اكتشف "البنك المركزي الأوروبي" أن المزيد من التضخم لا يحتاج لأن يصاحبه تحذير صحي.
على الرغم من أهميته في سياق تاريخ "البنك المركزي الأوروبي"، إلا أن هذا التحول يجعل العقيدة تتماشى مع قوى العالم الحقيقي التي تصارع معها المسؤولون منذ بداية اليورو.
رفع هدف التضخم
في ختام أكبر نقد للاستراتيجية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، اتفق صانعو السياسة على رفع هدف التضخم إلى 2% على المدى المتوسط، واعتبار الأخطاء من كلا الجانبين غير مرغوب فيها بنفس القدر.
يمثل القرار خروجاً عن الهدف السابق المتمثل في "أقل من 2% ولكن قريباً من 2%"، والذي شعر بعض المسؤولين أنه كان غامضاً للغاية. تنص الخطوة على زيادة التضخم قليلاً عن الحد الأدنى خلال "فترة انتقالية".
جلبت تغييرات الكتلة المكونة من 19 دولة إلى مكان يشغله "الاحتياطي الفيدرالي" و"بنك اليابان" وغيرهما: الاعتراف بأن وتيرة زيادات الأسعار كانت بطيئة للغاية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وأنه من الجيد الإفراط بعض الشيء في التجاوز.
أولوية للنمو والاستقرار
الفكرة هي أن ذلك يساعد التضخم على الاستقرار في المنطقة المجاورة التي تريدها.
بالنسبة لمعظم البنوك المركزية، هناك رقم "2" في مكان ما من هذا الهدف. ومن خلال المزيد من المرونة، يتمتع المسؤولون نظرياً بحرية أكبر لإذكاء التوسعات أو الاستجابة للانفجارات والكوارث.
في جوهر استجابة "البنك المركزي الأوروبي" لكوفيد-19، كان هناك برنامج شراء سندات بقيمة 1.85 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار) لإبقاء تكاليف الاقتراض عند مستويات منخفضة للغاية.
إن هذا ليس باضطراب. من الناحية العملية، تطور "البنك المركزي الأوروبي" بالفعل لدرجة أن النمو والاستقرار هما الأولوية.
"مهما كان الثمن"
توجه مقولة رئيس "البنك المركزي الأوروبي" السابق، ماريو دراجي، في عام 2012، ألا وهي "مهما كان الثمن"، القرارات اليوم، أكثر بكثير من النفور من التضخم الذي كان سمة مميزة لـ "البنك الاتحادي الألماني"، الذي كان يوماً أقوى مؤسسة نقدية في أوروبا.
(شغل أوتمار إيسينغ، أول كبير الاقتصاديين في "البنك المركزي الأوروبي"، الذي شغل نفس المنصب في "البنك الاتحادي الألماني" وساعد في توجيه المنظمة الجديدة في مهدها). وضعت فلسفة دراجي "البنك المركزي الأوروبي" على الطريق الذي هو عليه اليوم.
إن أصداء "البنك الاتحادي الألماني" وسمعته كحصن للأموال الصعبة أصابت "البنك المركزي الأوروبي" في سنواته الأولى.
أزمات الديون
كتب "دراجي"، رئيس وزراء إيطاليا الحالي، أكثر الفصول أهمية في تاريخ "البنك المركزي الأوروبي". أثارت أزمات الديون المتتالية في وقتٍ مبكر من العقد الثاني لـ"البنك المركزي الأوروبي" احتمال انقسام منطقة اليورو، وهو أمر اعتقد "دراجي" وحلفاؤه أنه سيكون كارثياً، وربما ضربة قاتلة لمشروع التكامل السياسي والتجاري الأوروبي الذي ميز الدبلوماسية منذ الحرب العالمية الثانية.
إن التزام "مهما كان الثمن" مهد الطريق أمام "البنك المركزي الأوروبي" لدعم الديون وبدء التيسير الكمي، وإن كان ذلك بعد سنوات من "بنك الاحتياطي الفيدرالي" و"بنك اليابان".
عندما تقاعد "دراجي" من برنامج التيسير الكمي في عام 2018، أكد على ما لم يكن من الممكن تصوره في السابق: السياسات الفضفاضة للغاية هي أدوات مشروعة.
كريستين لاغارد
إن الإصلاح الشامل يُنظم ما كان بحكم الواقع منذ فترة من الوقت. سعت "لاغارد" إلى إجراء مراجعة الاستراتيجية بعد فترة وجيزة من تعيينها في عام 2019. وباعتبارها المصرفية الوحيدة غير المركزية في منصب قيادة "البنك المركزي الأوروبي"، فهي في وضع جيد لتجاهل الماضي، أو حتى نكرانه.
فهي كرئيسة لـ"صندوق النقد الدولي"، ترأست "لاغارد" مؤسسة مترامية الأطراف تخلت عن مبدأ التقشف.
وبصفتها وزيرة مالية فرنسية سابقة، فهي على دراية تامة بفضائل النمو على حساب كمال التضخم.
سياسة توسعية
يبارك هذا التحول النظرة التوسعية للسياسة، حيث تحاول الاقتصادات إعادة الانفتاح، ويتحرك التضخم من قاعدة منخفضة.
إن ذلك يشتري الوقت لـ"البنك المركزي الأوروبي" لمعرفة ما إذا كانت ضغوط الأسعار مؤقتة أو ما إذا كانت شيئاً أكثر شراً يجب عليه إحباطها عاجلاً.
هذا ليس استهدافاً متوسطاً للتضخم، نتيجة إعادة عمل "البنك الفيدرالي" للشيء ذاته في العام الماضي، لكنه يقود إجراءات السياسة في نفس الاتجاه: انخفاض أكبر لفترة أطول.
لقد تأثر كلا البنكين المركزيين بتجربة فشل التضخم في التسارع كثيراً بعد الأزمة المالية العالمية على الرغم من المعدلات المنخفضة للغاية والمكاسب في التوظيف.
التخلص من إرث الماضي
يجدر التساؤل عما إذا كان صانعو السياسات مسكونين بالماضي، وما إذا كان العقد الماضي دليلاً جيداً لعالم ما بعد الوباء.
على عكس السنوات التي أعقبت الانهيار المالي، أصبحت السياسة المالية العالمية اليوم شاملة، ويتم إطلاق العنان للتحفيز النقدي بشكل أكثر قوة.
قد يعني هذا أن الطفرات في التضخم ليست عابرة وتصبح أكثر ثباتاً. سيكون من المفارقات إذا تم تعديل الغايات والأهداف فقط لتكون ذات استخدام ضئيل.
قال النقاد إن "البنك المركزي الأوروبي" لن يستمر أبداً، لكن اليورو والوصي عليه دائماً ما يتمكنان من متابعة الطريق رغم الصعاب.
و"لاغارد" تعمل حالياً على توجيه "البنك المركزي الأوروبي" بعيداً عن جذوره المتأثرة بـ"البنك الاتحادي الألماني".