تضع معركة تغير المناخ حكمة قديمة على المحك، مفادها أنه "حيثما توجد إرادة توجد طريقة".
تقدم قمة المناخ "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" في جلاسكو أسباباً للأمل في أن تثبت صحة تلك الحكمة، لا سيما في ما يتعلق بتحدٍّ يقع في صميم القضية، يتمثل في تمويل الانتقال العالمي إلى الطاقة النظيفة.
لم يعُد حول الإرادة أي شك. اليوم، تجري تغطية أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي من خلال التزام شكل من الأشكال للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية. إنّ تحويل هذه الالتزامات إلى عمل حقيقي يُعَدّ محور تركيز "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021". وبينما سيتركز كثير من الاهتمام في أثناء وبعد المؤتمر على الحكومات الوطنية، فإن الحقيقة هي أنه لا يمكنهم فعل ذلك بمفردهم.
إن تكثيف اعتماد الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة الأخرى بسرعة كافية لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، سيتطلب تريليونات الدولارات من الاستثمارات الجديدة، وسيبلغ على الأرجح الرقم التقريبي 100 تريليون دولار. يجب أن يأتي معظم ذلك من القطاع الخاص، خصوصاً بعد الخسائر الهائلة التي تسبب بها الوباء في الميزانيات الحكومية. ينطبق ذلك بشكل خاص على الأسواق الناشئة والبلدان النامية، إذ تكون الحاجة إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة أكثر حدة.
تكلفة الفحم
تعني الاقتصادات المتنامية تزايد الطلب على الطاقة، وإذا جرت تلبية هذا الطلب بالفحم بدلاً من الطاقة النظيفة فسندفع جميعاً تكلفة هائلة، سواء في الأضرار المادية من أنماط الطقس الأكثر قسوة، أو الضغوط على إمدادات الغذاء والمياه، أو الزيادات في تلوث الهواء المميت.
يدرك قادة القطاع الخاص مدى خطورة هذه التكاليف وتدميرها. إنهم يريدون المساعدة في منعها، وليس فقط بدافع الإيثار. تتعرض الشركات والمستثمرون بشكل كبير لمخاطر تغير المناخ، وفي الوقت نفسه يُعَدّ السباق نحو الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة فرصة كبيرة للاستثمار.
خلال العام الماضي على وجه الخصوص، ارتفع عدد الشركات والبلدان التي تعهدت بالتزامات صافية صفرية بشكل كبير، لكن بالنسبة إليهم تُعَدّ هذه منطقة مجهولة. لا توجد خطة جاهزة للوصول إلى صافي الصفر، وستختلف طرق القيام بذلك على نطاق واسع حسب القطاع. كما لا توجد معايير مقبولة عالمياً لتحديد التقدم، مما يزيد مخاطر "الغسل الأخضر".
هذه تحديات حاسمة يجب معالجتها عندما تبدأ الشركات في تحويل تعهداتها إلى خطط. سيعتمد النجاح إلى حد كبير على تنسيق الصناعة والمساءلة العامة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك آلية لتحقيق أي منهما.
تريليونيات الدولارات
كما سيتطلب هذا النجاح مبالغ ضخمة من رأس المال. عندما تولت المملكة المتحدة رئاسة "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي" بالشراكة مع إيطاليا منذ نحو 18 شهراً، جرى التزام مبلغ 5 تريليونات دولار من الأصول المالية الخاصة بصافي الصفر. وانضمت الآن أكثر من 450 مؤسسة مالية كبرى في 45 دولة تسيطر على أصول تزيد قيمتها على 130 تريليون دولار، إلى "تحالف جلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفرية" (GFANZ). إنّ التحالف يُعَدّ المعيار الذهبي لالتزامات المناخ، إذ إنه أفضل فرصة لدينا للحصول على طموح ذي مصداقية عالية في القطاع المالي بسرعة.
لكن كما نعلم، فالنيات الحسنة هي التي تمهد الطرق لمواقع أفضل، لكنها غير كافية بمفردها؛ يجب علينا تحويل النيات إلى أفعال. ويساعد التحالف، الذي نحن نعمل فيه الآن كرؤساء مشاركين، على القيام بذلك، إذا التزم كل عضو تحقيق صافي انبعاثات صفرية عبر محفظته من الأصول، وعبر دعم أقواله بالأفعال.
