اقترحت دراسة جديدة حلاً جذرياً لتحسين الصحة المتدهورة للغابات الجافة الممتدة على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة، وهو يتمثل في قطع 80% من الأشجار تقريباً.
تشير الدراسة إلى أن الغابات في سلسلة جبال سييرا نيفادا والمساحات المجاورة يمكن أن تصمد في مواجهة الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات الشديدة والجفاف وتفشي الآفات وتغير المناخ بشكل أفضل، في حال خفض كثافتها بشكل كبير. الأمر الذي من شأنه أن يقضي على تزاحم تلك الأشجار على المياه وغيرها من الموارد، مما يساعد الأشجار المتبقية على تحمل مجموعة من الضغوطات الأخرى. ومن المنتظر نشر الدراسة في إصدار الشهر المقبل من مجلة "بيئة الغابات وإدارتها" (Forest Ecology and Management)، ومن المتوقع أن تثير الجدل حول كيفية حماية النظم البيئية الهشة للغابات، حيث يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم التهديدات في هذا الإطار.
منحى مُختلف تماماً
قال المؤلف الرئيسي للدراسة، مالكولم نورث، وهو عالم أبحاث بيئي في "دائرة الغابات بالولايات المتحدة"، وأستاذ في "جامعة كاليفورنيا"، بمدينة ديفيس: "إنه نهج مختلف تماماً لزراعة الغابات وإدارتها".
على مدى القرن الماضي، كان خبراء التشجير الأمريكيون يستهدفون زيادة عدد الأشجار التي يمكنهم زراعتها في منطقة ما وحمايتها من النيران إلى حد كبير.
مع ذلك، فقد استمر إخماد حرائق الغابات في النظم البيئية التي تكيفت مع الحرائق المستمرة منخفضة الخطورة لعقود، مؤدياً إلى تضخم الغابات بشكل كثيف، وهو الأمر الذي عزز اشتداد الحرائق. ونظراً لأن حرائق الغابات في الساحل الغربي تحطم الأرقام القياسية عاماً بعد عام، فقد أولى صانعو السياسات، مؤخراً، مزيداً من الاهتمام بهذه المشكلة، فضلاً عن تمويلهم للمزيد من حلول التخفيف البيئي للغابات.
تزاحم أقل
أضاف نورث أن موت 150 مليون شجرة بسبب تفشي الإصابات بخنافس اللحاء خلال موجة الجفاف التي عصفت بالغابات خلال الفترة بين عامي 2012 و2016، كان بمثابة "تنبيه" لكون الغابات المكتظة تمثل مشكلة أكبر حتى من حرائق الغابات. يذكر أن اعتماد الكثير من الأشجار على مصادر محدودة من المياه يمكن أن يؤدي إلى جعلها أكثر عرضة لتهديدات مثل خنافس اللحاء. وقال عالم الأبحاث البيئية: "لقد أدركنا وجود الكثير من الحشائش في الأرض، وأنه ينبغي تقليل هذه الكثافة للغاية إذا كنت تريد جعل الأشجار مقاومة لكل من حرائق الغابات والجفاف".
لكن إلى أي مدى ينبغي تقليل تلك الكثافة؟ استعان المؤلفون المشاركون في دراسة نورث ببيانات من دراسة استقصائية للأخشاب نفذت عام 1911 شملت ما يعرف الآن بغاباتي "ستانيسلاوس" و"سيكويا" الوطنيتين، واستخدمت هذه الدراسة كمعيار لمعرفة كثافة هذه الغابات قبل أن تؤدي سياسات إخماد الحرائق إلى زيادة كثافتها.
ووجد العلماء أن كل فدان كان يضم 20 إلى 30 شجرة تقريباً خلال القرن الماضي، مع جذوع شجر يبلغ طولها 30 بوصة (1 بوصة = 25.4 مليمر). بينما أظهرت البيانات الحديثة أن المناطق ذاتها تحتوي على ما يقرب من 150 إلى 200 شجرة لكل فدان، مع أشجار فردية بنصف حجم الأشجار سابقاً.
ويعتقد العلماء أن انعدام التزاحم في الغابات التي كانت أكثر انتشاراً في الماضي، سمحت للأشجار الفردية بالبقاء والنمو. وتتمكن تلك الأشجار الأكبر والتي تتمتع بصحة أفضل من البقاء خلال الحرائق المتكررة ونوبات الجفاف الحادة والحشرات والأمراض.
