عند متابعة تحركات الأسعار، قد تعتقد أن الوقود الأحفوري عاد من جديد.
منذ تجاوز سعر 100 دولار للطن المتري في شهر مايو، صعد سعر الفحم في ميناء نيوكاسل الأسترالي - وهو معيار قياسي لآسيا التي تستهلك حوالي ثلاثة أرباع الخام في العالم - بشكل عمودي تقريباً، مسجلاً رقماً قياسياً عند مستوى 173.10 دولار للطن يوم الخميس.
يتداول سعر العقد الإقليمي الرئيسي للغاز الطبيعي المسال "Japan-Korea Marker"، في منطقة مماثلة عند مستوى 18.02 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في نفس اليوم، وهذا ليس رقماً قياسياً، لكنه لا يزال ثالث أعلى ارتفاع للغاز الطبيعي المسال على الإطلاق خلال موسم تنخفض فيه عادة أسعار سلعة تميل إلى الصعود وسط الحاجة إلى التدفئة في الشتاء.
الصين تسمح بإعادة تشغيل مزيد من مناجم الفحم بسبب زيادة الطلب
أما إذا كنت تعتقد أن أسعار العقود المستقبلية ببساطة هي إشارة على اتجاه السلعة المعنية، فيجب أن يقلق ذلك العالم الذي يحتاج إلى التخلص من انبعاثات الكربون. وهذا رأي مبسط رغم ذلك، إذ لا ترتفع أسعار السلع أو تنخفض بناءً على مستوى الطلب نفسه، بل نتيجة لعدم التوافق بين العرض والطلب، ولا يزال من الممكن أن يشهد العالم، الذي يسير فيه استهلاك الوقود الأحفوري في اتجاه هبوطي طويل الأجل، أسعاراً جيدة للوقود الأحفوري في أي فترة ينخفض فيها العرض بشكل أسرع من الطلب.
المحرك الرئيسي
للصعود الحالي في الأسعار عدة مصادر: منها تحول الغاز الروسي عن أوروبا إلى آسيا. وانتقال الصين من استخدام الفحم إلى الغاز. ثم هناك الصيف الدافئ والجاف نسبياً والذي يقلص حجم الكهرباء المولدة من الطاقة المائية ويزيد الضغط على مكيفات الهواء. والأهم من ذلك كان التعافي من نوبة المرض الاقتصادي خلال عام 2020 والتي أدت إلى ارتفاع كبير في استهلاك الكهرباء ومعها أكثر أشكال توليد الكهرباء تلويثاً.
كان ثبات (أو تراجع) الطلب على الكهرباء هو أحد أكبر محركات نمو حصة مصادر الطاقة المتجددة من توليد الكهرباء على مدار العقد الماضي، ويمكن أن تنخفض الانبعاثات بحدة عند إضافة طاقة الرياح والطاقة الشمسية القادرة على توفير 5% من كهرباء شبكة دولة ما إذا ظل الإنتاج ثابتاً أو تراجع. ومع ذلك، إذا ارتفع استخدام الشبكة بنسبة 5%، فلن تحدث قدرة الطاقة المتجددة الجديدة تلك أي فرق في الانبعاثات، أما إذا صعد الاستهلاك بنسبة 14% على أساس سنوي - كما حدث في الصين في يوليو - فمن المحتمل أن يكون الوقود الأحفوري هو الذي يعوض النقص.
يمكن لهذا الوضع أن يحول حتى المساوئ الاقتصادية للفحم والغاز لصالحهما. ولسنوات حتى الآن، أدى نمو الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة بتكاليف وقود صفرية إلى تخفيض استخدام المولدات الحرارية، ما وجه ضربة قاسية لجدواها الاقتصادية إذ يجب أن تعمل محطات توليد الكهرباء المعتمدة على المصادر الأحفورية 60% إلى 80% من الوقت لتحقيق ربح، ولكن آخر مرة وصل فيها أسطول التوليد الصيني إلى هذا المستوى كان في عام 2011، أما خلال معظم عامي 2019 و2020 كان الرقم أقل بكثير من 50%.
ومع ذلك، يعني عدم الاستغلال الكامل ذاك للسعة الإنتاجية أن هناك قدرة كبيرة على زيادة إنتاج الغاز عندما يبدأ الطلب في الارتفاع، ويتطلب إنتاج ميغاوات إضافية في الساعة من مولد حراري يعمل بنصف السعة فقط إيجاد بعض الوقود في الأسواق العالمية للفحم والغاز الطبيعي المسال، أما إذا كنت ترغب في زيادة توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية عن المستويات الحالية، فستحتاج إلى بناء محطة طاقة جديدة بالكامل.
البديل
تبدو تلك أخبار سيئة بالنسبة للتخلص من الكربون - وهي كذلك على المدى القصير، لكن تقدم ارتفاعات الأسعار الحالية أيضاً تُعَد تذكيراً لمولدي الكهرباء بالأسباب التي تجعل أيام الطاقة الحرارية معدودة، ووفقاً للأسعار الحالية لفحم نيوكاسل، فإنه حتى أكثر محطات الطاقة كفاءة ستدفع ما يزيد عن 60 دولارا لكل ميغاوات/ ساعة مقابل وقودها فقط. وفي أكبر أسواق الصين والهند، تبلغ تكلفة توليد الكهرباء الجديدة من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح نصف هذا المبلغ أو أقل، حتى محطات الطاقة المتجددة المدعومة بالبطاريات لتوفير الكهرباء عند الطلب هي منافسة للوقود الأحفوري بالأسعار الحالية.
هذا هو السبب النهائي وراء تحول العالم بعيداً عن الدور التاريخي للكربون كمكون أساسي لأنظمة الكهرباء خلال العقد القادم، يتم تحديد أسعار توليد الكهرباء من المصادر المتجددة أثناء وقت التركيب فقط ولا تختلف التكلفة على مدى عمر المشروع الذي يمتد لعدة عقود.
دراسة: الهند ستوفر 1.2 مليار دولار سنوياً إذا أغلقت محطات الفحم القديمة
يعطي هذا يقيناً يحسد عليه مشغلي الشبكات - الذين تحدد الحكومة عادة إيراداتهم - خاصة عند مقارنة الأمر بسلع مثل الفحم، الذي يمكن أن يقفز سعره ثلاثة أضعاف خلال 12 شهراً، كما حدث خلال العام الماضي.
في ظل سحب البنوك لتمويلات مشاريع الوقود الأحفوري وتحول كبار المنتجين نحو البدائل منخفضة الكربون، لن تزداد هذه المشاكل إلا سوءاً، وسيؤدي عدم التطابق المتزايد بين العرض والطلب إلى تقلب أسعار الوقود، ما سيدمر التدفقات النقدية لمولدي الكهرباء، ولطالما كان الاستقرار واليقين من الصفات القيمة في الأعمال التجارية، وتزرع الإثارة الجامحة الحالية في أسواق وقود الكهرباء بذور تدهورها.