مشروع ألماني لاستخراج الليثيوم يجعل السيارات الكهربائية أكثر صداقة للبيئة

شركة صناعة السيارات الكهربائية "إكس بينغ" تدرس التوسع في الأسواق الدولية  - المصدر: بلومبرغ
شركة صناعة السيارات الكهربائية "إكس بينغ" تدرس التوسع في الأسواق الدولية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يُخفي الوادي الواقع بجانب الغابة السوداء في ألمانيا حلاً محتملاً لواحدة من أكثر القضايا المحيرة التي تواجه انتقال أوروبا إلى النقل المستدام.

يضمّ هذا الوادي ما يقرب من ميلين تحت الأرض من "الليثيوم"، وهي كمية تكفي لما لا يقل عن مليون سيارة كهربائية سنوياً. وبحسب إحدى شركات التعدين؛ فإنَّ بوسعها الاستفادة من هذه الاحتياطيات بنصف تكلفة المصادر المنافسة تقريباً، ودون التسبّب في انبعاث غازات الاحتباس الحراري.

ونظراً لأنَّ المورد الأساسي للسيارات التي تعمل بالبطاريات يأتي عادةً من المناطق النائية باستخدام طرق تُخرِّب المشهد الطبيعي؛ فإنَّ مشروع شركة "فولكان إنرجي ريسورسز" الذي تبلغ تكلفته 1.7 مليار يورو (2 مليار دولار) يمكن أن يكون مفتاحاً لطموحات أوروبا في أن تصبح أول قارة محايدة مناخياً في العالم.

في مقابلة أُجريت معه، قال هورست كريوتر، المدير الإداري لشركة "فولكان" في ألمانيا: "سننتج منتجاً محلياً ليس أرخص فحسب؛ بل أكثر صداقة للبيئة من البدائل الأخرى".

التوريد لشركات السيارات

يُشار إلى أنَّ الشركة وقَّعتْ - بدعم من أغنى امرأة أسترالية جينا رينهارت - اتفاقيات توريد مع شركتي "رينو"، و"ستيلانتس" المالكة لسيارات "جيب"، وشركة تصنيع البطاريات الكورية "إل جي كيم" (LG Chem).

كما أبرمت الأسبوع الماضي أكبر صفقاتها، وهي صفقة مدتها خمس سنوات مع عملاق السيارات الألماني "فولكس واجن".

فضلاً عن ذلك؛ تعاقدت شركة التعدين الأسترالية الآن على معظم إنتاجها من "الليثيوم"، وهي تُخطط لبدء عمليات التسليم بحلول عام 2026 على أبعد تقدير.

ولكنْ هناك شكوك؛ إذ يعتمد المشروع على تقنية لم تنتشر على نطاق واسع، وكانت هناك علامات على معارضة محلية بشأن المخاطر المرتبطة باحتمال أن يتسبَّب ضخ محلول ملحي يحتوي على "الليثيوم" إلى السطح في حدوث هزات أرضية.

من جانبها، انتقدتْ شركة "جيه كابيتال ريسيرتش" للبيع على المكشوف المجموعة الأسترالية، ووصفتها بأنَّها مفرطة في التفاؤل. في حين قالت "فولكان"، إنَّ تقرير أكتوبر "كاذب ومضلل"، ورفعت دعوى قضائية ضد الشركة.

تكاليف بيئية

وعلى الرغم من المخاوف، يمضي المشروع قدماً لأنَّه يُعالج المخاوف المتزايدة بشأن التأثير البيئي لبناء سيارات تعمل على البطاريات. وبدءاً من الليثيوم، ووصولاً إلى الكوبالت؛ يتطلّب تصنيع مركبة عديمة الانبعاثات موارد يصعب الحصول عليها أكثر من السيارات التقليدية، وهذا يأتي بتكلفة على البيئة.

وسط تصعيد عالمي مكثف للسيطرة على قطاع السيارات الكهربائية؛ أوصت وكالة الطاقة الدولية في شهر مايو أن تنظر الحكومات الغربية في تخزين المعادن المهمة مثل: الكوبالت، والنيكل، والليثيوم.

وبالفعل؛ يُكثِّف صانعو السيارات جهود إعادة تدوير البطاريات، ويدفعون من أجل موطئ قدم في التعدين للسيطرة بشكل أكبر على الموارد اللازمة لصنع السيارات الكهربائية.

في هذا الصدد، أنشأت شركة "فولكس واجن" منشأة في ألمانيا لإعادة استخدام 90% من مكوّنات البطارية في نهاية المطاف.

كما تدعم شركة "دايملر" المصنّعة لسيارات "مرسيدس بنز" مبادرة لإنتاج أكثر استدامة للكوبالت، والذي ارتبط إنتاجه بانتهاكات لحقوق الإنسان.

في حين أبرمت شركة "تسلا" صفقة النيكل مع مجموعة "بي إتش بي" في يوليو، ووافقت على اتفاقية الكوبالت مع شركة "غلينكور" في يونيو.

