اتخذت أستراليا خطوات صغيرة تجاه تقليص جزء من المحفزات التي أطلقتها لمحاربة "كوفيد-19"، ولا عجلة لإنهائها من قِبل البنك الاحتياطي، الذي كان في وقتٍ من الأوقات موضع حسد العالم لترؤسه اقتصاداً بلا ركود لمدة ثلاثة عقود، كما لا تزال زيادات أسعار الفائدة تبعد سنوات.
ومع انهيار الأسواق المالية والاقتصاد العالمي في العام الماضي، طبّق الاحتياطي الأسترالي عدة تدابير مهمة: خفْض أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، ووضْع سقف للعائد على الدَّين الحكومي لأجل ثلاث سنوات، والشروع في برنامج تيسير كمي.
قرارات جديدة
واختار البنك، يوم الثلاثاء الماضي، عدم تمديد إجراءات كبح العائد على السندات المستحقة في نوفمبر 2024. كما عدّل البنك الاحتياطي برنامج التيسير الكمي الخاص به، ووضع مخططاً لإبطاء مشترياته من السندات إلى 4 مليارات دولار أسترالي (3.03 مليار دولار) في الأسبوع، بدءاً من سبتمبر، بدلاً 5 مليارات دولار أسترالي حالياً، موضحاً أنه سيراجع البرنامج في نوفمبر.
وبينما أشاد المحافظ، فيليب لوي، بدور التيسير الكمي في دعم الاقتصاد، قال في بيان إن الاحتياطي الأسترالي "يستجيب لتعافٍ اقتصادي أقوى من المتوقع وتحسن في التوقعات".
الأموال السهلة لا تزال متوفرة
وهذه الخطوات ليست كبيرة، وستظل الأموال فائقة السهولة مكوناً أساسياً في المستقبل المنظور.
وأكد البنك المركزي أن الأحوال الاقتصادية لن تضمن على الأرجح رفع الفائدة قبل عام 2024، وهو العام الذي يلي انتهاء فترة لوي.
ويريد المركزي أن يرى التضخم مستقراً عند هدف يتراوح بين 2% و3% على أساس مستدام، وسيتطلب تحقيق ذلك نمواً أسرع في الأجور.
رفع الفائدة يقترب في دول أخرى
ويتبنى الاحتياطي الأسترالي موقفاً أكثر تساهلاً من نظيره في نيوزيلندا، الذي توقع رفع أسعار الفائدة العام المقبل.
كما أشار المسؤولون في كوريا الجنوبية إلى احتمالية رفع الفائدة في الأشهر المقبلة، ويقترب بنك كندا المركزي من منتصف الطريق بعد خفضه للسندات، وهناك توقعات بأن يتخذ خطوة الرفع الشهر الجاري.
تحول تدريجي
ويشير التحول اللطيف في رسالة الاحتياطي الأسترالي إلى أن حالة الطوارئ الاقتصادية ليست دائمة، حتى في الوقت الذي يصارع فيه القادة السياسيون تفشي فيروس "كوفيد-19"، الذي أغلق بعض المناطق الحضرية.
لكن الناتج المحلي الإجمالي تجاوز بالفعل مستويات ما قبل "كوفيد-19"، وتنمو سوق العمل بقوة كبيرة، والتطعيمات لا تزال مستمرة، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ بكثير من الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
ومن المهم أن نتذكر أن المضيّ قدماً بحذر نحو خروج نهائي هو طريق طويل قبل أن نصل إلى النهاية.
التيسير الكمي سيبقى بعض الوقت
وأحد الأسباب القوية التي تجعل الاحتياطي الأسترالي يتقدم بحذرٍ شديد هو أن المسؤولين كانوا قلقين بشأن تباطؤ الاقتصاد في الفترة التي سبقت الوباء.
ورغم أن إجراءات الطوارئ وُلدت في عصر "كوفيد-19"، فقد كان البنك فعلياً في طريقه إلى ما كان يُعتبر سابقاً سياسة غير تقليدية.
وبعد سنوات من عدم القيام بأي شيء، خفض الاحتياطي الأسترالي أسعار الفائدة نحو الصفر في عام 2019، وبدأ المسؤولون في دراسة تنفيذ التدابير السياسية الاستثنائية مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
كأداة نقدية مشروعة للبنوك المركزية العالمية، سيظل التيسير الكمي موجوداً لفترة من الوقت، وهذا أحد الدروس التي يمكن أن يقدمها الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي من الأزمات السابقة.
وأصبح حالياً رفع أسعار الفائدة في المكسيك والبرازيل وروسيا أكثر إثارة للدهشة من أي إجراءات غير اعتيادية تستخدمها البنوك المركزية، لكن تلك الخطوات هي أمثلة شاذة.
تضخم مؤقت
مثل الفيدرالي، يعتقد الاحتياطي الأسترالي أن الطفرات الأخيرة في الأسعار مؤقتة إلى حد كبير، ويُرجح أن يكون الانتعاش في التضخم الأساسي متواضعاً.
وقضى لوي كثيراً من الوقت في السنوات القليلة الماضية قلقاً، مثل نظرائه في جميع أنحاء العالم، من أن الأسعار لا ترتفع بالسرعة الكافية.
وهي أحوال بعيدة كل البعد عن عام 1980، عندما بدأ العمل في البنك في أواخر سن المراهقة بعد فوزه بمنحة كانت تُكسبه راتباً في أثناء دراسته للحصول على درجة في الاقتصاد، وحينها كانت الأسواق تصارع تضخماً مرتفعاً حقاً، وكان رفع الفائدة لمواجهة هذه الآفة هو علاج العصر، وتمكنت البنوك المركزية من سحق التضخم، وكثيراً ما انتهى بها الأمر بقمع النمو في أثناء هذه العملية.
وتتمثل المهمة الحالية في السير على خط دقيق: التأكد من أن التضخم يرتفع، ولكن ليس كثيراً، وتقليص التيسير دون تشديد، وقد يؤدي الخروج المعتدل إلى إعادة هذا الاقتصاد إلى مسار النمو الخيالي المشهود سابقاً.