طُلب من نيك مولنار، الشريك المؤسس لشركة "أفترباي" (Afterpay)، الراغب في أن يصبح مصرفياً استثمارياً التمسك بـ"صخبه الجانبي" المتمثل في بيع المجوهرات على "إيباي" بدلاً من تولي وظيفة في شركة رأس مال استثماري.
إن لم ينجح في ذلك، فقد وعده رئيسه المحتمل في الشركة التي أجرى فيها المقابلة بالحفاظ على الوظيفة متاحة له لمدة عام.
بناءً على النصيحة، تمكن مولنار من زيادة مبيعات المجوهرات ستة أضعاف في غضون شهر. وبعد حوالي ثلاث سنوات، أطلق شركة "أفترباي" للشراء الآن والدفع لاحقاً.
بعد خمس سنوات فقط من إدراج الشركة في البورصة، وافق مولنار الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، وجاره السابق والشريك المؤسس أنتوني إيسن، 49 عاماً، يوم الاثنين، على بيع "أفتر باي" لشركة "سكوير" في صفقة قيمتها 29 مليار دولار من شأنها تعزيز قيمة ممتلكاتهم إلى حوالي 1.8 مليار دولار لكل منهما، ما سيجعلهما اثنين من أغنى 50 شخصاً في أستراليا.
أكبر صفقة في أستراليا
قال مارك كارنيجي، الشريك المؤسس لشركة رأس المال الاستثماري "إم إتش كارنيجي"، في مقابلة معه: "كان من الواضح منذ البداية أن نيك سيكون ناجحاً. لقد اكتسب هذا الفتى المهارة للتو وحصل على نظارات ريادة الأعمال التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء. يمكنه رؤية أشياء لا يستطيع الآخرون رؤيتها. قلت له: يا نيك، بدلاً من الجلوس هناك للقيام بأقوى وظيفة في الإنشاء، وهي أن تكون محللاً استثمارياً مصرفياً، عد إلى صخبك الجانبي، وانظر ما الذي يمكنك فعله".
تمكن مولنار بالفعل من إنشاء شركة التكنولوجيا المالية الأكثر قيمة في أستراليا في غضون سبع سنوات فقط، والتي أنجزت أكبر صفقة اندماج واستحواذ في تاريخ البلاد وساعدت في تعزيز ثروات عدد من تجار التجزئة الأستراليين.
يتذكر كارنيجي أن مولنار، الذي كان جده الأكبر يدير مشروعاً لتأجير المجوهرات على أساس الدفع عند الارتداء للأرستقراطيين الطموحين في المجر قبل الحرب وقال: "لقد رأى العلاقة بين التجزئة والجيل التالي من الخدمات المالية بطريقة لم يستطع الآخرون رؤيتها".
بديل الائتمان التقليدي
انجذبت "سكوير"، منصة المدفوعات الرقمية التي يقودها، جاك دورسي، مؤسس شركة "تويتر"، إلى نموذج تمويل المستهلك غير التقليدي للشركة، الذي أسسه نجم لعبة الرغبي في المدرسة الثانوية وجاره المصرفي الاستثماري. ووصفها المدير المالي، أمريتا أهوجا، بأنها بديل للائتمان التقليدي.
تسمح شركة "أفترباي" للأشخاص بشراء البضائع عبر الإنترنت دون الحاجة إلى دفع أي شيء مقدماً. ليس هناك أي تكلفة على المستخدمين إن سددوا أقساطهم الأربعة في الوقت المحدد، بينما تفرض الشركة رسوماً على تجار التجزئة مقابل الخدمة.
تأسست الشركة قبل ست سنوات فقط، ويعرض خدماتها حالياً حوالي 100 ألف بائع تجزئة حول العالم ولديها أكثر من 16.2 مليون عميل، وفقاً لبيان صادر عن الشركتين يوم الاثنين.
قال دانا ستالدر، من أوائل المستثمرين في "أفترباي" وعضو مجلس إدارتها، إنه كان مبهوراً بالمؤسسين في المرة الأولى التي التقاهما فيها.
تم تعريف ستالدر التنفيذي السابق في شركة "بايبال هولدينغز" على مولنار وإيسن في عام 2017 للتحدث عن توسيع أعمالهما من أستراليا إلى جمهور عالمي. وطال الاجتماع المقرر لساعة واحدة إلى ساعتين ونصف. ثم التقيا به مرة أخرى في اليوم التالي.
يتذكر ستادلر، الشريك في "ماتريكس بارتنرز" قائلاً: "لا يمكنك إلا أن تنبهر بما صنعوه في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن". أدرك بسرعة أن نموذج العمل هذا سينطبق على أسواق أخرى خارج أستراليا، وكان واثقاً من أن مولنار وإيسن كانا يتمتعان بالتركيز الكافي لرؤية ذلك.
وأضاف ستالدر أن مولنار: "شخص استراتيجي للغاية دون أن يدرك حتى مدى استراتيجيته. إنه حدسي. وفكرت للتو، لا أستطيع أن أتخيل مدى جودة هذا الرجل في سن الأربعين إذا كان جيداً هكذا في السابعة والعشرين".
مشروع بوكيت
بدأت الصفقة في التبلور عندما تواصلت شركة "افترباي" مع "سكوير" لمناقشة مشروع "Pocket"، وفقاً لأشخاص على دراية بالموضوع.
أجريت هذه المحادثات بعد قرار "أفترباي" تعيين مستشارين في أبريل لإدراج الشركة المحتمل في البورصات الأمريكية واستمرت المحادثات عبر الفيديو والمكالمات الهاتفية، حيث اجتمع الأعضاء الرئيسيون في فرق الصفقة في هاواي قبل شهرين، كما قال الأشخاص المطلعون الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم بسبب سرية المناقشات.
وقالوا إنه في ذلك الاجتماع قررت الشركتان اعتماد مفهوم صفقة جميع الأسهم.
كان آيسن مفاوضاً رئيسياً لشركة "أفترباي"، التي تحمل الاسم الرمزي "أفوكادو"، في حين لقبت "سكوير" بـ"الفراولة"، وكان فريقها يضم أهوجا والمديرين التنفيذيين الرئيسيين أليسا هنري وبريان غراسادونيا.
كان لدى الشركتين رابط مشترك آخر: وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سمرز، الذي انضم إلى المجلس الاستشاري لشركة "أفترباي" في عام 2019، وعمل كمدير لشركة "سكوير" منذ عام 2011.
قال مولنار، إن العلاقة بين الشركتين كانت أكثر من مجرد عمل.
كما قال في مقابلة معه: "كانت أمريتا في الواقع من أوائل الأشخاص الذين قابلتهم عندما انتقلت إلى سان فرانسيسكو"، مضيفاً أن محادثته الأولى مع دورسي كانت حول العمل الخيري. وأضاف "لذلك كان من الرائع بناء علاقات مع فريق "سكوير" كبشر أولاً، ثم البدء في إجراء محادثة العمل".
بعد إتمام الصفقة، سيساعد كل من مولنار وإيسن في قيادة الأعمال التجارية وأعمال المستهلكين في "أفترباي" كجزء من قسم البيع في "سكوير" وتطبيق "كاش".
المسار إلى الصفقة
سُجلت شركة "أفترباي" رسمياً في نوفمبر من عام 2014، وكان الاسم من بنات أفكار عمة مولنار. جرى إطلاق الشركة في أستراليا في العام التالي وفي عام 2016 تم إدراجها في البورصة بسعر دولار أسترالي واحد للسهم.
ومع حلول عام 2017، جمعت الشركة مليون عميل وأمضت السنوات الثلاث التالية في دخول أسواق جديدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا.
مع انتشار الوباء في مارس من العام الماضي، انخفض سعر السهم بأكثر من 70%، قبل أن ينعكس مساره ويرتفع إلى مستوى قياسي في أوائل هذا العام.
لم تثري صفقة "أفترباي" مؤسسيها فحسب: فقد حصلت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "تينسنت هولدينغ"، التي دفعت حوالي 300 مليون دولار أسترالي مقابل 5% من أسهم "أفترباي" في عام 2020، على حوالي 1.7 مليار دولار أسترالي. وكانت شركتا "ودسون كابيتال" و"تايغر غلوبال" من بين المستثمرين الآخرين في الشركة.
اشترت ما تسمى بشركة "تايغر كبز" (Tiger Cubs)، وهم أشخاص تدربوا على يد جوليان روبرتسون وأسسوا شركاتهم الخاصة، أسهماً فيها بعد اجتماع 2019 في نيويورك، وفقاً لكتاب جديد عن الشركة بعنوان "اشترِ الآن، ادفع لاحقاً، القصة غير العادية لشركة "أفترباي"، بقلم جوناثان شابيرو وجيمس آيرز.
قال كارنيجي، رئيس شركة رأس المال الاستثماري، إنه لا يسعه إلا أن يندم على حقيقة أنه لم يدعم الشركة في وقت أبكر.