يعمل صانعو الرقائق من تايوان إلى الولايات المتحدة على زيادة الإنتاج للتعامل مع النقص الذي أضر بصانعي السيارات والعملاء الآخرين خلال محاولتهم الخروج من وباء فيروس كورونا.
وأدى الاستثمار المفاجئ غير المسبوق إلى إثارة المخاوف من نشاط مبالغ فيه في القطاع، ما سيضيف قدر كبير من الطاقة الإنتاجية في السنوات المقبلة، في الوقت الذي سينحسر فيه الطلب، ما يضر بالأرباح.
وفي أحدث علامة على القلق بشأن الطلب، حذرت شركة "تكساس انسترومنتس" (Texas Instruments Inc)، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع الرقائق، من أن إيرادات الربع الثالث قد لا ترقى إلى مستوى تقديرات بعض المحللين. وتقدر الشركة أن تتراوح المبيعات بين 4.4 مليار دولار و4.76 مليار دولار في الفترة المنتهية في سبتمبر، مقارنة مع توقعات المحللين عند 4.59 مليار دولار، فيما تراجعت أسهمها بحوالي 5% في التداولات المبكرة قبل افتتاح الأسواق الأمريكية.
وأثارت التوقعات الحيرة بشكل خاص، نظرا لأنها جاءت بعد إعلان أكبر شركة لتصنيع المعالجات التناظرية والمدمجة عن زيادة نسبتها 41% في إيرادات الربع الثاني، وهو ما دفع المحللين لإطلاق وابل من الأسئلة حول سبب عدم تفاؤل الشركة، وما إذا كانت تلك تعتبر أولى علامات التباطؤ في القطاع الذي يشتهر بالتقلبات الدورية.
وحذرت إدارة الشركة من أنها لا تستطيع توقع إمكانية بلوغ الطلب ذروته، أو استدامة النمو في ظل المستويات الحالية.
توقعات مُحيرة
قال المدير المالي للشركة رافائيل ليزاردي، في مقابلة: "مهمتنا ليست التنبؤ بالمستقبل، وإنما هي إعداد الشركة لتتعامل مع أي شيء وقد فعلنا ذلك.. قد يجادل البعض بأن الأمر مختلف هذه المرة، لكن هذه مجادلة خطيرة".
ومثل شركات تصنيع الرقائق الأخرى، سجلت "تكساس انسترومنتس" عدة أرباع من النمو المضاعف في الإيرادات بدعم من الطلب على مجموعة متنوعة من الأجهزة التي تحتوي على مكوناتها الإلكترونية الدقيقة. وأدت الزيادة السريعة في الطلب إلى تكهن المحللين والمستثمرين بأن بعض الطلبيات تعكس حالة ذعر في الشراء من قبل العملاء الذين أصبحوا قلقين بشأن عدم تمكنهم من الحصول على ما يكفي من المعروض، لكن مثل هذا السلوك تسبب في انهيارات في الماضي.
وكتب كريس كاسو، المحلل في "رايموند جيمس" (Raymond James) في مذكرة بعد التقرير: "نشرت "تكساس انسترومنتس" تقرير أرباح آخر محير.. ورغم تجاوز الإيرادات خلال الربع التوقعات الاسترشادية بفارق كبير، فإنها قدمت توقعات فاترة للإيرادات دون أن تفسر هذه الرؤية المتحفظة..ومن وجهة نظرنا نعتقد أن الإدارة لا تثق في الاقتصاد الكلي، رغم استمرار ظروف المعروض المحدود في كل من الشركة وقطاع أشباه الموصلات ككل".
وازداد أجل التسليم، الذي يمثل الفجوة بين طلب أشباه الموصلات واستلام الطلبية، إلى 19.3 أسبوع في يونيو، أي أطول بأسبوع ونصف الأسبوع مقارنة بشهر مايو، وفقا لبحث أجرته "سسكويهانا فاينانشال" ( Susquehanna Financial Group). وفي الوقت الحالي أصبحت هذه الفجوة، التي تعد بالفعل أطول فترة انتظار منذ أن بدأت الشركة في تتبع البيانات في عام 2017، أطول بأكثر من خمسة أسابيع من الذروة السابقة المسجلة في 2018.
وقالت شركة "تكساس انسترومنتس" نفسها إن حجم المخزون الداخلي انخفض إلى 111 يوما في الربع، وهو رقم أقل بكثير من الـ 130 إلى 190 يوما، الذي ترغب الشركة في الاحتفاظ به، بينما ازدادت آجال التسليم لعدد متزايد من منتجات الشركة.
ويعمل قطاع الرقائق بأكمله على زيادة الاستثمارات لتلبية الطلب المتزايد، وتعهدت شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية "تي إس إم سي" (TSMC)، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، باستثمار 100 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، بما في ذلك مصنع جديد في الولايات المتحدة. وفي كوريا الجنوبية، ستضخ شركة "سامسونغ إلكترونيكس" و"إس كيه هاينكس" (SK Hynix Inc) استثمارات بقيمة تزيد على 510 تريليون وون (442 مليار دولار) في أبحاث وإنتاج أشباه الموصلات حتى عام 2030 بموجب مخطط وطني وضعته حكومة الرئيس مون جاي إن.
نبوءات مغايرة
وتنبأ مسؤولون تنفيذيون مثل بات غيلسنجر، المدير التنفيذي لشركة "إنتل"، بنمو طويل الأجل لهذا القطاع وبمعدلات أعلى بكثير من المستويات التاريخية. ويجادل هؤلاء بأن الرقائق ستتواجد ببساطة في المزيد من الأجهزة التي لم تكن بحاجة إليها مطلقا، وهو ما سيخفف من بعض حالات الركود التاريخية عندما كان القطاع يزود بشكل أساسي صناعات الكمبيوتر والهاتف.
أشارت شركة "إيه إس إم إل هولدينغ" (ASML Holding NV)، المزودة الرائدة لمعدات تصنيع الرقائق، الأسبوع الجاري، إلي أن الطلبيات على الآلات التي تصنع أشباه الموصلات المتطورة ارتفعت إلى مستوى قياسي مع طلب "TSMC" و"سامسونغ" شراء الآلات رئيسية، ورغم ذلك، فإن هذه المعدات لن تسفر عن رقائق إضافية حتى العام المقبل على أقرب تقدير.
وقال المدير التنفيذي لشركة "إيه إس إم إل"، بيتر وينينك، إن الجهود المستمرة التي يبذلها العديد من الحكومات لزيادة القدرة الإنتاجية للرقائق في موطنها، ستعزز الطلب على معدات أشباه الموصلات. واستهانت الشركة تاريخيا بمدى السرعة التي سينمو بها القطاع في الـ 15 عاما الماضية، فيما قال "وينينك" إنها تعمل على تعزيز التصنيع لمواكبة ذلك.
وقال المدير التنفيذي، سي سي واي، في اجتماع عبر الهاتف لمناقشة الأرباح الأسبوع الماضي، إنه يتوقع أن تظل القدرة الإنتاجية للشركة مضغوطة خلال العام الجاري وحتى 2022.
وهناك علامات على أن النقص آخذ في الانحسار. وتوسطت وزيرة التجارة الأمريكية، جينا ريموندو، العام الجاري، في عقد اجتماعات بين صانعي أشباه الموصلات ومورديهم وعملائهم بما في ذلك شركات صناعة السيارات، وقالت الأسبوع الجاري إن هناك تحسينات وإن شركات مثل "فورد" و"جنرال موتورز " بدأت تحصل على "المزيد مما تحتاجه".