كيف تكون المؤسسات المالية مسؤولة عن تغير المناخ؟

بعد #أنا_أيضا وعلى خطى «بنس».. وول ستريت تتجنب النساء - المصدر: بلومبرغ
بعد #أنا_أيضا وعلى خطى «بنس».. وول ستريت تتجنب النساء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كثيراً ما كان قياس البصمة الكربونية لشركة ما وتحليل إمكانية تقليلها أمراً صعباً، غير أنَّ تحديد حجم الانبعاثات التي يتحمَّلها بنك ما، أو شركة استثمار مع آلاف الأصول المختلفة والعملاء، يشكل تحدياً آخر، يختلف تماماً.

فمثلاً إذا قدَّم مُقرِض تسهيل ائتماني إلى أحد شركات التعدين متنوعة النشاطات، وتمتلك حصة صغيرة من الفحم في محفظتها، فما هو مقدار انبعاثات الشركة التي يموِّلها البنك في هذه الحالة؟ وفي أي مرحلة ينبغي على البنك الملتزم حقاً بمكافحة الاحتباس الحراري أن يكون مستعداً لخسارة عملائه الأكثر تلويثاً للبيئة ؟.

وتعدُّ تلك تساؤلات هامة إذا كنت تعتقد أنَّ قرارات البنوك يمكن أن تؤدي إلى تحولات اقتصادية حقيقية.

وكان النهج الشائع في الصناعة المالية مؤخراً، هو الالتزام بـ "اتفاقية باريس"، وهي عبارة تشير إلى أنَّ الشركة يجب أن تكون على استعداد لتوافق أعمالها بالكامل مع أهداف المناخ العالمية. وقد أعلنت مؤسسات وبنوك كبرى منها " مورغان ستانلي"، و"جي بي مورغان"، و"باركليز"، و "إتش إس بي سي هولدينجز"، عن التزامها بمثل تلك التعهدات، على الرغم من أنَّ كل إعلان كان مختلفاً تماماً من ناحية الجوهر.

درجات التزام متفاوتة

عجز بنك "جي بي مورغان"، الذي تقول "شبكة عمل الغابات المطيرة" إنَّه أكبر المُقرِضين لمشاريع الوقود الأحفوري على مستوى العالم، عن تحديد المدى الزمني لاستهداف قروضه بصافي انبعاثات صفرية، ولفت البنك إلى أنَّ النفط والغاز الطبيعي "سيستمران في لعب دور مهم كمصادر للطاقة".

في حين قال بنك "باركليز" إنَّه سيتخذ من سيناريو التنمية المستدامة لوكالة الطاقة الدولية، الذي يسعى إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية مع حلول عام 2070، نقطة انطلاق لسياساته. وعلى الرغم من أنَّ هذا الالتزام حظي بدعم المساهمين؛ إلا أنَّ كلا البنكين تعرَّضا لضغوط من المستثمرين لاتخاذ إجراءات أكثر قوة.

ومن جانبها، قامت العديد من الشركات أيضاً بالتأكد من تسجيل عضويتها في مبادرات مختلفة متعددة البنوك. وقد انضمَّ بنكا "إتش إس بي سي"، و "باركليز" إلى مبادرة "تقييم انتقال رأس المال في اتفاقية باريس للمناخ"، وهي خطة تهدف إلى قياس الانبعاثات الناتجة عن القروض المصرفية. في حين انضمَّ "مورغان ستانلي" إلى مبادرة الشراكة من أجل الحسابات المالية للكربون.

وأشار بنك "جي بي مورغان" إلى مشاركته في مبادرة مركز التمويل المتوافق مع أهداف المناخ. كما قامت عدد من البنوك الأخرى بالتسجيل للمشاركة في مبادرة أهداف المؤسسات المالية المستندة إلى العلم، التي تشكِّل إطار عمل لتحديد أهداف خفض الانبعاثات، والتحقق من صحتها، وكان قد تمَّ إطلاقها مؤخراً.

مبادرات متعددة لأهداف متشابهة

ويؤكِّد انتشار هذه المبادرات مدى صعوبة توزيع المسؤولية عن الانبعاثات في مجال البنوك، وهي صناعة لم تشتهر ببعد النظر حتى قبل أن يصبح تغيُّر المناخ قضيةً

لا مفر منها، وتعدُّ هذه المبادرات بمثابة اجراءات تكميلية، إذ يمكن لأيَّة مؤسسة مالية واحدة أن تنخرط في تعهدات، ومبادرات، ومنهجيات متعددة.

