يجب على المستثمرين الذي يتوقعون أن يكون 2025 عاماً مستقراً آخر التأهب لمزيد من الصدمات، مثل التي وقعت في أغسطس، حيث تُهدد الضبابية المحيطة بسياسات دونالد ترمب الضريبية والجمركية بإحداث اضطراب في الأسواق.
يتوقع المحللون الاستراتيجيون في "بنك أوف أميركا"، و"جيه بي مورغان"، و"بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا" الإسبانية، أن استمرار موجة بيع عقود الخيارات سيكبح جماح التقلب بشكل عام، إذ يتوقع "جيه بي مورغان" أن يصل متوسط "مؤشر التقلب في بورصة مجلس شيكاغو للخيارات" (VIX) قرب 16 نقطة، مقارنة بنحو 15.5 خلال 2024.
إلا أن "بانكو بيلباو" يشير إلى مجموعة عوامل قد تؤدي إلى تقلبات أكبر، من بينها تزايد الغموض المحيط بسياسات التعريفات الجمركية، والتوترات الجيوسياسية، والإفراط في التركز والتقييم، ووجود إشارات على الإجهاد في أسواق التمويل، وضعف سوق العمل في الولايات المتحدة.
أشار المحلل الاستراتيجي لدى "بانكو بيلباو"، ميخاليس أونيسيفورو، في مذكرة للعملاء إلى أن "اقتران النمو المستمر بتزايد رواج استراتيجيات بيع التقلبات يجب أن يدعما بيئة ينخفض فيها التقلب بشكل أساسي في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء"، ومع ذلك "تشير عدة عوامل إلى أن مستويات التقلب واسع النطاق سترتفع بشكل أكبر ومعدل أكثر تواتراً في 2025".
انخفاض التقلب الحالي مؤقت
يتوقع "بنك أوف أميركا" أن تشهد السوق فترات طويلة من الاستقرار تعقبها تقلبات مرتفعة الاحتمال للغاية، أي تذبذبات كبيرة شديدة مفاجئة. كما يتوقع ارتفاع تواتر حدوث صدمات الهشاشة في مؤشر "إس آند بي 500"، مقارنةً بالثمانين عاماً الماضية، ويشير إلى أن حدوث صدمة كبرى أخرى على مستوى المؤشر ربما يكون وشيكاً.
كذلك فإن عقود الخيارات ذات الصلاحية ليوم واحد فقط، واستراتيجيات الاستثمار الكمي التي تراقبها البنوك والصناديق المتداولة بدقة خلال بيعها عقود الخيارات لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، سترفع العرض في السوق، ما سيبقي المتعاملين متفائلين تجاه المكاسب من ارتفاع التقلب. عادةً ما يؤدي ذلك إلى تراجع التحركات في السوق، إذ سيتعين على المتعاملين شراء عدد أكبر من العقود المستقبلية أو الأسهم عند انخفاض الأسعار، وبيعها عند ارتفاعها للمحافظة على استقرار المراكز الاستثمارية.
كما لفت "جيه بي مورغان" إلى أنه رغم كبت العوامل الفنية جماح التقلبات، توضح مؤشرات الاقتصاد الكلي أن التقلب يجب أن يكون عند مستوى أعلى، إذ تشير البيانات إلى أن المستوى المعقول لـ"مؤشر التقلب في بورصة مجلس شيكاغو" قرب 19 في المتوسط. وفي حين يُفترض أن تستمر موجة بيع التقلبات من قبل المستثمرين في الولايات المتحدة، سيرتفع الطلب على التقلبات في آسيا، وبالأخص في الصين وهونغ كونغ وسط الضغط الاقتصادي التي تُتخذ إجراءات تحفيز لمواجهته، والضبابية المحيطة بالرسوم الجمركية الأميركية.
وقال بيير دي ساب، الشريك ومدير الاستثمارات في شركة "دومينيس آند كو أسيت مانجمنت": "يُرجح أن تكون بيئة انخفاض التقلب الحالية مؤقتة، أخذ المستثمرون في حسبانهم كل التأثيرات الإيجابية لسياسات ترمب الجديدة، إلا أنهم أهملوا الآثار الجانبية السلبية المحتملة"، و"أتوقع في 2025 ارتفاعاً أضعف للأسواق وخطراً أكبر لوقوع اضطراب كبير، مقارنةً بالمستويات المسجلة في 2024 أو 2017، بسبب أساليب ترمب غير التقليدية".
