يحتاج مصنعو الصلب حول العالم إلى القيام بعملية تحول شاملة، حيث تعتبر صناعتهم إحدى أكثر الصناعات تلويثاً للبيئة، وتتحمل مسؤولية ما يصل إلى 7% من الانبعاثات الكربونية عالمياً.
في الوقت الحالي، تقوم عمليات التصنيع لدى أكبر المصانع المنتجة للصلب على نفس الطريقة التي استخدموها منذ قرن مضى، والآن يبدو أنه حان وقت المحاسبة.
في ظل استمرار مواجهة كوكب الأرض للمخاطر الناجمة عن الاحتباس الحراري، يدرك المنتجون أن عليهم توفيق أوضاعهم حتى يتمكنوا من النجاة في المستقبل الذي سيكون منخفض الكربون.
دخلت شركة "إس إس إيه بي" (SSAB) السويدية، التي تمتلك أعمال تصنيع تمتد من مدينة ألاباما إلى شنغهاي، في شراكة مع المرفق الحكومي "فاتنفال" (Vattenfall)، وشركة التعدين "إل كيه أيه بي" (LKAB) من أجل تصنيع أول صلب خالٍ من المواد الأحفورية عن طريق استبدال وقود الهيدروجين الأخضر بالفحم.
بدأت عمليات تسليم المعدن النظيف خلال أغسطس لعدد من العملاء يشمل شركات "فولفو" و"مرسيدس-بنز" و"كارغوتيك" (Cargotec) الفنلندية.
تنطلق العملية بأكملها من المناجم التابعة لشركة "إل كيه أيه بي" داخل العمق السحيق لمنطقة تقع في الدائرة القطبية الشمالية وهي من أكثر مناطق العالم ثراءً من حيث ترسبات خام الحديد. بدأت عملية استخراج المواد الأولية فيها مع نهاية القرن التاسع عشر. تُمزج المواد الخام مع بعض الإضافات عليها لتأخذ شكل "كريات رخامية" لكنها أكثر ثقلاً، وتُنقل بعدها باستخدام قطار كهربائي إلى مدينة لوليا، وهي مقر أعمال محطة "هايبريت" (Hybrit) التي تعمل بوقود الهيدروجين.
تعد محطة "هايبريت" مشروعاً مشتركاً للشركات الثلاث، التي خصصت ملياري كرون سويدي (232 مليون دولار) للإنفاق على فترة تجريب تستمر حتى 2024.
يعد حجم المبنى الرئيسي الذي يحمل شعار "صلب خالٍ من المواد الأحفورية"، صغيراً إلى حد ما وغير منفصل عن مباني التشغيل، غير أن الشركات تعمل على تجهيز نموذج كبير صناعي بتكلفة تبلغ نحو 10 مليارات كرون سويدي. ستكون المحطة على بعد عدة ساعات سفراً بالسيارة من مدينة "ياليفاره"، وقد تفتتح بحلول 2026.
اللحاق بالركب
تسعى شركات تصنيع كثيرة للحاق بركب الصلب صديق البيئة، لكن هناك عقبات هائلة ما تزال تقف في طريقها، حيث أن التقنيات المستخدمة في التصنيع مقتصرة على المشاريع التجريبية، التي يمكنها إنتاج كميات محدودة فقط من سبيكة الصلب، كما أن عملية الإنتاج تتطلب تكاليف تشغيل أكثر ارتفاعاً من النهج كثيف الكربون.
يمول الملياردير مؤسس شركة "سبوتيفاي تكنولوجي" دانيال إيك شركة "إتش 2 غرين ستيل" (H2 Green Steel)، وهي شركة سويدية ناشئة من المنتظر أن تبدأ بالإنتاج خلال 2024.
يتطلب الأمر استثمار مبلغ يبلغ 30 مليار دولار سنوياً في قطاع الصلب ليتمكن من تلبية الطلب على مدى 30 عاماً مقبلة، حسب تقديرات مؤسسة "ميشن بوسيبل بارتنرشيب" ( Mission Possible Partnership)، التي تدعو للعمل على الإسراع بجهود التخلص من الكربون الموجود في الصناعات المصنفة كأكثر مصادر الانبعاثات الكربونية. تصل تكلفة توفيق أوضاع هذه الأصول لتصل إلى انباعاثات صافي الصفر استثمارات بحوالي 6 مليارات دولار أخرى في العام.
