أدَّت معدَّلات الوفَيات الكبيرة التي يتعرَّض لها النحل منذ عقد من الزمان إلى جعل إنتاج عديد من المحاصيل التي تعتمد عليه في عملية التلقيح أكثر تكلفة، إلا أنّ فزع الناس من هذه الوفَيات يتجاوز التبعات الاقتصادية، فقد اعتزّ الناس بالنحل منذ العصور القديمة من خلال تمجيده في الشعر والأغاني وكذلك النصوص الدينية. وقد اعتبر شكسبير خلية النحل صورة للمجتمع في نصوصه، ويذكر كتاب "مورمون" نحل العسل كرمز للعمل الشاقّ، كما أثنى القرآن الكريم عليها لصُنع العسل.
أسباب زيادة وفَيات النحل
يشار بأصابع الاتهام في هذا الشأن إلى جميع من تسبّبوا في المشكلات التي يتعرض لها النحل خلال الفترة الأخيرة، بما في ذلك الطفيليات والأمراض وسوء التغذية، التي تتحدى جميعها الحلول المعروفة.
ويضاف إلى ذلك عامل يتمثل في الموادّ الكيماوية، وهي أحد العوامل المثيرة للجدل، والمتهمة بقتل النحل بشكل متزايد، مما دفع بعض الدول إلى حظر مبيدات الآفات الزراعية التي تعرف بالنيونيكوتينويد.
ودائمًا ما يكون فصل الشتاء صعبًا على النحل، إذ أفاد مُرَبُّو النحل الأمريكيون عن فِقدان ما متوسطه 28% من عدد النحل الموجود في مناحلهم، سواء بالموت أو الاختفاء، خلال أبرد موسم منذ 2006-2007.
ولا بيانات حول الاستطلاعات السابقة، لكنّ النحّالين يقدّرون أنّ المعدّل السابق لفِقدان النحل بلغ 15%، وهو يُعتبر طبيعيًّا، إلا أنّ وفَيات النحل ارتفعت خلال فصل الشتاء مثلًا في روسيا، فيما كانت أعلى حتى في السويد وألمانيا.
وتتطلب معدّلات الوفَيات المرتفعة فوق المعدل الطبيعيّ من النحالين إعادة بناء مستعمراتهم بسرعة ورفع ثمن استئجار المربّين للنحل.
أنواع مهدَّدة بالانقراض
يعاني النحل البرّي أيضًا من الضغوط، إذ إنّ 9% من أنواع النحل في أوروبا مهدَّدة، بينما أدرجت الولايات المتحدة ثمانية أنواع على أنها مهدَّدة بالانقراض منذ أواخر عام 2016. وأظهرت الدراسات الحديثة أنه عند اختبارها على المستويات التي يستخدمها المزارعون فإنّ مبيدات النيونيكوتينويد تزيد من معدلات موت النحل في البرّية.
أمّا بالنسبة إلى التأثير في المناحل، فقد توصّلت الدراسات إلى استنتاجات متضاربة، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي في عام 2013 وقفًا اختياريًّا لاستخدام ثلاثة أنواع من مبيدات النيونيكوتينويد على المحاصيل المزهرة، وفي عام 2018 وافق على توسيع الحظر ليشمل جميع الاستخدامات الخارجية، بينما تدرس الوكالات المعنية في كندا والولايات المتحدة مخاطر مبيدات الآفات.
واعتمد مزارعو المحاصيل من التفاح إلى الكوسة منذ فترة طويلة على الملقحات البرّية، بما في ذلك أنواع النحل المختلفة والطيور والخفافيش، لتخصيب النباتات وزيادة المحاصيل.
أصبح المزارعون الجُدد ممن لديهم مزارع أكبر يعتمدون على النحل في القيام بنحو نصف عبء التلقيح لمحاصيلهم، فالتلقيح بواسطة الحيوانات مسؤول بشكل مباشر عمّا بين 5 و8% من الإنتاج الزراعي في جميع أنحاء العالم، أو ما يصل إلى محاصيل بقيمة 577 مليار دولار، وفقًا لأحد التقديرات.
وبعد أن بدأ مُرَبُّو النحل في الولايات المتحدة في الإبلاغ عن خسائر كبيرة في عام 2006، صِيغَ مصطلح "اضطراب انهيار المستعمرة" لوصف تخلّي النحل البالغ عن الخلية، واليوم، وتمثل تلك الظاهرة أقلّ أسباب خسائر النحل.
وقد ظهر إجماع علميّ على أنّ التهديدات المختلفة اجتمعت لجعل حياة النحل أكثر إرهاقًا، وتشمل تلك التهديدات "عث فاروا الطفيلي" (عبارة عن طفيل يهاجم خلايا النحل ويدمّرها)، وقد طوّر هذا الطفيل مقاومته للموادّ الكيماوية المستخدمة لقتله، وفيروسات النحل، والتغذية غير الكافية.
وأدى استخدام مبيدات الأعشاب الضارّة في المزارع والغابات وعلى طول الطرق السريعة إلى تقليل الغذاء المتاح للنحل، وتتسبّب الزراعة الأحادية، التي تقوم على زراعة نبات واحد فقط على مساحة كبيرة عامًا بعد عام، في حرمان النحل من نظام غذائيّ متنوِّع، في حين تُظهِر الدراسات أنّ التعرُّض لأصناف أكبر من حبوب اللقاح يساعد النحل على محاربة الطفيليات بشكل أفضل.
مستقبل الزراعة
يُعتبر الجدل حول النحل بمثابة معركة بالوكالة على مستقبل الزراعة، إذ يرى مؤيِّدو الممارسات الزراعية المعاصرة أنّ موت النحل يمثل تكلفة إضافية لإنتاج الغذاء. وقد أشاروا إلى أنه على الرغم من أن ارتفاع معدّلات وفَيات النحل قد زادت من تكاليف النحّالين والمزارعين الذين يستأجرونهم، فإنها لم تؤثر بشكل كبير في المحاصيل أو أسعار الموادّ الغذائية، وتدعم هذه المجموعة الجهود المبذولة لتحسين صحّة النحل ولكنها تُعارِض فرض قيود على مبيدات الآفات.
ويستشهد هؤلاء بالدراسات التي تُظهِر أنّ الوقف الاختياري في الاتحاد الأوروبي لمبيدات النيونيكوتينويد قلّل من إنتاج المحاصيل، مما أدى إلى انخفاض إنتاج بذور اللفت الزيتية بنسبة 4% في المتوسط، كما دفع الحظر المزارعين إلى تعزيز استخدام أشكال أخرى من المبيدات الحشرية وزيادة تكاليفهم، بالإضافة إلى أنّ الأدلة القاطعة حول كون مبيدات النيونيكوتينويد تؤذي النحل البرّي لا عَلاقة لها بالزراعة إلى حدٍّ كبير، لأنّ الأنواع التي تزور المحاصيل نادرًا ما تكون هي الأنواع المهدَّدة بالانقراض.
ومن ناحية أخرى، يرى منتقدو النماذج الصناعية للزراعة موت النحل كعلامة على العيوب الأساسية في النظام الغذائي، ويدعمون تناوب المحاصيل، وانخفاض استخدام الموادّ الكيماوية، وتقليل ممارسات إدارة الأراضي مثل ترك الأراضي الهامشية لتبور، وبالتالي السماح بنموّ الأعشاب الضارّة ليتغذى عليها النحل. وتجادل تلك المجموعة بأنّ هذه التدابير ضرورية لاستعادة النظم البيئية الصحّية، بما في ذلك مستعمرات النحل، وهُم غالبًا ما يدافعون عن الزراعة العضوية.