إسبانيا. - المصدر: بلومبرغ
الألواح الكهروضوئية في محطة الطاقة الشمسية "بورتولانو 2" التابعة لشركة "إبيردرولا" في بورتولانو، إسبانيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

هناك فكرة تدور حول أن الاستثمار المناخي قد أصبح مفرطاً للغاية. يمكنك أن تصف تلك الفكرة بـ(شعور).

يعتبر معظمها انتهازية سياسية: فقد أعلن الحزب الجمهوري الأمريكي الحرب على الاستثمار المبني على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وألقى باللوم عليها في رفع الأسعار وخلق التضخم.

تقول الرواية إن المستثمرين المهتمين بالمناخ قد فاقموا أزمة الطاقة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا. ووفقاً لهذه الرواية، كانت شركات الوقود الأحفوري خارج روسيا مستعدة لتلبية احتياجات العالم من الطاقة، لولا ما قام به المستثمرون عديمو الكفاءة الذين لديهم أجندات خضراء ضعيفة جرّدت الصناعة من رأس المال.

يبدو أن صوت الجوقة ضد هؤلاء المستثمرين المهتمين بالبيئة بلغ ذروته خلال الأسبوعين الماضيين، مع تصاعد بعض أصوات الأشخاص الراغبين في لفت الانتباه عبر التحدث عن هذه المسألة - من إعلان إيلون ماسك أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة هي عملية احتيال، إلى انتقاد مسؤول تنفيذي في "إتش إس بي سي" للمخاوف المناخية ووصفها بأنها "مبالغ فيها".

الرواية بالكاد تكون متماسكة، وأدلتها متزعزعة. هذا صحيح، فمن الأكيد أن المستثمرين لا يوجهون شركات الطاقة نحو استثمارات طويلة الأجل في الوقود الأحفوري في الوقت الحالي. كما كان هناك بعض عمليات سحب الاستثمارات الكبيرة والبارزة من أسهم الوقود الأحفوري والديون. لكن ما يزال بإمكان شركات الطاقة جمع التمويل لمشاريع النفط والغاز الجديدة بسهولة – هذا إن رغبت في فعل ذلك.

لا تريد شركات الطاقة، في معظمها، بدء مشاريع نفط وغاز جديدة طويلة الأجل لأنها ترى إلى أين يتجه الطلب. فهم يعرفون أن الوقود الأحفوري في طريقه إلى الزوال.

استجابةً للعدد المتزايد من البلدان التي أعلنت عن تعهدات بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية خلال العقود المقبلة، أوضحت "وكالة الطاقة الدولية" برسم بياني سيناريو متفائلاً للطلب على الطاقة المتجددة:

في اجتماعاتها الأخيرة للإعلان عن الأرباح، أكدت شركات "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"شل" أنها ستواصل إعادة الأموال إلى المساهمين بدلاً من زيادة الاستثمارات في الإنتاج. كان الرئيس التنفيذي لشركة "إكسون"، دارين وودز، مُصراً على أن الشركة لن تزيد إنفاقها الرأسمالي فوق النطاق الموجه.

علاوة على ذلك، على طول خط الإنتاج، ليس لدى مزودي خدمات حقول النفط خططاً لزيادة الاستثمارات بسرعة، وفقاً لإد كروكس من "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie). وهناك فقط 14 منصة حفر عائمة قيد الإنشاء حول العالم، مقارنة بما يقرب من 100 في 2012-2013، بحسب ما كتب كروكس في منشور على موقع مخصص للباحثين والمستشارين. لقد تضرر مقدمو الخدمات بشدة بسبب ضغوط الطلب الكبيرة في الماضي، مما أدى إلى زيادة العرض وانهيار الأسعار لاحقاً.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

