دفعت حاجة المستثمرين للأمان إلى الرهان على استمرار ارتفاع الدولار الأمريكي بشكل أكبر، وسط زيادة حدَّة المخاطرة في الأسواق.
واستمر مؤشر "بلومبرغ" للدولار في بقائه قرب ذروة العام الحالي، التي بلغها في مارس، فقد صعد 2.3% في يونيو، وهو أكبر مكسب شهري للدولار منذ مارس 2020، حينما هزَّ الذعر الوبائي أصول المخاطرة لأوَّل مرة، متفوقاً على الجنيه الإسترليني واليورو، بالإضافة إلى عملتي الملاذ التقليديتين الين الياباني، والفرنك السويسري.
وكان أكثر ما لفت الانتباه في الارتفاع الأخير للدولار هو أنَّ قفزته جاءت بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في يونيو، فقد أظهر مخطط النقاط توقُّعات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في وقت أقرب بكثير مما كان يتوقَّعه السوق، مع ارتفاع نشاط الاقتصاد الأمريكي، وأنَّه من المحتمل أن يحدث ذلك في وقت مبكر من عام 2022.
بعد ذلك، قال رئيس مجلس الإدارة جيروم باول في مؤتمره الصحفي، إنَّ البنك المركزي بدأ الحديث حول الخفض التدريجي للتحفيز. وارتفع مؤشر الدولار بنسبة 1% من 16 إلى 18 يونيو فقط.
اقرأ المزيد: نظام مالي عالمي جديد يهدد الدولار . . ماذا نعرف عنه؟
قال مايكل براون، كبير محللي السوق في شركة "كاكستون إف إكس" (Caxton FX) في لندن، إنَّه يبدو أنَّ الدولار "لديه مجال أكبر للارتفاع"، مضيفاً أنَّ تقلُّبات السوق قد تزيد الطلب.
ومن منظور طويل الأجل، ارتفع الدولار بنسبة 2.5% منذ الأول من يونيو، في تناقض صارخ مع متوسط التراجع الشهري لمؤشر الدولار البالغ 0.3% منذ انهيار السوق العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، زاد المستثمرون من رهاناتهم بأنَّ الدولار سيرتفع خلال ارتفاع السوق، مما يشير على الأرجح إلى أنَّ هذا الزخم قائم على أساسات.
يستمد الدولار قوة بقائه مما يقوله الاحتياطي الفيدرالي، ويفعله اعتباراً من هذه اللحظة. وأعطت كثرة ظهور أعضاء البنك المركزي الشهر الماضي الدولار دفعة، خاصة مع تسارع الحديث عن الخفض التدريجي للتيسير من جانب البنك.
قال فيراج باتيل، كبير المحللين الاستراتيجيين في "فاندا ريسيرش" (Vanda Research): "ما بدأ في البداية كصفقات بيع للدولار ما تزال أمامه أشواط قبل التحول إلى صفقات شراء صريحة للدولار قبل إعلان الاحتياطي الفيدرالي للزيادة التدريجية. سنرى هذا على أنَّه تصديق للإشاعة، وبيع للحدث الحقيقي، مع احتمال بيع الدولار الأمريكي بعد الإشارة بشأن خفض الدعم التدريجي".
الاتجاه المعاكس
في الوقت الحالي، يتحرَّك الدولار في الاتجاه المعاكس لعوائد سندات الخزانة، وقد يشير هذا إلى عودة التداول الذي كان شائعاً في العام الماضي، لكن في الاتجاه المعاكس. في ذلك الوقت، انسحب المستثمرون من الرهانات على ارتفاع العملة في حين ارتفعت العائدات تدريجياً تحسُّباً لإعادة فتح الاقتصاد، لكن في هذه المرة، يشهد الدولار تجدد الفائدة، وانخفاض العوائد.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإنَّ هناك السيناريو الصعودي للدولار في حال رَفَع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، أو أرسل إشارات إلى أنَّه يخطط لذلك؛ مما سيضاف إلى الطلب على العملة الأمريكية مقارنة بالأصول العالمية الأخرى مع قيام المستثمرين الأمريكيين ببيع السندات.
قال "براون" من شركة "كاكستون إف إكس" (Caxton FX): "من المحتمل أن يكون للدولار الأقوى علاقة بإعادة تسعير متشددة لتوقُّعات السياسة النقدية الأمريكية، مع تزيينها بتغطيةِ صفقات البيع، أكثر من أيِّ طلب صريح للملاذ الآمن.. فالملاذ الآمن، برغم ذلك، قد يغري بحدوث المزيد من صفقات الشراء إذا استمرت أعصاب السوق في المحافظة على وضعها".
اقرأ المزيد: لماذا يُعدَّ الدولار أقوى مما يبدو عليه؟
قد ينبع الارتفاع التالي للعملة الأمريكية من البحث عن الأمان في سوق العملات الأجنبية. ويظهر الدليل على ذلك بالفعل في عملات مجموعة العشر.
تتصدَّر الملاذات التقليدية، مثل الفرنك السويسري والين الياباني، ونظيراتها في مجموعة العشر حتى الآن هذا الشهر. ويمكن أن يحذو الدولار حذوها، إذ يرى المحللون المزيد من المكاسب حتى نهاية الصيف مع انتشار سلالة "دلتا" من كوفيد 19 في جميع أنحاء العالم، في إشارة إلى التداول أثناء الوباء في عام 2020، فقد اشترى المستثمرون سندات الخزانة، وأسهم التكنولوجيا، والدولار، مما يوحي بوضع دفاعي.
الأسواق الناشئة
في الوقت نفسه، تواجه دول الأسواق الناشئة التي تتأخَّر في جداول إعادة الانفتاح ومعدلات التطعيم تداعيات الوباء. ومن كوبا إلى جنوب إفريقيا، أدى نقص الغذاء، وانقطاع التيار الكهربائي، وتعثُّر الاقتصادات إلى إعادة نظر المستثمرين في عملات الأسواق الناشئة ذات العوائد المرتفعة. ومنذ منتصف يونيو، انخفض مؤشر "جيه بي مورغان" للعملات في الأسواق الناشئة بنسبة 1%، وكانت التحرُّكات الأخيرة مسؤولة عن حوالي نصف انخفاضه منذ عام حتى تاريخه بعد ارتفاع قوي وسط الحماس المتجدد بعد الإعلان عن لقاح فايزر في نوفمبر.
وقال باتيل من فاندا: "مايزال هناك بعض التحوُّط من التحرُّكات المتشدِّدة المتعلِّقة بالاحتياطي الفيدرالي قبل انعقاد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في سبتمبر. نعتقد أنَّ الدولار الأمريكي هو الملاذ المفضَّل".