أثار تعثر مفاوضات "أوبك+" الاثنين الماضي مخاوف نقص المعروض، وتسبب في رفع أسعار النفط، فيما بدأ المديرون التنفيذيون في قطاع النفط الصخري إجراء اتصالات مكثفة.
ولم يأمر المديرون طواقمهم بالحفر واستخراج المزيد من النفط، كما لم يخططوا لعودة خارقة لإنتاج الخام الأمريكي، وإنما كانوا يؤمّنون أدوات تحوط ويثبتون أسعار النفط الذي يخططون لإنتاجه العام المقبل ويحمون أنفسهم من تراجع محتمل في السوق، وفقا لما قاله أشخاص مطلعون على التداولات طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
يعد التحوط هو الشيء الوحيد المؤكد حتى الآن بشأن استجابة قطاع النفط الصخري لأزمة "أوبك+"، وأثار فشل المجموعة في التوصل إلى اتفاق في عدة اجتماعات منذ الأسبوع الماضي التساؤلات عمّا إذا كانت شركات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة ستعود لاستغلال اللحظة الحالية من أجل استرداد حصتها في السوق. ومن ناحية أخرى، يخشى البعض من أن الخلاف بين المجموعة قد يؤدي إلى حرب أسعار من شأنها أن تغرق السوق بالنفط الخام.
اختبار عزيمة
من المؤكد أن هذا هو أكبر اختبار حتى الآن لعزيمة قطاع النفط الصخري على التصرف بانضباط والتركيز على أرباح المستثمرين في تناقض مع هوسهم بالنمو، وسواء سينجح القطاع في الحفاظ على مساره أو سيعيد مئات الحفارات المعطلة إلى العمل فإن الأمر يخضع لقدر كبير من الجدل.
وقالت شيرين لكاني، كبيرة محللي النفط في "رابيدان إنرجي" إن منتجي النفط الصخري المدرجين في البورصة "لا يزالون يركزون على الانضباط الرأسمالي ويرفعون أرباح المستثمرين ويحافظون على تدفقات نقدية حرة إيجابية"، ووصف بول سانكي، محلل الطاقة، القطاع بأنه حاليا مثل "مدمن الكحول الذي يقف في حانة ممتلئة بالكامل".
وقال مدير "باترسون-يو تي آي انرجي"، ثاني أكبر مالكة للحفارات في قطاع النفط الصخري، في مقابلة الثلاثاء الماضي، إنه يؤمن أن شركات الحفر الصخري قادرة على فعل الأمرين - رفع الإنتاج استجابة لأسعار النفط المرتفعة والحفاظ على تعهدها للمستثمرين بضبط الإنفاق.
انتظار مرور العاصفة
وفي الوقت الحالي، يبدو من الواضح أن المنتجين الأمريكيين لم يظهروا بعد أي علامات ذات معنى على العودة إلى النمو في الرقع الصخرية من تكساس إلى "نورث داكوتا"، ومن الممكن أن يكون القطاع في انتظار مرور عاصفة "أوبك+" ليرى عما ستسفر ثم يستطلع معنويات المستثمرين قبل اتخاذ قرار بشأن الخطوة المقبلة.
يقول أندي هندريكس، المدير التنفيذي لـ"باترسون" إن المستكشفين الأمريكيين قالوا إنهم سيواصلون الحفاظ على الانضباط المالي، وأعتقد أنهم سيفعلون وأؤمن أنهم بحاجة لذلك، وأضاف أن موقف المستثمرين هو ما يمكن أن يتغير فعليا، وقال: "في ظل تداول النفط عند 73 دولارا للبرميل، سيقولون لمَ لا نحفر أكثر قليلا؟ دعونا ننتج أكثر قليلا".
وحتى يحدث ذلك، فإنهم يتحوطون، حيث ارتفعت عقود الخيارات المفتوحة في بورصة نيويورك للعقود الآجلة للنفط بحدة خلال الأسبوع الماضي، بالتزامن على الأغلب مع المكاسب في أسعار الخام الأمريكي، ويرجع ذلك جزئيا إلى اتخاذ شركات الحفر الصخري مراكز جديدة كوسيلة للتحوط أو حماية ميزانيات الإنفاق في حال هبوط الأسعار في الأشهر المقبلة.
