أُهدِر وقت طويل خلال محادثات المناخ في اسكتلندا هذا الشهر لشجب نقص المال المتاح لمكافحة الاحتباس الحراري.
جاءت بعض أشد الشكاوى من دول أقل تقدماً تعاني من أشد آثار تغيير المناخ. احتجت بأن الدول الغنية، التي تتحمل انبعاثاتها المسؤولية الأكبر في حصول الكارثة العالمية، تقدم نزراً يسيراً من المال لتساعد في التعامل مع العواقب الكارثية المتزايدة.
انتهى المطاف بعد ساعات عديدة من مناقشات كانت مشحونة في كثير من الأحيان بتضمين اتفاق جلاسكو للمناخ كلمات تحث الدول المتقدمة على "أن تضاعف على الأقل مخصصاتها المجمعة لتمويل التكيف مع التغير المناخي" في البلدان النامية بحلول 2025.
مجموعة العشرين لا تتبنّى عام 2050 كموعدٍ لوقف انبعاثات الكربون
يعني هذا أن الدول الغنية يجب أن توفر 40 مليار دولار أمريكي لتمويل التكيف، حسب أرقام الأعوام الثلاثة المقبلة كما حللها موقع "كاربون بريف" (Carbon Brief).
يظهر جلياً أن المبلغ لا يكفي وقد لا يأتي إن استدللنا بالتاريخ الحديث كمؤشر. قال "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" في تقرير حديث إن تكاليف التكيف مع تغير المناخ السنوية في البلدان النامية وحدها تقدر حالياً بحوالي 70 مليار دولار، مع توقع أن ترتفع الأرقام لأكثر من 140 مليار دولار في 2030، لتصل إلى 500 مليار دولار في 2050.
ابتكارات متنوعة
يشير التكيف مع تغير المناخ إلى عملية تعديل وجودنا وفقاً للتغيرات البيئية الحالية أو المتوقع أن يسببها المناخ. تركز الاستثمارات حتى الآن إلى حد كبير على التخفيف في مجالات مثل الطاقة المتجددة وتقنية البطاريات. ستشمل الخطوة التالية ابتكارات متنوعة مثل مكيفات الهواء عالية الكفاءة، التي تقلل من استخدام الطاقة وبوابات الفيضانات لحماية المدن المنخفضة والتقنيات المختلفة، التي تهدف لوقف انتشار حرائق الغابات.
انسوا مفردات اتفاقية جلاسكو للمناخ.. واتبعوا الأموال
ما يزال الافتقار للتمويل الحكومي المناسب عقبة كبيرة، إلا أن المديرين التنفيذيين في شركة "ويلينغتون مانجمنت" (Wellington Management)، إحدى أكبر شركات الاستثمار الأمريكية، قالوا إن التركيز على التكيف مع المناخ في "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" يشجعهم. قالت الشركة التي تتخذ من بوسطن مقراً لها إنها تتوقع زيادة في الطلب على حلول التكيف مع المناخ بشكل كبير.
قد يعني ذلك بالنسبة للمستثمرين دعم الشركات التي تفعل كل شيء بدءاً من ترقية الشبكات الكهربائية وخطوط النقل إلى تطوير أنظمة السيطرة على تآكل التربة وتصريف المياه أو صنع مواد بناء أكثر مقاومة للطقس.
كان مجتمع الاستثمار العالمي بطيئاً في التركيز على التكيف حتى الآن، وذلك بسبب التركيز التقليدي على الأرباح قصيرة الأجل على حساب الاستثمار على المدى الطويل في البقاء. ينخرط معظم المستثمرين في قصر المدى لأنهم يميلون للتقييم بناءً على سجلات أدائهم لمدة عام وثلاثة وخمسة أعوام. افترض العديد من مديري الصناديق خطأً أن عواقب أزمة المناخ بعيدة في المستقبل، وفقاً لتقرير صادر عن "ويلينغتون مانجمنت" بعنوان "التكيف مع تغير المناخ: الاستثمار في المرونة الحتمية".
تحالف "جلاسكو المالي" يقود معركة التغير المناخي مُتسلِّحاً بـ130 تريليون دولار
أشار التقرير إلى أن "معظم المستثمرين لديهم مخاطر مناخية قصيرة، بعبارة أخرى، من المرجح أن يؤدي حدث مناخي واسع النطاق إلى الانتقاص من عائدات المحفظة بدلاً من زيادتها". أضاف التقرير: "يمكن للاستثمار بالتكيف أن يكون بمثابة تحوط ضد هذا الانكشاف، حيث نتوقع أن الطلب المستقبلي وبالتالي عائدات السوق مرتبطة بالاتجاه الهيكلي لتغير المناخ".
توقع محللون في "بنك أوف أمريكا" أن تتضاعف سوق التكيف مع المناخ إلى 2 تريليون دولار سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، واقترحت المفوضية الأوروبية إنفاق ما لا يقل عن 25% من إجمالي ميزانية الاتحاد الأوروبي على العمل المناخي للسنوات الست المقبلة.
المبادر الأول
قال تقرير "ويلينغتون" أن الأسواق المالية "بدأت للتو في رؤية الرياح المواتية المرتبطة بالمناخ"، وأضاف أن "الأمر سيستغرق وقتاً حتى تنضج مجموعة من الأوراق المالية الخاصة بالتكيف مع المناخ، وهو ما يعني ببساطة أن المستثمرين لديهم فرصة لاكتساب ميزة المبادر الأول".
قالت ويندي كرومويل، نائبة رئيسة "ويلينغتون" ورئيسة الاستثمار المستدام في الشركة في مقابلة إن إحدى النقاط المضيئة القليلة في المفاوضات متعددة الجنسيات في اسكتلندا كانت الالتزام "الشامل" من الشركات المالية بالقيام بدورها للمساعدة في معالجة أزمة المناخ، في إشارة لإعلان في مؤتمر المناخ عن تعهد أكثر من 450 بنكاً ومدير أصول بالإيفاء بالأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس للمناخ.
أضافت كرومويل في المقابلة: "نعتقد أن مجتمع الاستثمار سيوجه المزيد والمزيد من رأس المال نحو التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره".
نتائج قمة "كوب 26".. طموحات مناخية هائلة تُختبر على أرض الواقع
لكن يسهل النكث بالوعود المنبثقة عن مؤتمر جلاسكو، مثل حال تلك التي جاءت من باريس في 2015. كما يواجه مديرو الأصول الواعون ظاهرياً بالمناخ قيوداً إضافية.
يتماشى 11% فقط من إجمالي 1.4 تريليون دولار من الأصول التي تديرها "ويلينغتون"، ، أي 146 مليار دولار، بشكل مباشر مع تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول أو قبل 2050. سيرتفع هذا الرقم غالباً لكن حوالي 90% من الصناديق التي تشرف عليها الشركة تدار لمؤسسات خارجية مثل شركات صناديق الاستثمار المشتركة وخطط معاشات التقاعد للشركات والأوقاف الجامعية، إذ تقول كروميل "لا يمكننا الإدلاء ببيانات حاسمة بشأن أصولهم".
قالت شركة "ويلينغتون" إنها تعمل مع هؤلاء العملاء لمساعدتهم على فهم مخاطر المناخ والقيام بالتزاماتهم الخاصة. بيّنت كرومويل أنه في المحصلة النهائية على المستثمرين التفكير بشكل مختلف، وقالت: "يظهر علم المناخ أن العالم سيواجه أحداثاً مناخية أكثر تواتراً وشدة، وسيحتاج المجتمع لمزيد من أفكار التكيف التي تحمي الأرواح والأصول".