وينبغي أن تتغلب كل تلك المبادرات على التاريخ المحبط لمحاولات تطوير طريقة قياس مساهمة البنوك في تغير المناخ، التي بدأت منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وكافحت لمعالجة تعقيد المشكلة دون التعثُّر في الجوانب التقنية التي ليس من شأنها إحداث أي تغيير. وقد حاولت مجموعات المجتمع المدني، في الآونة الأخيرة، بما في ذلك "شبكة عمل الغابات المطيرة"، و"كلاينت إيرث"، وهي شركة محاماة تركِّز على قضايا البيئة، ومقرُّها لندن، وضع حدود أكثر صرامة للبنوك. على سبيل المثال، من خلال التركيز على أهمية خفض الانبعاثات بسرعة كافية للحدِّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

ويدعو العديد من الناشطين في مجال البيئة إلى اتباع نهج أبسط يتمثَّل في التوقف عن تمويل الوقود الأحفوري وغيره من الشركات ذات الانبعاثات العالية مع تعزيز الإقراض للشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة. ووفقاً لقاعدة البيانات التي جمعها "معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي"؛ فإنَّ أكثر من 100 مؤسسة مالية، لديها بالفعل نوع من السياسات الإقصائية الخاصة بالفحم. لكن حتى هذه السياسات تتفاوت على نطاق واسع، وفقاً لمؤسسة "ريكليم فاينانس" غير الحكومية في فرنسا.

مخاصمة الوقود الأحفوري

فمثلاً، اقتصرت تصريحات مؤسسة "غولدمان ساكس" للخدمات المالية والمصرفية على أنَّها ستتخلص تدريجياً من "شركات تعدين الفحم الحراري التي لا تملك استراتيجيةَ تنويع خلال إطار زمني معقول". وفي المقابل، قال بنك "كريدي أغريكول" إنَّه سيتوقف عن تمويل محطات توليد الطاقة بالفحم والمناجم مع حلول عام 2030 في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومع حلول 2040 في باقي دول العالم أيضاً.

ومع ذلك، فإنَّ الصناعة ككل تسير في الاتجاه الصحيح، إذ يقوم عدد متزايد من البنوك بتوسيع تلك السياسات الإقصائية للفحم، لتشمل أنواعاً أخرى من الوقود الأحفوري، مثل التنقيب عن النفط في القطب الشمالي. وتسعى معظم البنوك للإشارة إلى الخير الذي تقوم به، وليس السيئ الذي تتجنبه فقط.

ومن ثم، يمكننا أن نتوقَّع رؤية المزيد من التصريحات الكبرى حول "الاتساق مع اتفاقية باريس"، بالإضافة إلى اتباع طرق أكثر تعقيداً، وجدارة لتحقيق ذلك مع اكتساب المؤسسات المالية مزيداً من الخبرة في الموازنة بين الشمولية والتعقيد.

ويبقى السؤال الأهم، هو ما إذا كانت البنوك تقود تحول الطاقة، أم أنَّها، ببساطة، تتبعه ؟. فمن المحتمل أن تكون انبعاثات الكربون قد بلغت ذروتها بالفعل، لذلك من المتوقَّع أن تصبح محفظة أي بنك كبير أقل كثافة للكربون في السنوات المقبلة دون بذل أيِّ جهد حقيقي من جانبه. ثم ما هي البنوك التي ستقود التحول ؟، وأيها سيعكس ببساطة الشكل المتغير للاقتصادات التي تخدمها ؟.

من المحتمل أن يكون هؤلاء الذين ينتمون للفئة الأولى هم الذين يضعون أهدافًا أكثر تحدياً، مثل خفض الانبعاثات المموَّلة إلى النصف مع حلول عام 2030. وهذا أمر يتعيَّن مراعاته عند تقييم هذه الالتزامات. وبخلاف ذلك، سيكون بمقدور الكثير من البنوك المضي قدماً، والإدلاء بتصريحات تبدو لطيفةً مع تتبع عملية إزالة الكربون التدريجي التي تحدث في جميع أنحاء العالم.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات