سُتبنى أوروبا الخضراء على جدران ترابية، وأعمدة خشبية، وحاويات شحن أعيد تدويرها - على الأقل وفقاً للفائزين في مبادرة الاتحاد الأوروبي الجديدة.
بدأ مبنى باوهاوس الأوروبي الجديد- الذي أعلن عنه قادة الاتحاد الأوروبي العام الماضي كأسلوب للتحول الأخضر في القارة العجوز- في التبلور.
في الشهر الماضي، منحت المفوضية الأوروبية 30 ألف يورو (35,190 دولاراً أمريكياً) لكلِّ 10 مشاريع توضح بشكل أفضل قيم الحركة المتمثِّلة في الاستدامة، والجماليات، والشمول.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين عند الكشف عن الفائزين: "التغيير ليس أمراً ممكناً فحسب؛ ولكنَّه يحدث بالفعل في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، في جميع قطاعات اقتصادنا. تجمع مدرسة باوهاوس الأوروبية الجديدة بين الرؤية الكبيرة للصفقة الأوروبية الخضراء والتغيير الملموس على الأرض لتحسين حياتنا اليومية".
قارة محايدة كربونياً
يريد الاتحاد الأوروبي أن تصبح أوروبا أوَّل قارة محايدة مناخياً، وتخفِّض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% في عام 2030 عن مستويات عام 1990، وتصل إلى صافي الصفر بحلول منتصف القرن.
لتحقيق ذلك؛ تخطط لإنفاق تريليون يورو (1.17 تريليون دولار) في استثمارات مستدامة على مدى العقد المقبل، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 100 مليار يورو حتى عام 2027 لدعم العمال في المناطق الأكثر تضرُّراً من التحوُّل الأخضر.
يريد القادة الأوروبيون أن تكون الفنون - وخاصة الهندسة المعمارية والتصميم – جزءاً من هذا التحوُّل. ستخضع المباني القديمة في القارة، المسؤولة عن حوالي 40% من استهلاك الطاقة، لتجديدات عميقة. لكنَّهم يحتاجون أيضاً إلى مظهر جديد يحدِّد صافي صفر أوروبا بالطريقة نفسها التي أعادت بها التصاميم الحديثة لمدرسة باوهاوس تشكيل الغرب والعصر الصناعي في أوائل القرن العشرين.
عودة إلى الطبيعة
صمَّم المهندسان المعماريان آنا هيرنغر ومارتن راوخ دار ضيافة لمركز علاج للطب البديل بمواد يمكن العثور عليها حول موقعه في روزنهايم في ألمانيا. واستخدموا الجدران الترابية، والجص الطيني والأرضيات، والسيراميك المصنوع يدوياً، فضلاً عن هيكل خشبي له بنية تشبه العش بجوار الغابة، وتحيط به ذراعا نهر مانغفول. قال المهندسان المعماريان في معرض تقديمهم للجوائز، إنَّ المواد الطبيعية ليست مثالية، وهذا أمر جيد.
قالت هيرنغر، المعروفة بتصميم المباني المستدامة في بلدان مثل بنغلاديش والمغرب: "أنا سعيدة بشكل خاص، لأنَّ أوَّل مبنى من تصميمي في أوروبا يقع في روزنهايم، المدينة التي ولدت فيها. وأجل، لإثبات ذلك؛ فمن الممكن البناء بنفس النهج والسلوكيات في بافاريا كما في بنغلاديش".
مستقبل نظيف لمصنع ملوث
تشتهر قرية لوس سانتوس دي ميمونا الواقعة في إقليم إكستريمادورا الإسبانية بمصنع الإسمنت العملاق فيها. وهو مبنى خرساني مرتفع بُني في خمسينيات القرن الماضي خلال حكم فرانكو الديكتاتوري، وجرى التخلي عنه لعقود، ثم تولَّت مجموعة من الناس إدارة المكان في عام 2009، وقرروا منحه غرضاً جديداً.
حالياً، تستضيف لا فابريكا دو تودا لا فيدا مبادرات من بينها: سينما مستقلة في الهواء الطلق، وورشة عمل تركِّز على البناء والهندسة المعمارية المستدامة، وشركة إنتاج موسيقي تروِّج للفنانين الريفيين، ومبادرة لاستعادة الغطاء النباتي المحلي، وتجديد التربة الملوَّثة حول المصنع.