إلا أنَّ المصدر الرئيسي هو "الليثيوم"، والذي نادراً ما كانت هناك حاجة إليه في الاقتصاد القائم على البترول، ولكن السيارة الكهربائية الحديثة تتطلب حوالي 8 كيلوغرامات (18 رطلاً) من "الليثيوم".

في الوقت الحالي، يأتي المعدن الأبيض الفضي عموماً من مناجم مفتوحة في أستراليا أو من أمريكا الجنوبية، إذ توجد مخاوف بشأن هدر المياه، والمواد السامة المنبعثة من برك التبخر الضخمة.

ومن ثم تُشحن المواد الخام إلى آسيا للمعالجة. وبحلول الوقت الذي ينتهي فيه "الليثيوم" في السيارات الكهربائية الأوروبية أو الأمريكية، يكون الكثير من ثاني أكسيد الكربون قد انبعث.

علاوةً على ذلك، ومع تسارع وتيرة التحوّل؛ تتوقَّع "بلومبرغ إن إي إف" أن ينمو الطلب على المعادن في بطاريات "أيونات الليثيوم" خمسة أضعاف بحلول عام 2030. وقد تضاعف المؤشر العالمي لأسعار "الليثيوم" أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العام، مدعوماً بارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية في الصين، والولايات المتحدة، وأوروبا.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

ضغوط على شركات السيارات

يتعرّض صانعو السيارات لضغوط من أجل جعل سلاسل التوريد الخاصة بهم صديقة للبيئة، فضلاً عن تحقيق أهداف الاستدامة، إذ تقول شركة "فولكان"، إنَّ "الليثيوم" الألماني يمكن أن يلعب دوراً في هذا الموضوع.

وعلى مدى عقود، كانت محطات الطاقة الحرارية الأرضية في وادي الراين الأعلى تضخ السوائل الساخنة من تحت سطح الأرض لتوليد الكهرباء - وهو شكل من أشكال الطاقة المتجددة. ولم تهتم المرافق أبداً بوجود "الليثيوم" في المحلول الملحي، لكنَّ شركة "فولكان" تُخطط لإضافة خطوة استخراج قبل إعادة حقن السائل.

الجدير بالذكر أنَّ حوالي نصف الكهرباء التي يتم توليدها في هذه العملية ستعمل على تشغيل إنتاج "الليثيوم"، في حين يمكن بيع النصف الآخر.

وقد أنشأت "فولكان" مصنعاً تجريبياً صغيراً، وفي أواخر سبتمبر أنتجت أول دفعة من "الليثيوم" المستخدم في البطاريات. فقد قال كريوتر، إنَّها تخطط لبدء الإنتاج على نطاق واسع في عام 2024.

ما من شكٍّ في أنَّ هناك تحديات لطريقة "فولكان". فالمحلول الملحي عبارة عن ملاط ​​معقد يشمل البوتاسيوم، والحديد، والمنغنيز، والصوديوم – وهي شوائب يجب تصفيتها قبل أن يُوضع "الليثيوم" في البطاريات.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

معارضة محلية

وفي هذا الصدد، أخرجت المعارضة العامة مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية الجديدة عن مسارها، كما أنَّ السكان المحليين في حالة تأهب بعد الحوادث الماضية.

ففي بلدة الغابة السوداء في شتاوفن؛ عانت عشرات المباني من تصدعات بعد التنقيب عن الطاقة الحرارية الأرضية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وعلى بُعد أميال قليلة عبر نهر الراين في فرنسا؛ أغلقت السلطات العام الماضي مصنعاً للطاقة الحرارية الأرضية بالقرب من ستراسبورغ بعد أن تسبب الثقب في حدوث زلازل طفيفة.

ولم يتم إنتاج كميات تجارية من المعدن من المحاليل الملحية العميقة من قبل، إذ ما يزال يتعين على "فولكان" إثبات قدرتها على توفير الأموال اللازمة لإنشاء المصانع. وحتى الآن، جمعت الشركة حوالي 200 مليون يورو.

وفي ظل ازدهار الطلب على "الليثيوم"، يحصد هذا المفهوم المزيد من الترحيب. فقد استثمرت شركة "بي إم دبليو" في شركة "لايلاك سولوشنز"، وهي شركة أمريكية ناشئة يدعمها بيل غيتس، وتهدف إلى استخراج "الليثيوم" عبر طريقة مماثلة من بحر سالتون في كاليفورنيا. كما تدرس شركة المرافق الألمانية "إي إن بي دبليو" أيضاً جدوى إنتاج "الليثيوم" من الآبار العميقة في وادي الراين.

كذلك أشار كريوتر إلى أنَّه واثق من قدرة "فولكان" على إقناع المنظمين والجمهور بأنَّ مشروعها سيجعل إنتاج "الليثيوم" أكثر استدامة. وبالنسبة للشركة؛ فإنَّ اقتصاديات الخطة جذابة بالقدر نفسه.

وقال كريوتر: "يمكننا تمويل إنتاج المحلول الملحي من خلال بيع الطاقة المتجددة". علاوةً على ذلك، "ليست لدينا التكاليف المرتبطة بتطوير المناجم وتشغيلها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك