تستثمر شركات صناعة السيارات مليارات الدولارات لتقديم سيارات كهربائية جديدة للمستهلكين في الولايات المتحدة والأسواق العالمية الأخرى، إلا أن نجاحهم يعتمد بشكل كبير على تأمين المكون الأكثر حساسية وتكلفة في هذه الصناعة، وهي البطارية.
حيث يصنع عدد قليل جداً من الشركات، سواء في الصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية، خلايا البطاريات المناسبة لتشغيل المركبات، وهو ما يربك آلية التفاعل التقليدية بين صُنّاع السيارات وموردي الأجزاء.
وتوجد شركات عملاقة في صناعة البطاريات، على الرغم من أنها غير معروفة بشكل كبير بين العامة، وجديدة نسبياً على سلسلة التوريد مترامية الأطراف لقطاع السيارات العالمي. وتعدُّ هذه الشركات مفتاح تحقيق شركات صناعة السيارات لأهدافها المتمثلة في إدخال عشرات الموديلات الجديدة من السيارات الكهربائية إلى صالات العرض الأمريكية بحلول 2025.
ويقول"سام جاف"المدير الإداري لشركة "Cairn ERA" لاستشارات تخزين الطاقة في مدينة بولدر بولاية كولورادو: "لا توجد بطاريات كافية للوفاء بوعود شركات السيارات على المدى القريب، على الرغم من أنه يتم بناء الكثير من مصانع البطاريات، إلا أنه توجد مشكلة على المدى القريب في المعروض من البطاريات، حيث تتحرك جميع شركات السيارات في هذه المرحلة لتأمين البطاريات بسرعة".
وكانت القيود على الخدمات اللوجستية والتأخيرات في الإنتاج والصراع على الملكية الفكرية، عوامل أدت إلى زيادة التوتر بين صُنّاع السيارات وهذا القطاع الجديد من الموردين، الذين باتوا يتمتعون بقوة أكبر بكثير من موردي أنواع أخرى من قطع السيارات مثل كواتم الصوت والمكابس.
وقد يؤدي التبني المفاجئ للسيارات الكهربائية إلى المزيد من حوادث سحب الموديلات نتيجة مخاطر احتراق البطاريات، والتي شهدت الأسواق أربع حالات منها مؤخراً.
وسيتعين على شركة "فورد موتور"، وهي واحدة من الشركات التي سحبت أحد موديلاتها مؤخراً، التعاون مع شركات أخرى في القطاع لتحقيق معايير الانبعاثات التي تنص عليها المنظمات الأوروبية، وذلك لتجنب الغرامات المحتملة.
اضطراب كارثي في الإمدادات
ويلوح نقص الإمدادات كمشكلة أكبر في الأفق، وإن كان على المدى القصير فقط، حيث من المتوقع أن يعزز صانعو البطاريات إنتاجهم مستقبلاً.
وكانت "أودي" المملوكة لـ"فولكس فاجن" قد اضطرت إلى وقف الإنتاج مؤقتاً في فبراير لطراز "إي-ترون"، وقيل إن شركة "جاجوار لاند روفر" المملوكة لـ"تاتا جروب" قد علقت في نفس الشهر إنتاج طراز "آي-بيس" نتيجة عقبات مع مورد البطارية "LG Chem Ltd".
وحذرت شركات "فورد"، و"فولكس فاجن" من أن أي نزاع قانوني أمريكي بين شركات تصنيع البطاريات"LG Chem Ltd"، وزميلتها الكورية الجنوبية "SK Innovation Co" بشأن الأسرار التجارية، سوف يؤدي إلى "اضطرابات كارثية في الإمدادات".
وتشكل البطارية وحدها نسبة تتراوح من الربع إلى النصف تقريباً من تكلفة السيارة الكهربائية، وسيطر أكبر ستة موردين للبطاريات على 87% من السوق العالمي العام الماضي، وفقاً لبحث صادر عن "يو بي إس سيكيوريتيز"، نشر يوم 21 أكتوبر.
وجاء في البحث: "حتى مع نمو صادرات الصين، نتوقع أن يظل المعروض أقل من الطلب في سوق البطاريات الخارجي".
ويحْذر موردو البطاريات من الالتزام مع صانع سيارات واحد، ويحرصون على تعويض المليارات التي أنفقوها على خطوط الإنتاج حول العالم، ويحوط العديد منهم استثماراته من خلال إبرام اتفاقيات مع أكثر من شريك.