تواصل محطة "هايبريت" مسارها باتجاه الصلب النظيف داخل خيمة ذات حجم يقارب حلبة هوكي الجليد، مع وجود أكوام من الكرات التي يجري نقلها عبر حزام ناقل إلى داخل المصنع. تُسخن بالداخل ثم تشكل على هيئة طوب من الحديد الإسفنجي، وهي المادة الخام المستخدمة في إنتاج الصلب.
يعتبر استخدام محطة "هايبريت" لوقود الهيدروجين الأخضر النادر في الأمر، حيث ما تزال هذه تقنية ناشئة، لكنها جوهرية للوفاء بتعهدات تحقيق هدف صافي الصفر من الانبعاثات الكربونية التي التزم بها كل من الاتحاد الأوروبي والصين.
تُشعل محطة "هايبريت" وقوداً نظيفاً، وليس الفحم الملوث للبيئة، للتخلص من الأكسجين الموجود في خام الحديد، ولا يصدر عنها انبعاثات سوى بخار الماء.
لا يعد الهيدروجين اختراعاً حديثاً، حيث استخدم في تحريك المنطاد الجوي وصواريخ الفضاء، غير أن الحصول عليه باستخدام طاقة متجددة يجعله وقوداً شبه خالٍ من الانبعاثات الملوثة للبيئة. تسعى الحكومات والشركات لاستخدام وقود الهيدروجين الأخضر في تشغيل المركبات والسفن والطائرات فضلاً عن المصانع.
فيما تعتبر المنطقة الواقعة شمال السويد غنية بمصادر الطاقة المتجددة، فإن طبيعة الطقس تجعل الإمدادات غير منتظمة. لذا يعمل مشروع "هايبريت" على تجميع نظام خاص بتخزين وقود الهيدروجين الأخضر. قال ميكائيل نوردلاندر، المدير التنفيذي لوحدة التخلص من الكربون في شركة "فاتنفال": "يتطلب هذا القطاع استمرار العمل على مدار 24 الساعة يومياً وعلى مدى أيام الأسبوع كاملة".
سيدفن النموذج التجريبي على عمق 30 متراً تحت الأرض. بدأ العمل منذ الربيع الماضي في تفجير الجرانيت والصخور الصلبة، حيث يتشبع المكان بالرطوبة، والرائحة الكريهة بجانب الضوضاء.
في أعقاب الانتهاء من هذه الأعمال، يخزن وقود الهيدروجين في خزان يصل حجمه نحو 100 متر مكعب، وهو يعادل عدداً من حاويات الشحن. في حال جاءت نتائج الاختبارات ناجحة، فمن الممكن مضاعفة حجم المشروع الأصلي لاستيعاب كمية وقود هيدروجين تزيد أكثر من ألف 1000 مرة عن النموذج التجريبي، وهي كمية كافية لملء "قاعة ألبرت الملكية" في لندن.
ينتج مصنع "هايبريت" قالباً من الحديد الإسفنجي المضغوط الخالي من الوقود الأحفوري، على غرار مجموعة قطع على شكل قالب صابون يجري شحنها إلى مصنع "إس إس إيه بي" في أوكسيلوسوند جنوب ستوكهولم. أُنتج أول ألواح الصلب خلال الصيف وتسلمتها "فولفو" في أغسطس.
كانت شركة "فولفو" أعلنت عن أول سيارة مصنعة من الصلب الصديق للبيئة في 13 أكتوبر. يصل وزن شاحنة التفريغ الكهربائية لنحو 8 أطنان، كما تتوفر فيها أنظمة مساعدة السائق وهي خاصة بأعمال المحاجر والمناجم.
قال لارس ستينكفيست، كبير مسؤولي قسم التقنية في شركة "فولفو": "إذا ألقيت نظرة عبر جهاز مجهري، ستجد أن الصلب مطابق للمواصفات حرفيا... يعد الانتقال إلى عملية إنتاج خالية من المواد الأحفورية أمراً مطلوباً لدى كثير من عملائنا".