وتقترح الدراسة أن مديري الغابات المعاصرين يجب أن يأخذوا ذلك في الاعتبار.
يقول المؤلف المشارك ريان إي تومبكينز، مستشار الإرشاد التعاوني للغابات والموارد الطبيعية في جامعة كاليفورنيا: "هناك الكثير من الاضطرابات التي يتعين على الأشجار الفردية تحملها قبل أن تصل إلى هذا الحجم. نحتاج إلى بدء الإدارة القائمة على بيئة خالية من المزاحمة إذا أردنا الحفاظ على هذه الأشجار الضخمة".
نتائج مثيرة للجدل
من جهةٍ أخرى، تعد تلك قضايا خلافية في عالم غابات الساحل الغربي. فرغم وجود إجماع واسع على الحاجة إلى تخفيف الغابات، إلا أن مدى ومكان ذلك التخفيف- ناهيك عن كيفية دفع تكلفته- تظل موضوعات مثيرة للجدل.
على سبيل المثال، قد لا تبدو الغابة الصحية في العصر الحديث كما كانت منذ قرن مضى. يقول كريستوفر ستيل، أستاذ النظم البيئية للغابات في "جامعة ولاية أوريغون"، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن مستويات ثاني أكسيد الكربون أعلى بكثير، وإن الظروف المناخية أكثر دفئاً وجفافاً في الوقت الحالي، وهي عوامل تؤثر جميعها على نمو الغابات.
وبينما اعتبر ستيل النتائج موثوقة بشكل عام، إلا أنه يعتقد أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الحد الأدنى المناسب من التخفيف لجعل الغابات أكثر مرونة في مواجهة الضغوط والكوارث الطبيعية.
علاوة على ذلك، سيتطلب تقليل كثافة غابات سييرا نيفادا بنسبة 80% تمويلاً وقوة بشرية تتجاوز مئات الملايين من الدولارات التي ينفقها حالياً قادة مثل حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، على حلول مواجهة حرائق الغابات. وقال نورث إنه ستكون هناك حاجة إلى مرافق معالجة جديدة وتطبيقات تجارية للتعامل مع الكتلة الحيوية الإضافية بصفة مستمرة. كما أنه من غير الواضح كيف ستكون ردة فعل الجماهير على قطع الأشجار على هذا النطاق الواسع.
ماذا عن مواجهة الكربون؟
أما بيل ستيوارت، أخصائي الإرشاد التعاوني في برنامج اقتصاديات الغابات في "جامعة كاليفورنيا"، في بيركلي، والذي لم يشارك في الدراسة، فجادل بأن التخفيضات الدراماتيكية لكثافة الأشجار تعني تقليل عزل الكربون. وقال العالم، الذي تقاعد مؤخراً، إن ملاك الأراضي من القطاع الخاص مثل شركات الأخشاب لديهم سجل أفضل في الحفاظ على الأشجار حية من الوكالات العامة مثل الغابات الوطنية التي تركز عليها الدراسة الجديدة.
لكن، كما قال مؤلفو الدراسة، فإن الغابات بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة في المقام الأول حتى تتمكن من تخزين الكربون، حيث تتمتع الأشجار الأكبر حجماً بفرص أفضل في هذا الصدد. كان نورث وتومبكينز قد قادا دراسات حول الحاجة إلى إعادة العمل بنظم "الحرائق المفيدة"، والتي كانت تقلل من الأشجار الصغيرة والشجيرات بانتظام، بالإضافة إلى الدراسات المتعلقة بزراعة الأشجار على هيئة رقع وتكتلات طبيعية- بدلاً من الخطوط الضيقة والمستقيمة- للمساعدة في تخفيف أضرار حرائق الغابات.
وأضاف العلماء أن استعادة الغابات للهيئة التي كانت تبدو عليها قبل وصول المستوطنين الأوروبيين واعتماد ممارسات التشجير، يمكن أن تفيد في البقاء طويل الأمد، ليس فقط للأشجار، ولكن أيضاً للحياة البرية التي تأويها والحالات المناخية المحلية التي تأتي معها.
أضاف نورث أخيراً: "نحتاج إلى التفكير بشكل أعمق باستعادة ما جعل هذه الغابات شديدة المرونة في مواجهة الضغوطات في الماضي، وذلك لأن مستقبل تغير المناخ يخبئ الكثير من هذه الضغوطات لها".