يتزايد اندفاع شركات إدارة الأصول وراء إغراء تلبية التزاماتها البيئية عبر سحب رؤوس الأموال من الشركات والصناعات التي تلحق أكبر الأضرار بكوكبنا.
غير أنَّ هذه الأصول التي تتخارج منها الشركات تصبح عرضة لمخاطر الاختفاء وراء أستار الملكية الخاصة، إذ تخضع الممارسات التي تلوث البيئة لقليل من المراقبة والتدقيق، وبالتالي؛ تضعف فرصة تخفيض أو منع هذه الممارسات.
قالت منظمة "دايفست-إنفست" في تقرير لها الشهر الماضي، إنَّ نحو 1500 مؤسسة استثمارية تدير أصولاً تتجاوز قيمتها 39 تريليون دولار تعهدت بسحب استثماراتها من قطاع الوقود الأحفوري.
يفوق هذه الرقم أقل من 200 مؤسسة استثمارية تدير أصولاً بقيمة 52 مليار دولار تعهدت بمثل ذلك حين بدأت جماعة الضغط برصد وإحصاء هذه الالتزامات منذ سبعة أعوام.
أعلن صندوق "إيه بي بي" المملوك للدولة في هولندا، وهو أكبر صندوق تقاعد في أوروبا، ويشرف على أصول بقيمة 600 مليار دولار، في أكتوبر أنَّه سيسحب 15 مليار يورو (17.4 مليار دولار) من الاستثمارات في شركات كثيفة الكربون بحلول 2023.
قالت جامعة هارفرد في سبتمبر، إنَّ صندوق الوقف التابع لها، الذي يدير أصولاً بقيمة 42 مليار دولار، سيتوقف عن الاستثمار في الوقود الحفري، بما فيه نسبة 2% من أصوله المخصصة لصناديق استثمار مباشر تستثمر في هذا القطاع.
سوق المتلقفين
حققت صناديق التحوط أرباحاً كبيرة عبر الاستثمار في أوراق مالية عامة عزفت عنها مؤسسات الاستثمار الأخرى، إذ إنَّ هناك من يشتري من كل بائع.
كلما انتشرت عمليات التخارج من الاستثمارات لاعتبارات بيئية أو اجتماعية أو لمعايير الحوكمة، زاد اندفاع الشركات الملوثة، والشركات الجانحة الأخرى نحو العزوف عن الأسواق العامة برمتها.
قالت شركة "نيو فايننشال" للأبحاث، التي تتخذ من لندن مقراً لها، في تقرير صدر الشهر الماضي: "إنَّ هذا قد يدفع الشركات صاحبة الممارسات السيئة حيال البيئة والمجتمع، ومعايير الحوكمة إلى أسواق خاصة منعزلة... هناك دلائل بالفعل على أنَّ شركات الملكية الخاصة تستحوذ على الشركات المنبوذة لممارساتها السيئة وفق هذه المعايير. فكيف نستطيع تطوير إطار أكثر توازناً تعتمد فيه قضايا حماية البيئة والمجتمع، ومعايير الحوكمة على نشاط الشركة، وليس على طبيعة ملكيتها؟"
بدأت صناديق الاستثمار المباشر تعترف بهذه المعضلة. انطلقت في سبتمبر مبادرة بقيادة صندوق "كارليل غروب"، الذي يدير استثمارات تتجاوز 270 مليار دولار، وصندوق معاشات موظفي القطاع العام في كاليفورنيا، الذي يشرف على 470 مليار دولار من الاستثمارات. تسعى هذه المبادرة لجمع وتوزيع بيانات معيارية حول حماية البيئة والمجتمع، ومعايير الحوكمة من الشركات التي بحوزة الصندوقين.
مكافأة التنوع
استطاعت المبادرة في البداية جذب عدد من الشركات تدير 4 تريليون دولار من الاستثمارات. قالت آن سيمبسون، مديرة شؤون الحوكمة والاستدامة لدى شركة "كالبرس"، في مؤتمر استثماري عبر الإنترنت الشهر الماضي، إنَّ أكثر من 100 مستثمر استفسروا عن طريقة المشاركة في هذه المبادرة.
في خطوة أخرى، قام صندوق "كارليل" بتصميم خطوط ائتمان بقيمة 4.1 مليار دولار في الولايات المتحدة، و2.7 مليار دولار في أوروبا، إذ تستطيع الشركات بمقتضاها أن تقترض بتكلفة أقل من محفظته، إن حققت أهداف التنوع في مجلس الإدارة، ومواجهة تغير المناخ.
تتجاوز دوافع شركة إدارة صناديق الاستثمار المباشر حدود الإيثار. وفق حساباتها، كما كانت الشركات التي تملكها، تضم اثنين أو أكثر في عضوية مجلس إدارتها من فئات تستوفي معايير التنوع في المجلس، وتحقق متوسط نمو في أرباحها أفضل بنحو 12% من الشركات التي لا تحافظ على التنوع بين قياداتها التنفيذية.
تدير شركة "إي كيو تي"، وهي إحدى شركات إدارة صناديق الاستثمار المباشر الكبرى في أوروبا، استثمارات تتجاوز 80 مليار دولار، وقالت الشهر الماضي، إنَّها تعتزم جمع 4 مليارات يورو لصندوق جديد سيستثمر أمواله تحديداً في شركات تستهدف تخفيض بصمتها الكربونية، وتوظيف قوة عمل تستوفي معايير التنوع. سيكون ما يقرب من 20% من رسوم الأداء التي سيحصل عليها صندوق "إي كيو تي فيوتشر" مرتبطة بمؤشرات حماية البيئة، والمجتمع، ومعايير الحوكمة.
الإفصاح الإجباري
تعد هذه الأساليب المبتكرة من جانب قطاع صناديق الاستثمار المباشر إضافة جيدة ومحبذة على ترسانة الجهود الرامية لمواجهة مشكلة التغير المناخي. غير أنَّ أي منهج جزئي في التعامل مع الإفصاح المتعلق بمؤشرات حماية البيئة، والمجتمع، ومعايير الحوكمة، محكوم عليه بالقصور في ضوء ما يحتاجه الكوكب.
قال نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق آل غور في مقابلة مع "الفايننشال تايمز" الشهر الماضي: "عندما تقوم شركات إدارة الأصول الكبيرة بالتخارج من أصول معينة؛ فإنَّ ذلك يؤكد على الحاجة لفرض الإفصاح الإجباري على صناديق الاستثمار المباشر حتى لا تستمر هذه الأصول بعملها مع انتقال ملكيتها إلى صناديق أخرى تعمل في الظل".
في حين تبدأ الجهات الرقابية والتنظيمية في مختلف أنحاء العالم بتطبيق قواعد متسقة تفرض على الشركات الإفصاح عن أثر نشاطها في المناخ؛ يجب أن تشمل هذه المعايير المؤسسات الخاصة إلى جانب المؤسسات العامة.
غير أنَّ شركات إدارة الأصول ينبغي أن تقاوم الرغبة في سحب رؤوس الأموال من الشركات المتعنتة، وأن تستخدم بدلاً من ذلك قوتها المالية في إجبار مجالس الإدارة على تغيير سلوكها.
الطريقة المثلى لتمويل الانتقال إلى اقتصاد محايد كربونياً، هي المشاركة والتدخل وليس عبر سحب الاستثمارات.