خيارات منعدمة

لا يبدو أن المستثمرين يتصدون لهذا الرأي، لأنه على الأرجح ليس بحوزتهم أي خيار آخر. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تُعتبر صناديق التقاعد "مالكة عالمية"، حيث يجب أن تظل مستثمرة في معظم الشركات الكبيرة المدرجة لتكون متنوعة بما فيه الكفاية. هذا يعني أن خياراتهم للاختلاف مع استراتيجية الشركات محدودة. نظراً لعدم تمكنهم من الخروج، غالباً ما يختارون مشاركة آرائهم حول إستراتيجية الشركة عبر نهج "المشاركة". وعلى الرغم من أن هذه المحادثات غالباً ما تكون مبهمة بشكل لا يُصدق، لا يبدو أن هناك مطالب لزيادة التوسع في الوقود الأحفوري المحفوف بالمخاطر.

وجدت دراسة إحصائية لصناديق التقاعد الكبيرة ذات الالتزامات الصافية الصفرية من أوروبا والمملكة المتحدة وأمريكا الشمالية واليابان، أُجريت بين يناير وأبريل، أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يؤد إلى التراجع عن مبادئ الاستثمار في تحول الطاقة.

قال أمين راجان من "كرييت ريسيرش" (CREATE-Research)، مُعد الاستطلاع، في مقابلة: "إنها (صناديق التقاعد) ترى أن مدة التحول ستكون 30 عاماً... ليس من المحتمل أن يتم حرفهم عن تلك المسيرة". لقد وجد راجان علامات على مضاعفة الالتزامات المتعلقة بالمناخ، بدلاً من الابتعاد عنها.

ولماذا قد يغير المستثمرون المسار؟ على العكس، بات من المؤكد أن الطلب على التحول عن الوقود الأحفوري يتسارع بسبب الوضع الحالي في أوكرانيا. ما عليك سوى إلقاء نظرة على أوروبا، التي كانت تاريخياً أفضل عميل للطاقة الروسية. لقد رفعت بالفعل طموحاتها للتخلص من الوقود الأحفوري في أعقاب الأزمة. فمن خلال خطتها "ريباور إي يو" (REPowerEU)، زاد التكتل هدفه المتعلق بالطاقة المتجددة من 40% إلى 45% بحلول عام 2030؛ وتريد القارة طرح 15 تيراواط إضافية من الطاقة الشمسية على الأسطح هذا العام، وإنتاج واستيراد ملايين الأطنان المترية من الهيدروجين الأخضر. كما تخطط لخفض الطلب النهائي على الطاقة 13% بحلول نهاية العقد.

لكن لكي نكون واضحين، لن يُعتبر أي استثمار - سواء كان ذلك في توربينات الرياح أو محطات الغاز – بمثابة حل فوري لأولئك الذين يعانون من ارتفاع فواتير الطاقة والوقود اليوم. يتحرك الاستثمار في الطاقة بوتيرة مختلفة عن أسواقها. ما نشهده الآن هو أزمة كشفت بالتحديد عن تباطؤ الجهود المبذولة للتخلص من الوقود الأحفوري حتى الآن. فالعمل الذي أُنجز غير كاف في كل من توليد الطاقة النظيفة، وخفض الطلب من خلال وسائل مثل كفاءة البناء وتغييرات نظام النقل. قد تتلقى الحكومات جزءاً كبيراً من اللوم على ذلك، لكن القطاع المالي لديه دور يلعبه أيضاً.

على الرغم من كل ما يدور حول الاستدامة والمناخ، ينضم المستثمرون في الغالب إلى رحلة الانتقال البطيئة والوعرة، بدلاً من الانتقال السريع الذي يتطلبه المناخ المستقر، أو النظام الذي من شأنه أن يحمينا من الارتفاعات المفاجئة.

قد يعتقد منتقدو المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أن المستثمرين في المناخ أصبحوا قوة ضاربة لدرجة أنهم يتحكمون بالفعل في أسواق الطاقة. ومن نواح كثيرة، سيكون من الرائع لو كان ذلك صحيحاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك