في أواخر عام 2021، أمضى الدبلوماسيون ساعات في الجدل حول ما إذا كان البيان الختامي لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021 (COP26) سيتبنى "الوقف الكامل" أو "خفض نسبة" الفحم. وتحت ضغط من الصين والهند، ساد الخيار الثاني المخفف. ومع ذلك، كان من الجيد بما يكفي أن تُعلن الأمم المتحدة أن أقذر أنواع الوقود "قد يُصبح من التاريخ".
لكن لا شيء أبعد من هذا الكلام عن أرض الواقع.
فالفحم لم يتوقف أو ينخفض، وأفضل الكلمات التي قد تُستخدم لوصف سوق الفحم اليوم قد قِيلت في عام 2001 من قبل إيفان غلاسنبيرغ، الرئيس السابق لشركة السلع العملاقة "غلينكور" (Glencore). وفي ذلك الوقت، قال قطب السلع سليط اللسان إن "الجميع يتوقون للفحم". وبعد عقدين من الزمن، في عالم أكثر صحة من الناحية السياسية، يمكن للمرء ببساطة أن يقول إن صناعة الفحم تزدهر.
طالع المزيد: أكبر 3 مستهلكين للفحم في العالم يستعدون لحرق المزيد في 2021
أسعار الفحم تقفز
انظروا إلى السوق، فقد قفز سعر الفحم الحراري القياسي في آسيا الأسبوع الماضي إلى ما يقرب من 244 دولاراً للطن المتري، وهو ثاني أعلى سعر على الإطلاق، ويقل بنسبة ضئيلة فقط عن الذروة في أكتوبر. وفي علامة على جنون السوق - الناجم جزئياً عن حظر التصدير من قبل المنتج الرئيسي إندونيسيا - جرى تداول شحنة صغيرة واحدة الأسبوع الماضي فوق 300 دولار للطن فيما يعتقد الكثير في السوق أنها أغلى صفقة فحم على الإطلاق. كما يُتداول الفحم المستخدم في صناعة الصلب - ما يسمى بالفحم المعدني والفحم الحجري - أيضاً عند مستوى قياسي يزيد على 400 دولار للطن.
اقرأ المزيد: إندونيسيا أكبر مُصدِّر للفحم في العالم تحظر تصديره مؤقتاً
ما من شكٍ في أن شركات التنقيب التي تمسكت بالفحم على الرغم من الضغوط للانسحاب من الاستثمار فيه تُحقِّق الكثير. انظروا إلى شركة "غلينكور"، أكبر مصدر للفحم الحراري المنقول بحراً في العالم. حيث ارتفعت أسهمها إلى أعلى مستوى في 10 سنوات ويتوقع المستثمرون ثروة نقدية لها. حيث إن الواقع هو عالم مثالي بالنسبة لهم: فالطلب آخذ في الازدياد، في حين أن العرض مقيد لأن المستثمرين المؤسسيين، بقيادة شركة "بلاك روك" (BlackRock)، أقنعوا تقريباً كل شركات التنقيب بالتوقف عن فتح مواقع جديدة. وبالتالي فإن الترتيب جيد جداً لدرجة يبدو من بعيد وكأنه ترتيب احتكاري يشبه الكارتل تقريباً.
طالع أيضاً: أسعار الفحم الأوروبي ترتفع لأعلى مستوى في 13 عاماً بعد قفزة الغاز الطبيعي
أخبار مروعة لكوكب الأرض
يُشار إلى أن ما يُعدّ جيداً بالنسبة لشركة "غلينكور" وغيرها من المتحمسين للفحم هو أخبار مروعة لكوكب الأرض؛ فالسلعة هي الوقود الأكثر كثافة بالكربون في العالم، وكل سيناريو للطاقة متوافق مع صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول عام 2050 يتميز بانخفاض سريع في استخدام الفحم. إلا أن العكس يحدث، مع إرسال المزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.
في العام الماضي، أحرق العالم أكبر كمية من الفحم على الإطلاق لإنتاج الكهرباء. وفي ظل الاتجاهات الحالية، فإن إجمالي الاستهلاك العالمي، الذي يشمل أيضاً استخدامات صناعية مثل الفولاذ والأسمنت، إلى جانب توليد الطاقة، سيصل إلى مستوى قياسي هذا العام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
يُشار إلى أن ازدهار الاستهلاك قد أثبت خطأ الكثيرين الذين قالوا مرة أخرى في 2013-2014 إن الطلب على الفحم قد بلغ ذروته وسيبدأ قريباً في الانخفاض. وفي أحسن الأحوال، يستقر استهلاك الفحم عند هضبة عالية الارتفاع. وفي أسوأ الأحوال، قد يستمر في الارتفاع. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية بعد هذا العام حدوث بعض الزيادات الطفيفة الإضافية في الطلب لعامي 2023 و2024، مسجلاً مستويات قياسية جديدة في كلا العامين.