رغبة المساهمين
ظهرت حالة عدم اليقين التي ضربت السوق بالتقلبات السعرية، عقب الجمود الذي أصاب "أوبك+" خلال آخر جلستين.
وفي نيويورك، تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط، التي سجلت أعلى مستوياتها منذ 2014 لفترة وجيزة يوم الثلاثاء الماضي، وكانت دون 77 دولارا للبرميل بمقدار 2 سنت فقط، ثم انخفضت في وقت لاحق من اليوم إلى أقل من 73 دولارا، وفي لندن، انخفض خام برنت إلى ما دون 75 دولارا للبرميل بعد أن تجاوز 77 دولارا للمرة الأولى منذ 2018 يوم الاثنين الماضي.
يقول راؤول ليبلانك، المحلل في "آي إتش إس ماركيت"، إن منتجي النفط الصخري يحتاجون على الأرجح سعرا مستداما عند حوالي 85 دولارا للبرميل ليتمكنوا من زيادة الإنتاج بنسبة تتراوح من 8% إلى 10% سنويا ويكافئون المستثمرين بقدر مناسب أيضا.
وقال: "يمكن للقطاع الأمريكي فعليا النمو بوتيرة أسرع من أي وقت مضى دون الكثير من المشاكل، لكن الأمر هو أنهم قرروا عدم فعل ذلك نزولا على رغبة المساهمين.. لكن إغراءات إعادة إطلاق الإنتاج تزداد قوة بطريقة ستؤثر بشدة على التوازن العالمي".
ثبات خطط 2021
في الغالب فإن المنتجين الأمريكيين لن يغيروا خطط الحفر في 2021، والتي نقشوها على الصخر بعد قضاء شهور في طمأنة المستثمرين بأنهم لن يتجاوزوا مخصصات الإنفاق في الموازنات على عكس أغلب طفرات الإنفاق الممولة بالدين العقد الماضي.
ولا يكشف أغلب المنتجين موازنات الحفر قبل الربع الرابع أو الربع الأول من العام التالي، لذا فإن أمامهم فرصة للتكيف مع فترة الأسعار الأعلى.
زيادة الإنفاق
يتوقع دانيال يرغن، المؤرخ النفطي ونائب رئيس "آي إتش إس ماركيت"، أن يضيف النفط الصخري حوالي 200 ألف برميل يوميا إلى الإنتاج الأمريكي العام الجاري، و400 ألف العام المقبل إذا ظلت الأسعار فوق 65 دولارا للبرميل.
وإذا استقرت الأسعار عند 75 دولارا للبرميل، فقد ترفع أغلب شركات النفط الأمريكية الإنفاق بنسبة 30%، وفي نفس الوقت تحافظ على التزامها بمعدلات إعادة الاستثمار الرأسمالي المنخفضة التي تعهدت بها للمستثمرين، وفقا لأرتم أبراموف من "ريستاد إنرجي".
قال "إبراموف" إن الزيادة في الإنفاق "يمكن أن تتحقق من خلال معدل إعادة استثمار منخفض يبلغ حوالي 50% من التدفقات النقدية، وأوضح أن المنتجين الكبار مثل "إي أو جي ريسورسيز"، و"ديفون انرجي"، و"بايونير ناتشورال ريسيورسيز " يمكن أن يحققوا معدلا "أقل بكثير" من ذلك.
تدرك "أوبك" وحلفاؤها قوة إنتاج النفط الصخري الأمريكي حتى في الوقت الذي يتعهدون فيه بعدم إغراق الأسواق العالمية، وأضافت الولايات المتحدة 7.1 مليون برميل يوميا بين عامي 2011 و2019، أي ما يعادل تقريبا الإنتاج الحالي للإمارات والكويت وإيران مجتمعين.