ارتفعت أسعار المستهلك التي يدفعها سكان المدن في الولايات المتحدة بأكثر من 7٪ خلال الشهر الماضي، وأكثر من 9٪ في شهر أبريل الماضي على أساس سنوي.
وإذا استمر هذا الارتفاع على مدار بقية العام، سيكون ذلك أعلى معدل تضخم تشهده الولايات المتحدة منذ الثمانينيات.
لكن لا تخف، فكما يقول بعض المستثمرين ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن سوق السندات لا تشعر بالقلق.
انخفاض العائدات
وانخفضت العائدات خلال الأسبوع الماضي، وظلت منخفضة مقارنة بالمستويات التاريخية، حتى بعد الارتفاع على خلفية الخطاب الذي ألقاه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، يوم الأربعاء الماضي.
وإذا لم تكن الأسواق قلقة، فربما لا ينبغي علينا أن نشعر بالقلق كذلك.
لكن هناك أسباب تدعو للقلق بشأن ارتفاع الأسعار، وسوق السندات لا ينبغي أن تكون المصدر الذي تعتمد عليه للشعور بالإطمئنان هي الأخرى.
من الناحية النظرية، تعتبر السندات مقياساً للتضخم المستقبلي. وإذا كان التضخم مرتفعاً خلال السنوات العشر القادمة؛ سيؤدي ذلك إلى انخفاض العائد على السندات لأجل 10 سنوات.
لذلك يريد المستثمرون أن يتم تعويضهم عن المستوى الذي يعتقدوا أن التضخم سيصل له، أو عن المخاطر التي تحدث عندما تكون التوقعات غير مؤكدة.
فإذا زادت التوقعات أو مخاطر التضخم؛ يجب أن تزداد عوائد السندات، ولكن العكس هو ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وهذا يعني أحد أمرين: إما أن التضخم سيصل إلى نسبة معتدلة، أو أن أسعار السندات لا تعكس مخاطر التضخم بدقة.
وتاريخياً، لم تكن عائدات السندات جيدة جداً في التنبؤ بالتضخم.
السندات ليست مقياساً لتوقعات التضخم
فخلال السنوات السبعين الماضية، نادراً ما ارتفعت عائدات السندات قبل التضخم، ولم تصعد إلا بعد أن توغل التضخم في السوق. وأشارت إحدى الدراسات إلى أن اتجاهات التضخم السابقة كانت مؤشراً أفضل لتوقع معدلات السندات، مما كان عليه التضخم في المستقبل.
لكن هل يعني هذا أن متداولي السندات مخطئون؟.. ليس بالضرورة. فقد يعكس ذلك فقط أن التضخم لا يمكن التنبؤ به، وأن متداولي السندات لا يعرفون أي شيء عن المستقبل أكثر مما نعرف نحن.
فكل ما لديهم هو البيانات السابقة والأسعار الحالية، ممن يعتمدون عليهما لاستنتاج توقعاتهم أيضاً. لذلك عندما يرتفع التضخم فجأة -كما حدث في الماضي- يتفاجأ متداولو السندات مثل أي شخص آخر به.
بل إن أسواق السندات أصبحت أقل قدرة على التنبؤ حالياً.
زيادة في شراء السندات
فحتى لو كان متداولو السندات يتمتعون بقدرة سحرية على التنبؤ بالمستقبل بالفعل، إلا أنهم لا يستطيعون تحديد أسعار السندات بالكامل.
وفي الربع الأول من عام 2021، شكلت الميزانية العمومية الموسعة للاحتياطي الفيدرالي أكثر من 70٪ من النمو في الدين الحكومي المستحق.
وتشتري العديد من المؤسسات المالية أيضاً الكثير من السندات، حيث استحوذت مؤسسات الإيداع وشركات التأمين على حوالي 8٪ من سندات الخزانة الجديدة، التي تم شراؤها العام الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن السندات الحكومية تعتبر أصولاً منخفضة المخاطر، ويجب الاحتفاظ بها لأسباب تنظيمية.
سوق آسرة
وخلال عام 2020، استحوذ الاحتياطي الفيدرالي والحكومة والبنوك وشركات التأمين على أكثر من 64٪ من الدين الحكومي الجديد.
وتشتري صناديق التقاعد أيضاً السندات، بغض النظر عن توقعات التضخم لديها، وذلك للتحوط وتأمين التزاماتها.
ليس ذلك فحسب، فقد تم إصدار عدد أقل من السندات في الربع الأول من عام 2021، مقارنة بالربع الأخير من عام 2020.
باختصار، امتلكت سندات الخزانة الأمريكية سوقاً آسرة وكبيرة بسبب سياسة الحكومة، ثم تم وقف المعروض منها. وهذا وحده يمكن أن يخفض عائدات السندات، ويغمر أي مخاوف من التضخم موجودة لدى المضاربين على السندات.
التضخم قد يستمر
في غضون ذلك، ينبغي أن يكون تراجع العائدات مصدر قلق. وقد يكون الانتعاش الحالي في التضخم مؤقتاً بالفعل، ويرتبط بالخروج المتدرج الحتمي من حالة الخمول الاقتصادي، الذي تسبب في اختلال التوازن بين العرض والطلب.
لكن من المحتمل أن تكون التأثيرات طويلة الأمد، وأن التضخم قد عاد بعد ما يقرب من 40 عاماً من التراجع.
حتى التضخم المؤقت يمكن أن يصبح دائماً إذا تسبب في تغيير التوقعات طويلة الأجل. أو ربما يدخل العالم حقبة تتراجع فيها معدلات التداول، مما يعني ظهور سلعاً باهظة الثمن.
أيضاً، فحقيقة أن الحكومة هي مشترٍ كبير للسندات تعتبر مصدر خطر كذلك. فالسياسة يمكن أن تتغير، وقد يقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي تضييق الخناق على التضخم إذا توغل في السوق.
وإذا كان الأمر كذلك، فسيتسبب ذلك في توقف الاحتياطي الفيدرالي عن شراء السندات، ويبدأ في بيعها بدلاً من ذلك. وهذا لا يهدد بإيقاف مسيرة الانتعاش الاقتصادي فحسب، لكن يهدد أيضاً بالتسبب في اضطرابات هائلة بسوق السندات، إذا خسرت هذه السوق مشترياً ضخماً للديون.
العوائد ستظل منخفضة
واعتمدت حكومة الولايات المتحدة تاريخياً على بيع الأصول الخالية من المخاطر للعالم، وهو ما يعني أنه بغض النظر عما فعلته (حتى لو قامت بتسييل الديون)، فإن العوائد ستنخفض مع استمرار المشترين الأجانب في شراء السندات الأمريكية.
وفي السنوات القليلة الماضية، تضاءلت شهيتة المستثمرين الأجانب، رغم أنهم لا يزالون مصدر حساس اقتصادياً كذلك.
فحتى مع شرائهم لعدد أقل من السندات حالياً، لا يزال المشترون الأجانب يمتلكون حوالي 25٪ من الديون المستحقة. وإذا شعروا بالتوتر، يمكنهم بيع السندات أيضاً، وإضافة المزيد من الاضطرابات إلى السوق.
ختاماً، يمكن القول إنه لا يوجد أحد قادر على التنبؤ بالمستقبل، حتى مشترو السندات أنفسهم. وكل ما لدينا هو بيانات من أسعار السوق السابقة والحالية، التي تتيح لنا فهم الأشياء. وكلاهما يشير إلى أن أسعار الفائدة والعوائد ستبقى منخفضة.
لكن هناك بعض المصادر المهمة التي تشكل خطورة في المستقبل، وأسباب للاعتقاد بأن هذه المرة قد تكون مختلفة. لذا، يجب ألا تقنع البيانات الحالية المستثمرين بالتخلي عن حذرهم.