تخفِّف المساحات الخضراء الجديدة، والكتابات الكبيرة الملونة على الجدران من الجمالية الوحشية للمبنى، الذي يبدو صادماً أكثر بين المناظر الطبيعية الريفية.
حاويات صالحة للحياة
قررت برشلونة الإسبانية محاربة ترقية أحياء المدن باستخدام حاويات الشحن القديمة. بدأ مشروع "أبروب" (Aprop)، (وهو اختصار للإسكان الميسر المؤقت القريب) في عام 2019 لتوفير أماكن إقامة سريعة، وبأسعار معقولة للأشخاص الذين أجبروا على ترك منازلهم في المنطقة المركزية بالعاصمة الكاتالونية.
يتكوَّن المبنى من حاويات شحن، جرى إصلاحها ومواءمتها مع منشأة صحية في الطابق الأرضي، و 12 شقة بغرفة نوم واحدة مع غرفتي نوم في الطوابق الأربعة العليا.
يعني استخدام المواد المعاد تدويرها، والعزل الحراري والتصميم الذي يزيد من نسبة أشعة الشمس في الشتاء والظل في الصيف أنَّ المشروع يستخدم طاقة أقل بنسبة 25%، وتنبعث منه غازات دفيئة بنسبة 54% أقل من المباني التقليدية.
مدينة فاضلة بدون انبعاثات الكربون
تخيَّل الذهاب للعمل كل صباح على دراجة عامة. وعند وصولك إلى وجهتك، سيخبرك أحد التطبيقات بكمية ثاني أكسيد الكربون التي تجنَّبت انبعاثها، وعدد النقاط الخضراء التي كسبتها مقابل الرحلة. بعد ذلك؛ ستقرر ما إذا كنت تريد استبدال هذه الرموز بسلع أو خدمات خضراء، أو بيعها للشركات المحلية.
وضع مركز أبحاث "سييا" (CEiiA) هذه التجربة التي تبدو خيالية، وهو مركز أنشأته صناعة السيارات البرتغالية، في ماتوسينهوس بشمال البلاد.
بدأت منصة "إيه واي آر" (AYR) العمل في نوفمبر من العام الماضي، ووصلت حتى الآن إلى ثلث سكان المدينة البالغ عددهم 175 ألف نسمة.
خلال الأشهر الستة الأولى؛ تمكَّن البرنامج التجريبي من تجنُّب إنتاج 18.1 طن من ثاني أكسيد الكربون، ولكن يمكن تجنُّب ما يصل إلى ألفي طن سنوياً عند توسيع نطاقه.
تستهدف المنصة تجنُّب إنتاج 60 ألف طن بحلول عام 2030، وإذا اشترت الشركات المحلية جميع النقاط لتعويض انبعاثاتها، فهذا يعني 12 مليون يورو من الاستثمار في حياد الكربون.
حديقة تطفو فوق المدينة
ملاذ على شكل حديقة حضرية يطفو فوق مجموعة أبنية من القرن التاسع عشر، كما تتألف من 10 مبانٍ في منطقة ميناء برشلونة.
في مكان مرتفع فوق صخب المدينة؛ قامت شركة "ماتا ألتا" للهندسة المعمارية ببناء حديقة على السطح في مجمع "بوركسوس دين إكسيفريا" الشهير. تتميز بالبرك، وفنادق الحشرات، وهياكل التعشيش.
تعدُّ هذه الحديقة موطناً لأكثر من 10 آلاف من النباتات المحلية، وقد تمَّ اختيارها لخصائصها العطرية ومناسبتها لحشرات التلقيح، ومقاومة الجفاف والتلوث.
لم تستخدم الشركة إسمنت بورتلاند، الذي ينتج تصنيعه ثاني أكسيد الكربون، بل اختارت الحصى التي أعيد تدويرها من نفايات الطوب، والأخشاب المستصلحة من المبنى والأخشاب المحلية الأخرى.
توفِّر الألواح الشمسية الموجودة على سقف "إكسيفريا" الطاقة لنظام إضاءة "إل إي دي"، ومضخات الري، مع تغذية شبكة المدينة بفائض الطاقة.
يستخدم المطر للري، ويتمُّ تخزينه في خزان بسعة 9 آلاف لتر على مستوى الأرض، مما يضمن توفُّر المياه لمدة شهرين. كما تقوم تقنيات السماد الأخضر والتسميد بتخصيب التربة.