تبدو نهاية مساعي سوق العملات العالمية، التي دامت أربع سنوات للقضاء على ممارسة تداول مثيرة للجدل، تسمح للمتداولين بالتراجع عن المعاملات في حال تحركت الأسعار ضدهم، بعيدة عن التحقّق حالياً أكثر من أي وقت مضى.
وفي هذا الصدد أصدرت اللجنة التي تشرف على مدونة سلوك طوعية، في سوق تبلغ قيمتها نحو 7 تريليونات دولار يومياً، إرشادات جديدة بشأن ما يسمى بـ"النظرة الأخيرة" في وقتٍ سابق من هذا الشهر، إلا أن هذه المبادئ لم تؤدٍّ إلا إلى موجة جديدة من مقاومة المتداولين المحبطين من تأطيرهم، إذ انتقدت الشركة المزودة للسيولة "إكس تي إكس ماركيتس"، والعضو في مجموعة عمل "النظرة الأخيرة" التابعة للجنة العالمية للعملات الأجنبية، العملية الاستشارية ووصفت الورقة بأنها فرصة ضائعة لحل المشكلة.
النظرة الأخيرة
الجدير بالذكر أن "النظرة الأخيرة" تشبه محاولة الدفع مقابل شراء الغذاء من محل بقالة، إلا أن المتجر يخبرك بأنه لن يبيعك المواد بالسعر المدرج على الرف.
وفي تداول العملات الأجنبية، الذي يُعَدّ حجَر الأساس للتمويل والتجارة العالميين، يقول المتداولون أحياناً إنهم سيشترون أو يبيعون عملة بسعر معيّن، ولكن بعد أن يقبل المتداول هذا العرض يتراجع التاجر.
ويذهب البعض إلى حد تصور ما لا يمكن تصوره تقريباً، إذ يحتاج صرف العملات الأجنبية، وهو عمل يشتهر بخضوعه لتنظيم متراخٍ وشهد كثيراً من الفضائح على مرّ السنين، إلى مزيد من الإشراف الخارجي الرسمي.
تعليقاً على الموضوع، قال ديفيد ميرسر، الرئيس التنفيذي لشركة "إل إم إيه إكس غروب" المشغِّلة لسوق العملات: "إنها نقطة غير قابلة للحل تقريباً لأن عديداً من مكونات الصناعة لها وجهات نظر مختلفة، وكل تأكيد للمدونة يجعل النظام البيئي للسوق أفضل قليلاً، إلا أننا نرغب في تحسينه بشكل أسرع".
أما في المدونة العالمية لصرف العملات الأجنبية لعام 2017، وهي قائمة طوعية بأفضل الممارسات لتداول العملات، فقد حصلت "النظرة الأخيرة" على بعض المعايير ولكن لم تُحظر، إذ خضعت لمناقشات محتدمة منذ ذلك الحين.
وفي هذا الصدد، لم تُوقّع شركة "فانغارد غروب" على المدونة لسنوات لأنها أرادت قيوداً أقوى، على الرغم من أن شركة إدارة الأصول الذي تبلغ قيمتها 7.2 تريليون دولار تراجعت أخيراً في عام 2020.
دعوى قضائية ومزاعم
في هذا الشهر، رفع متداولو العملات دعوى قضائية جماعية ضد شركتَي "غولدمان ساكس آند كو" و"ستيت ستريت بنك آند تراست" (State Street Bank & Trust Co)، تضمنت مزاعم بأن شركتَي تزويد السيولة قد حصلتا على حقوق "النظرة الأخيرة"، مما سمح لهما بإلغاء التداولات المطابقة من جانب واحد.
وقد أعربت شركات جانب الشراء مراراً وتكراراً عن مخاوفها من احتمال تلاعب المتداولين بها.
فضلاً عن ذلك، أصدرت لجنة صرف العملات الأجنبية العالمية إرشادات إضافية في ورقة الأسبوع الماضي بعد أن تلقت "النظرة الأخيرة" معظم التعليقات في استطلاعات السوق التي قامت بها المجموعة لدراسة كيفية تحسين قواعد الصناعة. والغرض من الورقة هو تكملة المبدأ 17 من المدونة العالمية لصرف العملات الأجنبية، الذي يتناول هذه الممارسة.
