وجدت دراسة قيد الإعداد من قِبل "صندوق النقد الدولي"، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول الخليج لها تأثير أكبر على نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مقارنةً بالاستثمارات المحلية لصناديقها السيادية.
الدراسة التي لم تُنشر بعد، واطلعت "الشرق" على خلاصاتها، ركزت على استثمارات الأسهم الخاصة وعمليات الدمج والاستحواذ العائدة للصناديق السيادية في دول الخليج، مع استثناء القطاع المالي من المعادلة. وتهدف إلى تقديم نموذج يمكن من خلاله تقدير حجم رأس المال المطلوب استثماره للوصول إلى مستوى معين من النمو في القطاعات غير النفطية، والناتج المحلي الإجمالي.
وفق تصريحات لـ"الشرق" من وينينغ تشين وييفغينيا كوروناكا اللذين أعدا الدراسة، فإن زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي، تؤدي إلى زيادة بنسبة أعلى من 1% في نمو الناتج المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني على مدى خمس سنوات. بنيما تحقق استثمارات الصناديق السيادية المحلية تأثيراً أصغر بشكلٍ ملحوظ، حيث تولد زيادتها بالنسبة ذاتها نمواً بنسبة 0.4% للفترة عينها، ما يعني أن استثمارات الصناديق السيادية المحلية "أقل فعالية بمرتين ونصف في توليد النمو من الاستثمارات الأجنبية".
أسباب الاختلاف
كان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، لمّح إلى هذه الدراسة في مقابلة مع "الشرق"، على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن منتصف أكتوبر، مشيراً إلى أن العائد على رأس المال منخفض في دول الخليج خلال العقدين الماضيين، مشجعاً دول المنطقة على الاستثمار أكثر برأس المال البشري، وتعزيز العائد على الاستثمار المالي.
يرى تيم كالن، الباحث الزائر في "معهد دول الخليج العربية" في واشنطن، صعوبة في تحليل هذه النتائج نظراً إلى أن الدراسة لم تنشر بعد، لكنه يقدّر أن النتيجة التي خلصت إليها قد تكون ناجمة عن عاملين أساسيين.
كالين، الذي شغل سابقاً منصب المدير المساعد السابق بقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قال في تصريح لـ"الشرق" إن السببين المحتملين هما أن "الاستثمارات المحلية غالباً ما تركز على مشاريع البناء أكثر من الاستثمارات الأجنبية،كما أنها قد تكون أقل تعزيزاً للنمو نظراً إلى أن القطاع العام هو مصدر غالبية هذه الاستثمارات".
معدا الدراسة لفتا إلى أن التأثير الأصغر لاستثمارات الصناديق السيادية المحلية قد ينبع من تركيزها على مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق، بينما تكون هذه الاستثمارات غالباً أقل كثافة في المعرفة والتكنولوجيا. وعادةً ما تكون لمشاريع البنية الأساسية الكبيرة جداول زمنية أطول من خمس سنوات، وتأثيرات نمو فورية أقل.
وأشارا إلى أن نتائج الدراسة تبين الحاجة إلى "تحسين إدارة الاستثمار العام وتحديد الأولويات"، ونوّها بأنه من خلال "تعزيز بيئة أكثر ملاءمة لمشاركة القطاع الخاص، يمكن أن يكون لاستثمارات الصناديق السيادية المحلية تأثير أكبر على النمو غير الهيدروكربوني".
السعودية نموذج للآليتين
تلعب صناديق الثروة السيادية في الخليج دوراً رئيساً في عملية التحول الاقتصادي، من خلال الاستثمار في القطاعات غير النفطية بشكلٍ أساسي. وهي تشهد مؤخراً تركيزاً متنامياً على أسواقها المحلية.
ويتجلى هذا التوجه بشكلٍ واضح في استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يدير أصولاً تناهز تريليون دولار، حيث عدّل خطته الاستثمارية مؤخراً لتركز على القطاعات المحلية، مستهدفاً تقليص استثماراته الدولية من 30% في الوقت الحالي إلى نطاق بين 18 إلى 20%، بحسب ما أعلنه محافظ الصندوق ياسر الرميان خلال مبادرة مستقبل الاستثمار السعودية التي عُقدت في الرياض الأسبوع الماضي.
بموازاة ذلك، تدرك حكومة المملكة أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة في توليد النمو وتعزيز الاقتصاد، وهي تسعى لأن تتجاوز قيمة هذه الاستثمارات 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030. واستقبلت المملكة استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تزيد قليلاً عن 9.7 مليار دولار في النصف الأول من السنة، ونحو 19 مليار دولار العام الماضي.
كان أزعور اعتبر أيضاً في حديثه لـ"الشرق"، أن مستويات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أسواق الخليج خلال العقد الماضي، "لم تكن بالمستوى المطلوب أو على قدر الطموحات". لكنه أشار إلى أن حكومات المنطقة "نفذت مجموعة من الإصلاحات التي ساهمت في تحسين بيئة الاستثمار ورفع منسوب النمو من خارج الإطار الحكومي، بما سيساهم في تكبير حجم الاقتصاد ورفع مستوى القدرة على استقطاب رؤوس الأموال الاستثمارية، لا سيما إلى القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والترفيه والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي".
تغير في طبيعة الاستثمارات
لحظت دراسة صندوق النقد أيضاً تغيّراً في طبيعة الاستثمارات الواردة إلى المنطقة منذ 2020، إذ توجهت هذه الاستثمارات نحو قطاعات الخدمات القابلة للتسويق، التي تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية والخدمات التجارية والضيافة.
قبل فيروس كورونا، كانت معظم الاستثمارات تتركز في القطاعات التقليدية، مثل التمويل والعقارات وبعض الصناعات التحويلية والهيدروكربونات. لكن هذا التحول يعكس التحرك نحو القطاعات الأكثر كثافة في المعرفة، والتي تتمتع بإمكانات نمو عالية، وفقاً لمعدي الدراسة.
ونوّه الصندوق في خلاصة تقريره بأن هذه القطاعات باتت تستحوذ على 74% من مجمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول الخليج للفترة من 2020 إلى 2023، مقارنةً بنحو 33% فقط خلال السنوات الخمس من 2015 إلى 2019.