تضاؤل فرص تراجع التقلب
لفت المحللون الاستراتيجيون لدى "يو بي إس غروب" إلى أن موازنة السياسات بين التعريفات الجمركية والتخفيضات الضريبية قد تؤدي إلى مزيد من التذبذب، وقال مدير بحوث مشتقات الأسهم الأميركية في البنك، ماكس غريناكوف: "ربما نتجه مباشرة إلى بيئة تتقلب فيها الأسهم بشكل كبير نسبياً خلال النصف الأول من العام المقبل".
من شأن الرفع المرتقب للتعريفات الجمركية أن يجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أكثر ميلاً للتيسير النقدي، وأشد ثقة بإجراءاته، ما سيقلل التقلب في السندات، بحسب "يو بي إس"، الذي اقترح شراء عقود خيارات متوازنة على مؤشر "إس آند بي 500" تنتهي صلاحيتها في يونيو، ويجري تمويلها عبر بيع عقود خيارات متوازنة في صندوق "آي شيرز" المتداول لسندات الخزانة لأجل يزيد عن 20 عاماً.
على نحو مشابه، يتوقع المحللون الاستراتيجيون لدى "سوسيتيه جنرال" تضاؤل فرصة تراجع التقلب، وقال جيتش كومار المحلل الاستراتيجي للمشتقات في الشركة: "تتوقع نماذجنا ارتفاع التقلب خلال 2025 و2026. نوصي بالشراء عند انخفاضه".
يُعد شراء عقود الشراء في "مؤشر التقلب في بورصة مجلس شيكاغو للخيارات" وبيع عقود البيع في مؤشر "إس آند بي 500" وسيلة ذات تكلفة احتفاظ منخفضة للتحوط من موجة بيع كبيرة، بحسب "بنك أوف أميركا" و"جيه بي مورغان"، إذ عادةً ما يتجاوب مؤشر التقلب بشكل سريع مع الاضطرابات في السوق، حيث ستشكل مراكز الشراء وسيلة للحماية من الصدمات، وفي الوقت نفسه سيتمكن المتعامل من تحقيق أرباح من الارتفاع البطيء في أسعار الأسهم من الحصول على الفارق السعري من عقود البيع في مؤشر "إس آند بي 500".
إقبال على الأصول المتنوعة
يدعم "جيه بي مورغان" و"بنك أوف أميركا" عمليات تداول سلال الأصول المتنوعة المخصصة، وأشار "بنك أوف أميركا" إلى أن القوة الرئيسية الدافعة للأداء تتمثل في المستوى القياسي لهشاشة الأسهم، أي التقلبات الضخمة غير المتوقعة مقارنة بالتذبذبات السابقة، وقال محللون استراتيجيون في البنك، من بينهم بنجامين باولر، إن "حجم صدمات الهشاشة في أكبر الأسهم على مؤشر (إس آند بي) بلغ أعلى مستوياته منذ أكثر من 30 عاماً خلال 2024، في ظل قلة الإشارات على تراجعه إذا استمرت فورة الذكاء الاصطناعي".
سيستمر رواج عمليات تداول الأصول متنوعة الفئات مع بداية 2025 بعد زيادة الاهتمام بها في 2024، وأشار "جيه بي مورغان" إلى أن عقود الخيارات الثنائية المزدوجة التي تراهن على انخفاض مؤشر "يورو ستوكس 50" وارتفاع عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات، تتوقع سيناريو تبدأ فيه الأسواق تسعير تنفيذ إدارة ترمب الجديدة الوعود الانتخابية بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، والرسوم الجمركية، والاستعانة بمصادر خارجية أقرب جغرافياً، بشكل أكثر جذرية".
قال أنطوان براك، مدير الخدمات الاستشارية في "لايتهاوس كانتون" (Lighthouse Canton) مكتب العائلة الذي يبلغ حجمه 3.5 مليار دولار في سنغافورة: "نلتزم الحذر حيال التأثير المتحمل لرفع أسعار الفائدة والرسوم الجمركية الجديدة. بينما قد يستمر ارتفاع الأصول مرتفعة المخاطر لفترة أطول من المتوقع، نرى الآن فرصة للاستفادة من مستويات التقلب المنخفضة لحماية الأسهم".