يجب أن يوافق المشاركون في التحالف على تحديد أهداف قصيرة المدى، بما في ذلك حصتهم العادلة من التخفيضات بمقدار 50% بحلول عام 2030، وعليهم الإبلاغ عن تقدمهم. يضمن "تحالف جلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفرية" أن تكون أي تعهدات متماشيةً مع العلم المتعلق بتغير المناخ، ومرتكزةً على سباق الأمم المتحدة إلى صافي إنبعاثات صفرية.
يشمل عمل التحالف التركيز على تعبئة رأس المال الخاص في الأسواق الناشئة والبلدان النامية لبناء بنية تحتية مستدامة وتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة. أحد الأمثلة على ذلك هو أول دولة تجريبية ضمن "مبادرة قيادة تمويل المناخ"، ألا وهي الهند. تساعد المبادرة في تعزيز الظروف المحلية للاستثمار وتطوير وتوسيع نطاق حلول تمويل المناخ المبتكرة.
نظرة تفاؤل
حث التحالف الحكومات على اتخاذ إجراءات للوصول إلى التزامات صافي الصفر التي تعهدوا بها. يتضمن ذلك السياسات التي تضع سعراً للكربون، وتسريع إنهاء المركبات التي تعمل بالغاز، والخطط الفعلية للتخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري، والإفصاح الإلزامي عن المخاطر المناخية، وفقاً للإرشادات التي وضعها "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" (TCFD) .
إن نجاح "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" يمنحنا سبباً للتفاؤل بأن هذا التحالف يمكن أن يكون له نفس التأثير والإنتاجية. قبل ست سنوات، تولينا قيادة "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" لتزويد الشركات والمستثمرين والحكومات بمزيد من البيانات ومقاييس أكثر وضوحاً حول المخاطر والفرص التي يخلقها تغير المناخ. في ذلك الوقت، عارض البعض من اليمين السياسي الالتزامات الجديدة التي تفرض تقديم التقارير، وكان البعض في اليسار السياسي متشككاً تجاه فكرة أن الأسواق يمكن أن تلعب دوراً ذا مغزى في مكافحة تغير المناخ.
لكن عندما تحدثنا مع قادة القطاع الخاص، لا سيما في مجال التمويل، كنا مقتنعين بأنه لا حاجة كبيرة إلى مزيد من المعلومات والشفافية حول هذه المخاطر والفرص فحسب، بل هناك أيضاً رغبة متزايدة في اتباعها، وقد جرى إثبات ذلك.
في عام 2015، أنشأ "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" إطار عمل من التوصيات المتعلقة بكيفية إعداد التقارير لمساعدة الشركات على قياس المخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ. منذ ذلك الحين، جرى اعتماد الإطار من قِبل أكثر من 2700 شركة ومؤسسة مالية ومنظمات غير حكومية وحكومات في 90 دولة. هذا العام، صدّقت "مجموعة العشرين" على إطار عمل "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" كمعيار عالمي للإبلاغ عن مخاطر المناخ.
واتخذت تسع دول خطوات لجعل الإبلاغ عن مخاطر المناخ إلزامياً باستخدام "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" كأساس، وتدرك الحكومات المجتمعة في "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" أنه أداة أساسية في حملة التغلب على تغير المناخ.
الآن، في ظل استمرار اعتماد "فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ" من قِبل مزيد من الحكومات والشركات، سيعمل تحالفنا على وضع معايير عالمية لتحويل التزامات صافي الصفر إلى إجراءات ملموسة - ولقياس التقدم المحرز لضمان المساءلة العامة.
إنّ التحالف على استعداد للمساعدة في توفير تريليونات الدولارات المطلوبة لتمويل الانتقال إلى مستقبل أخضر، لكننا نحتاج إلى أن يعمل الآخرون بطريقة متناغمة. تحتاج الحكومات إلى وضع سياسة مناخية واضحة وذات مصداقية لمنح الاستثمار الثقة المالية. تحتاج الشركات إلى تطوير خطط انتقالية ذات مصداقية لجذب رأس المال الملتزم صافي الصفر، ويحتاج التمويل الخاص إلى العمل من خلال التطبيقات العملية لتحويل الطموح إلى عمل في الاقتصادات النامية والناشئة.