واقع نظام الطاقة
هذا ولم تكن الفجوة بين طموح العالم للتخلص من الفحم الحجري وواقع نظام الطاقة فيه أوسع مما هي عليه الآن؛ حيث تُعدّ الصين سبباً رئيسياً وراء ارتفاع الطلب كثيراً العام الماضي، وهي تستمر في فعل ذلك في عام 2022. وفي مواجهة نقص الكهرباء، أمرت بكين شركات الفحم المملوكة للدولة في أواخر عام 2021 ببذل أقصى جهودها لتجنب انقطاع التيار الكهربائي. وكانت النتيجة أن العملاق الآسيوي استخرج فحماً أكثر من أي وقت مضى في نوفمبر وديسمبر.
إلا أن بكين لم تكن وحدها. ففي الولايات المتحدة، يبذل السناتور جو مانشين قصارى جهده للحفاظ على صناعة الفحم حية. كما تغض الحكومات الأوروبية المهتمة بالبيئة الطرف عن حرق الفحم لتوليد الكهرباء عندما لا تهب الرياح، وعندما لا تشرق الشمس، وعندما يصبح الغاز الطبيعي باهظ الثمن. فقد أحرقت المملكة المتحدة يوم الاثنين أكبر قدر من الفحم خلال عام تقريباً للمساعدة في إبقاء الأضواء مضاءة. ومن ثم هناك الأهداف الخاصة، ففي واحد من قرارات السياسة المحيرة، تُوقف ألمانيا محطات الطاقة النووية الخاصة بها بشكل أسرع من محطاتها التي تعمل بالفحم؛ في حين يجب أن تحلّ الطاقة النووية بسهولة محلّ الفحم في توصيل الكهرباء.
ويعني كل هذا أنه من المرجح أن ينمو الطلب على الفحم بنسبة 3% تقريباً من عام 2019 إلى عام 2024، ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 8,031 مليون طن، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وتُعتبر التوقعات أكثر تشاؤماً من السيناريوهات الثلاثة التي حددتها الوكالة العام الماضي للطلب المستقبلي على الطاقة. فواحد من هذه السيناريوهات يرى أن الطلب ثابت تقريباً من 2019 إلى 2024؛ في حين أشار الاثنان الآخران إلى انخفاض الاستهلاك. ومن خلال استخدام أرقام وكالة الطاقة الدولية، سيحتاج العالم إلى خفض الطلب على الفحم بأكثر من 20% من 2019 إلى 2024 ليكون في مسار متوافق مع هدف الوكالة المتمثل في صافي صفري بحلول عام 2050. أما في الوقت الحالي، فإن العالم يسير في الاتجاه المعاكس.
خطأ المتفائلين
فضلاً عن ذلك، سيقول المتفائلون إن الفحم يفقد حصته السوقية لإنتاج الكهرباء العالمية مع سيطرة مصادر الطاقة الخضراء مثل الرياح والطاقة الشمسية. وفي الحقيقة، هم محقون على الورق؛ ففي عام 2022، من المرجح أن يمثل الفحم حوالي 36% من إنتاج الكهرباء في العالم، انخفاضاً من أكثر من 40% قبل بضع سنوات فقط. ولكن هذا لا يساعد الغلاف الجوي كثيراً، فهو يهتم بالعدد المطلق للفحم المحروق - وبالتالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون - بدلاً من النسبة المئوية لحصة السوق. وبالتالي فإن المتفائلين محقون من الناحية الفنية – إلا أنهم مخطئون من الناحية العملية.
ويحتاج العالم إلى التوقف عن الجدل حول ما إذا كان يجب وقف أو خفض إنتاج الفحم وغير ذلك من التصريحات الكبرى التي لا تفعل شيئاً يذكر لخفض الاستهلاك. بل يحتاج العالم بدلاً من ذلك إلى التركيز على سبب وجود طلب كبير على الفحم وكيفية تغييره - ليس في عام 2050، ولكن على مدار السنوات العشر القادمة.