ووفقاً لوثيقة لجنة صرف العملات الأجنبية العالمية الجديدة، يجب تطبيق "النظرة الأخيرة" بطريقة "عادلة ويمكن التنبؤ بها"، إذ يجب استخدام هذه الممارسة فقط للتأكد من وجود رصيد كافٍ متاح لإتمام المعاملة، وأن السعر الذي قُدّم الطلب به متسق مع المستوى الحالي.
ويجب على مزودي السيولة تطبيق هذه الشيكات دون تأخير، وأن يقرروا "على وجه السرعة" ما إذا كانوا سيقبلون أو يرفضون التداولات. وتشجع اللجنة أيضاً مزودي السيولة "بقوة" على ملء أوراق الإفصاح عن ممارساتهم الأخيرة.
من جانبه فوجئ زار أمروليا، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "إكس تي إكس"، بأن الوثيقة صدرت الأسبوع الماضي، لأن "مجموعة عمل (النظرة الأخيرة) لم توقع على التوجيهات، ولم تتفق بشكل جماعي على القضايا الرئيسية، ولم تطلع حتى على النص النهائي للإرشادات المنشورة"، وذلك على حد قوله في مقابلة أُجريت معه.
وأضاف أمروليا: "لم تُناقَش ملاحظات العملاء رسمياً مطلقاً. وفي حين أن الإفصاحات تُعَدّ خطوة إلى الأمام، إلا أنها فرصة ضائعة أخرى للجنة صرف العملات الأجنبية العالمية لسد الثغرات في المبدأ 17، وكما هي الحال فإن سوء السلوك والأسئلة المتعلقة بالنظرة الأخيرة لن تتغير على الأرجح مع هذه الإرشادات".
مدونة الشرف
يقول بعض الفاعلين في الصناعة إن الإرشادات الأخيرة غير كافية لأنها على الرغم من أنها تُوصي المتداولين بالإفصاح عن النافذة الزمنية التي يحتاجون إليها لتأكيد الصفقة، فإنه لا توجد إرشادات دقيقة حول المدة التي يجب أن تستغرقها هذه النافذة. ويمكن للمتداولين أيضاً الانسحاب من التداولات إذا تحركت أسعار السوق ضدهم، ولكن ليس عندما تتحرك الأسعار بمقدار مماثل لصالحهم.
بالإضافة إلى ذلك، قال جاي ديبيل، رئيس لجنة صرف العملات الأجنبية العالمية، في مقابلة عبر الهاتف: "من الواضح أنه لا يتعيَّن على مزودي السيولة بذل كثير من الجهد للتلاعب بالعملاء، لكننا نحاول في الوقت نفسه تزويد العملاء بالمعلومات والأدوات بطريقة قابلة للمقارنة لتقييم كيفية معاملتهم".
وأضاف أن مجموعة العمل ليس لها القول الفصل في لوائح المدونة العالمية لصرف العملات الأجنبية.
كما أضاف: "سنراقب هذا الأمر، وإذا لم تصل هذه الرسالة بشكل جيد فقد نحتاج إلى إعادة النظر في الصياغة الفعلية للمبدأ نفسه".
الجدير بالذكر أن النقاش استمر لسنوات، ومن المحتمل أن يكون نتيجة ثانوية لنهج لجنة صرف العملات الأجنبية العالمية القائم على الإجماع، مما يدفع البعض، بما في ذلك ميرسر من شركة "إل إم إيه إكس غروب"، إلى التفكير في هيكل تنظيمي أكثر رسمية.
كذلك قال ميرسر: "تعجبني حقيقة أن صرف العملات الأجنبية ينظم نفسه بنفسه. وبالعودة إلى عقود من الزمن كان في السوق شرف، وهذا ما تحاول المدونة أن تُقدّمه: مدونة يحركها الشرف، إلا أن البديل هو التنظيم وسنّ اللوائح، إذ أعتقد أن التنظيم سيكون صعباً إلا أنه ليس مستحيلاً".