عقوبات صينية قاسية تطارد "ديدي" بسبب طرح أسهمها في أمريكا

الحملة الصينية على "ديدي" ليست الأولى من نوعها - المصدر: بلومبرغ
الحملة الصينية على "ديدي" ليست الأولى من نوعها - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تدرس الجهات الرقابية في الصين فرض عقوبات جدية، وربما غير مسبوقة، على شركة "ديدي" (Didi Global Inc)، بعد طرحها العام الأولي المثير للجدل الشهر الماضي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

قال الأشخاص الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، إن المنظمين يرون أن قرار عملاق خدمات النقل بالقيام بإجراء طرح عام على الرغم من معارضة هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية يمثل تحدياً لسلطة بكين.

من جهتها، قالت هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية في بيان إن مسؤولين من هيئة مكافحة الفساد ووزارات الأمن العام، وأمن الدولة، والموارد الطبيعية، إلى جانب منظمي الضرائب والنقل ومكافحة الاحتكار، بدؤوا تحقيقاً في موقع مكاتب الشركة.

وأشارت المصادر إلي أن المنظمين يدرسون مجموعة من العقوبات المحتملة، بما في ذلك فرض غرامة أو تعليق بعض العمليات أو إدخال مستثمر مملوك للدولة. ومن الممكن أيضاً القيام بالشطب القسري أو سحب أسهم "ديدي" الأمريكية، على الرغم من أنه من غير الواضح كيف سيطبق هذا الخيار.

لا تزال المداولات في مرحلة أولية، كما أن النتائج ما زالت غير مؤكدة حتى الآن، لكن المصادر قالت إنه من المرجح أن تفرض بكين عقوبات أشد على "ديدي" من تلك المفروضة على مجموعة "علي بابا"، التي ابتلعت غرامة قياسية قدرها 2.8 مليار دولار بعد تحقيق استمر لشهور بشأن مكافحة الاحتكار، ووافقت على بدء إجراءات لحماية التجار والزبائن.

بحسب ما قاله مينكسين باي، الأستاذ في كلية "كليرمونت ماكينا" بكاليفورنيا فإنه: "من الصعب تخمين حجم الغرامة، لكنني متأكد من أنها ستكون كبيرة". وانخفضت أسهم ديدي بنسبة 11٪ إلى 10.20 دولار عند سعر الإغلاق في نيويورك، وكان سعر السهم عند طرح الاكتتاب 14 دولاراً.

ولم ترد "ديدي"، أو هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية، وهيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية، ووزارة الصناعة، وتكنولوجيا المعلومات على طلب التعليق.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

بداية القصة

بدأ الاكتتاب العام الأولي لشركة "ديدي" ببداية فائقة النجاح، حيث جمع 4.4 مليار دولار بعد عدة سنوات مضطربة. لقد حولت "ديدي" المؤسس المشارك تشنغ وي إلى ملياردير وكافأت الداعمين القدامى مثل مجموعة "سوفت بنك" و"تايغر غلوبال" (Tiger Global Management) و"تماسيك القابضة" (Temasek Holdings).

لكن بعد أيام فقط، أعلنت هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية، عن مراجعة للأمن السيبراني بسبب ممارسات تتعلق ببيانات الشركة، ثم قامت بحظر تطبيق "ديدي" من متاجر التطبيقات في الصين. وسرعان ما تراجعت أسهمها إلى ما دون سعر الطرح.

أيد المنظمون الصينيون إلى حد كبير فكرة الاكتتاب العام، لكنهم أعربوا منذ أبريل عن مخاوفهم بشأن الممارسات المتعلقة بأمن البيانات لشركة "ديدي"، على حد قول المصادر. وفي أحد الأمثلة المثيرة للقلق، كشفت "ديدي" عن إحصائيات تتعلق برحلات سيارات الأجرة التي قام بها مسؤولون حكوميون، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه المشكلة المحددة قد أثيرت مع الشركة.

حثّ المنظمون "ديدي" على ضمان أمن بياناتها قبل المضي قدماً في الاكتتاب العام أو نقل الموقع إلى هونغ كونغ أو الصين، حيث ستكون مخاطر الكشف تلك البيانات أقل، حسبما قالت المصادر، التي أوضحت أن المنظمين لم يمنعوا صراحة الشركة من طرح أسهمها للاكتتاب العام في الولايات المتحدة، لكنهم شعروا أن "ديدي" متأكدة من استيعاب التعليمات الرسمية.

وعندما سُئل أحد الأشخاص المشاركين في الاجتماعات عن سبب عدم تصرف "ديدي" بناءً على اقتراحات المنظمين، أشار إلى المثل القائل "لا يمكنك إيقاظ شخص يتظاهر بالنوم".

قال أحد المصادر إن هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية نفسها خضعت للتدقيق بسبب الاكتتاب العام الأولي لـ"ديدي"، حيث تساءل أحد كبار مسؤولي الحزب عن سبب عدم قيام الوكالة بحظر اكتتاب الشركة.

قرار مُتسرّع

أعرب بعض المسؤولين التنظيميين في جلسات خاصة عن اعتقادهم بأن "ديدي" ربما تكون قد أسرعت في طرحها العام الأولي قبل أن تكشف الصين النقاب عن قانون جديد لأمن الإنترنت، مما قد يضر بتقييمها، على حد قول أحد الأشخاص. وبعد أيام قليلة من العرض، أعلنت الصين عن قواعد جديدة تتطلب من جميع الشركات التي تسعى للإدراج في الدول الأجنبية تقريباً الخضوع لمراجعة الأمن السيبراني تقوم به لهيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية.

