أكَّدت شركة "ألفاريز آند مارسال" المتخصصة في استشارات إعادة الهيكلة، اليوم الخميس، أنَّها انسحبت من عملية التدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي، لأنَّها لم تتلقَ المعلومات المطلوبة لتنفيذ مهمتها، مما يُبدِّد آمال لبنان في الحصول على دعم المجتمع الدولي، ولاسيما من صندوق النقد الدولي الذي اشترط التدقيق لاستكمال المفاوضات مع الحكومة اللبنانية حول الإصلاحات اللازمة للحصول على برنامج قرض من الصندوق.
أموال المانحين
ويدقُّ هذا الانسحاب مسماراً إضافياً في نعش حصول لبنان على أموالٍ، تقدَّر قيمتها بأكثر من 11 مليار دولار، مقرَّرةً من المانحين خلال مؤتمر "سيدر"، الذي عُقِد بفرنسا في أبريل 2019.
وقالت الشركة الاستشارية: "نظراً لعدم كفاية توفير المعلومات، فإنَّ الشركة غير قادرة على استكمال مراجعتها، وقد أخطرت وزارة المالية اللبنانية رسمياً بقرارها إنهاء العقد".
وكانت مصادر الشركة قد سرَّبت في وقت سابق، أنها لم تحصل إلَّا على 42% من المعلومات المطلوبة. في حين صرَّح "غازي وزني"، وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، قبل أسبوع عن توجُّه الشركة الفرنسية للانسحاب.
خطوات تشريعية ضرورية
وتتجه الأنظار إلى مجلس النواب اللبناني الذي سيجتمع غداً الجمعة لمناقشة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية "ميشال عون" للمجلس، وحثَّه فيها على اتخاذ الخطوات التشريعية اللازمة للتدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان، لتكون خطوةً يُؤمَل أن تؤدي إلى إمكان إحياء الحوار مع "الفاريز ومارسال" للعودة عن قرار انسحابها، أو التعاقد مع شركة أخرى للمهمة نفسها.
وشدَّدت رسالة "عون" إلى مجلس النواب على أنَّه يجب التعاون مع السلطة الإجرائية لتمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وأن ينسحب هذا التدقيق على سائر مرافق الدولة العامة، كي لا يصبح لبنان في عداد الدول الفاشلة في نظر المجتمع الدولي.
وعدَّ أنَّ ما حصل يشكل انتكاسة خطيرة لمنطق الدولة، ومصالح الشعب اللبناني، لاسيما أنَّ التدقيق المحاسبي الجنائي من مستلزمات تفاوض الدولة مع صندوق النقد الدولي.
السِّرية المصرفية
ويعود السبب الرئيسي لانسحاب "ألفاريز ومارسال" إلى تمنُّع مصرف لبنان عن تسليمها المستندات المطلوبة لأداء مهمتها، متذرِّعاً بالسرية المصرفية، وقانون النقد والتسليف، الذي يُعطيه صلاحيات واسعة جداً كسلطة مستقلة.
وتعزو مصادر قريبة من مصرف لبنان، سبب امتناعه عن التجاوب مع "مارسال"، إلى أنه يستند إلى المادتين 151 و41 من قانون النقد والتسليف، وقانون السِّرية المصرفية التي تمنع تسليم طرف ثالث غير صاحب الشأن، أي الدولة اللبنانية، مستندات حساباتها وتفاصيلها.
ولا تُبدي الغالبية العُظمى من الشعب اللبناني تفاؤلها بإمكانية قيام مجلس النواب بتعديل كلٍّ من قانون النقد والتسليف، والسِّرية المصرفية، بما يتيح للتدقيق الجنائي في حسابات الدولة اللبنانية أن يأخذ مساره الصحيح، وذلك بسبب تقاطع المصالح بين الطبقة السياسية الحاكمة، والسلطات المالية والنقدية.
الانهيار بالأرقام
تعرَّض الاقتصاد اللبناني لضربات متتالية تمثَّلت بانهيار العملة الوطنية، وامتناع البنوك عن دفع الودائع بالدولار للعملاء، وتداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن الانفجار الهائل الذي هزَّ مرفأ بيروت.
· يتوقَّع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد اللبناني انكماشاً بنسبة 25% للعام 2020
· بلغ حجم الدَّين العام اللبناني رسمياً نحو 95 مليار دولار، من ضمنه 32 مليار دولار سندات دين دولية
· وصلت نسبة الدَّين العام إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى 170%
· لأول مرة في تاريخه، تخلَّف لبنان عن سداد ديونه، عندما قرَّرت الحكومة في مارس الماضي عدم دفع 1.2 مليار دولار من السندات الدولية المستحقة
· سجل ميزان المدفوعات عجزاً قياسيَّاً جديداً بنحو 10 مليارات دولار حتى نهاية الفصل الثالث من العام الحالي
· انخفضت قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوى في تاريخها، فقد وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 9000 ليرة، مقابل 1500 ليرة في أكتوبر 2019
· تراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية بنسبة 33% منذ أكتوبر 2019، إذ خسر 12.5 مليار دولار، ليصل إلى 25.4 مليار دولار حاليَّاً.