ويتضمن هذا النادي الصغير العضوين المتنافسين من كوريا الجنوبية، وشركة كونتيمبورري أمبريكس تكنولوجي الصينية وباناسونيك" اليابانية.
وتقول"ناتالي كاباتي" وهي مهندسة بطاريات سابقة عملت في "جنرال موتورز"، و"آبل" وتدير حالياً "باتاري لاب" للاستشارات في سان فرانسيسكو: "يكون موردو البطاريات انتقائيين بشدة مع صانعي المعدات الأصلية "OEMs"، ويوجد القليل من الموردين الذين يتوافقون مع معايير جودتهم وأحجامهم، ويقع صُنّاع السيارات تحت رحمة موردي البطاريات هذه الأيام".
إنتاج "تيسلا" للبطاريات
وقد انضمت "باناسونيك" منذ وقت طويل لـ"تسلا"، وتشغل الشركتان مصنع بطاريات ضخماً يعرف بـ" Gigafactory" خارج مدينة رينو بولاية نيفادا.
وكان المدير التنفيذي "إلون ماسك"، قد اشتكى من أن الشركة اليابانية تعمل بوتيرة تقيد إنتاج سيارة السيدان
"Model 3". بينما تضيف "باناسونيك" خط إنتاج رابع عشر لمصنع نيفادا، وهي خطوة سوف ترفع الإنتاج بنسبة 10%، ولكنها لا تدين لـ"تيسلا" بذلك، حيث إن لديها مشروعاً مشتركاً مع "تويوتا موتور".
وقال "ماسك" في سبتمبر الماضي في "يوم البطارية" الذي تحتفل به "تيسلا": "إن البطاريات اليوم لا تنتج بالكم الكافي، وهناك مسار واضح للنجاح، ولكنّ هناك أطنانًا من العمل الذي يجب القيام به".
وتتعامل شركة "تيسلا" أيضاً مع كل من "CATL" و"LG Chem."، وذلك لتأمين بطاريات سياراتها. ولكن صناعة السيارات الواقعة في بالو ألتو بكاليفورنيا لديها حاجة كبيرة جداً للبطاريات، ويتشوق "ماسك" لوقف اعتماد الشركة على الموردين الخارجيين. حيث تخطط "تيسلا" لصنع بطارياتها الخاصة على خط إنتاج تجريبي بالقرب من مصنعها في فريمونت بكاليفورنيا وفي مصنع جديد تبنيه في أوستن بتكساس.
واتخذ التحوّل نحو السيارات الكبيرة دَفعةً جديدةً من الاستعجال، نتيجة الأزمة المناخية الرهيبة، وتعد المدن الأوروبية مثل مدريد وباريس والمقاطعة الكندية بريتيش كولومبيا، من بين المناطق التي تتخلص تدريجياً من محركات الحرق الداخلي. كما أعلنت كاليفورنيا، التي عانت من دخان حرائق الغابات المدمرة، في الصيف الماضي أنها سوف تحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالجازولين اعتباراً من 2035.
سباق تسلح جديد
وبحلول 2022، سوف يتوافر أكثر من 500 طراز مختلف من السيارات الكهربائية حول العالم، وفقاً لتوقعات السيارات الكهربائية الصادرة عن وحدة "بلومبرغ BNEF"، التي تقدر أن أكثر من نصف السيارات المبيعة ستكون كهربائية بحلول 2040.
وأوضح تقرير صدر في ديسمبر الماضي من قبل "معهد تحليلات الدفاع"، وهو مؤسسة غير ربحية تبحث في قضايا الأمن الوطني بالولايات المتحدة، أن مصنعي البطاريات قد حظوا "بأهمية كبيرة" في قطاع السيارات وحذرت من أن الولايات المتحدة لم تنسق الإمدادات المحلية بنطاق مماثل لأوروبا، وهو ما سيشكل عقبات كبيرة واضطرابات في أجزاء من سلاسل التوريد.
وعبرت ماري نيكولاس، رئيسة مجلس كاليفورنيا للموارد الجوية، عن هذه المخاوف مؤخراً خلال مناسبة نظمتها الولاية لتعلن عن خطة حظر السيارات التي تعمل بالجازولين.
وقالت: "بدأ سباق تسلح جديد، وهو السباق الكهربائي، وذلك للحصول على بطاريات أرخص وأكثر قوة، وهو سباق يتنافس فيه جميع المصنعين حول العالم".