قال فنغ تشوتشنغ، المحلل في شركة "بلينوم" (Plenum) الاستشارية التي تتخذ من بكين مقراً لها: "تريد بكين من قطاع الإنترنت أن يفهم أن الأمن السيبراني وأمن البيانات هما الآن من بين الأولويات العليا للحكومة، ويمكن التضحية بأرباح الشركات الفردية عندما يتعرض الأمن السيبراني وأمن البيانات للمخاطر".

تحاول حكومة شي جين بينغ تحقيق توازن دقيق بين كبح قوة عمالقة التكنولوجيا في الصين دون إلحاق أضرار جسيمة بقطاع مهم عزز النمو الاقتصادي. وكانت الحملة قد بدأت العام الماضي عندما أجبرت بكين شركة "آنت غروب" التابعة لشركة لجاك ما على إلغاء ما كان سيصبح أكبر طرح عام أولي في العالم.

تبع ذلك تحقيقات لمكافحة الاحتكار مع عمالقة بداية من شركة "ميتوان" (Meituan) الرائدة في توصيل الأغذية وصولاً إلى "علي بابا"، التي أسسها أيضاً جاك ما. وقالت بكين إنها تريد منع شركات التكنولوجيا القوية من إساءة استخدام سلطتها وسحق الشركات الناشئة المبتكرة.

أمريكا أم هونغ كونغ؟

بدأت "ديدي" مناقشة خطط الاكتتاب العام مع مصرفييها في "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" و"جي بي مورغان" أواخر العام الماضي، حسبما قال أشخاص لديهم اطلاع مباشر على الأمر. وكانت الشركة تدرس ما إذا كانت ستطرح للاكتتاب العام في هونغ كونغ أو الولايات المتحدة، وكانت تسعى إلى تقييم يصل إلى 100 مليار دولار.

بحلول مارس الماضي، تم الاستقرار على القيام بالطرح في الولايات المتحدة، نظرا لأن قواعد الإدراج هناك كانت أكثر مرونة، وتوقعت الشركة تقييماً أفضل من المستثمرين المطلعين على نظيرتها الأمريكية، "أوبر تكنولوجيز". وشككت بورصة هونغ كونغ في امتثال "ديدي" للوائح الصينية، إذ لم يكن لديها تراخيص للعمل في مدن معينة، وكان العديد من سائقيها يفتقرون إلى نظام تسجيل الأسرة المعروف باسم "هوكو"، في المدن التي يعيشون فيها، وهو جزء من المتطلبات البلدية لتوفير خدمات النقل عند الطلب هناك.

تحولت العملية إلى فوضى غير معتادة في يونيو، حيث قامت "ديدي" ومصرفيوها بتسريع العملية، حسبما قال أشخاص مطلعون بشكل مباشر، بينما كانت الشركة تستعد لتقديم أول ملف عام لها لدى "هيئة الأوراق المالية والبورصات" الأمريكية، ولم يكن المصرفيون التابعون لها متأكدين من موعد وصول المستندات. ووصل الإيداع في النهاية حوالي الساعة 3:45 صباحاً بتوقيت الصين صباح 11 يونيو.

ذكرت المصادر أيضاً أن فريق العلاقات الحكومية في "ديدي" أجرى مناقشات مع هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية والمنظمين، ونقلت الإدارة محتوى تلك المحادثات إلى المصرفيين. وفقاً للمصادر فإن "ديدي" كانت تعلم أن هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية لديها مخاوف بشأن الممارسات المتعلقة ببياناتها الخاصة، لكن المسؤولين التنفيذيين لم يعتقدوا أن الوكالة قد منعتهم من المضي قدماً.

واجه كل من "تشيغ" والرئيس جان ليو والمستثمرين ومصرفييهم خيار توخي الحذر أو المضي قدماً في عرض يملأ خزائن الشركة ويثريهم جميعاً. وفي 28 يونيو أعطوا الضوء الأخضر.

وفقاً لأحد المصادر فإن "ديدي" أبلغت بنوك الاستثمار أنه سُمح لها بإجراء لطرح العام بشرط أن تبقى الشركة بعيدة عن الأضواء، مضيفاً أن الشركة أبلغت مديري السجلات بأنه لن يكون هناك بيان صحفي للإعلان عن الاكتتاب العام، لذا يعد عدم نشر "ديدي" لموظفيها نبأ إدراجها الوشيك في نيويورك حتى اللحظة الأخيرة، علامة بارزة في تاريخ الشركة الشابة. وقال شخص آخر إن الشركة نشرت إعلاناً في منتدى داخلي قرب منتصف ليل 30 يونيو.

وفي يوم الخميس، 1 يوليو، ارتفعت أسهم "ديدي" بنحو 16%، مما يشير إلى طلب قوي من المستثمرين. وبحلول يوم الجمعة، بدأت إدارة "ديدي" في الاسترخاء والاحتفال.

في ذلك المساء، بعد الساعة 7 مساءً بتوقيت الصين، نشرت هيئة مراقبة الفضاء الإلكتروني الصينية إشعاراً على موقعها على الإنترنت يقول إن الوكالة ستبدأ تحقيقاً في قضية "ديدي" لحماية الأمن القومي وحماية المصلحة العامة، وفي وقت لاحق من تلك الليلة، أصدرت "ديدي" بياناً عاماً قالت فيه إنها ستتعاون بشكل كامل مع المراجعة الحكومية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك