امتدت إعادة تسعير سندات الخزانة الأمريكية بقوة إلى أرجاء العالم، خلال الأسبوع الحالي، مع انخفاض تكاليف الاقتراض طويل الأمد من ألمانيا إلى بريطانيا، حيث يتطلع المتداولون إلى البنوك المركزية لتهدئة المخاوف بشأن ارتفاع التضخم.
تقلصت علاوة العائد على السندات الألمانية لأجل 30 عاما، مقارنة بالسندات لأجل خمس سنوات، إلى أدنى مستوى منذ مارس يوم الجمعة، بينما انخفض مقياس مماثل في بريطانيا إلى المستويات المسجلة آخر مرة في يناير.
يأتي ذلك في أعقاب انخفاض عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل الخميس الماضي، مما تسبب في أكبر تسطيح للمنحنى لمدة يومين منذ مارس 2020.
وجاءت هذه التحركات بعد أن أشار مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء الماضي إلى أنهم قد يشددون السياسة النقدية في وقت أقرب مما كان متوقعا، مما يعزز جاذبية الديون طويلة الأجل، والتي تحملت العبء الأكبر من بيع السندات منذ بداية 2021، وسط مخاوف من أن التضخم قد يرتفع أو يُصبح غير خاضع للسيطرة.
وفي الوقت الذي يبدو فيه معظم البنوك المركزية الكبرى متأخرة نسبيا في توضيح موقف إزاء حزم التحفيز التي تم إطلاقها أثناء الوباء، تميل التحولات القوية في أكبر سوق عالمي للديون إلى إحداث تأثيرات على مستوى العالم.
غطاء للتشديد
قال أنطوان بوفيت كبير استراتيجي تداولات أسعار الفائدة الأوروبية في "أي إن جي غروب" :"كل هذا يتفق مع رؤية الأسواق، أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد وفّر غطاء للبنوك المركزية الأخرى للتشديد النقدي، أي رفع أسعار الفائدة، في وقت مبكر".
أضاف "أود القول إننا ما زلنا على الطريق لتحقيق أول رفع لأسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا المركزي في أوائل عام 2023. من المحتمل أن تكون نبرة بنك الاحتياطي الفيدرالي قد عززت قناعة السوق".
انخفض العائد على السندات الألمانية لأجل 30 عاما بمقدار 2 نقطة أساس يوم الجمعة الماضي، لليوم الثالث إلى 0.27%، ما دفع الفارق على السندات لأجل خمس سنوات للانخفاض إلى 86 نقطة أساس.
كما انخفض العائد على سندات الخزانة البريطانية المكافئة ثلاث نقاط أساس، كأكبر تراجع خلال أكثر من أسبوع، مما دفع الفارق على سندات الخزانة البريطانية لأجل خمس سنوات إلى 84 نقطة أساس.
وغذى ذلك التوجه أسواق الأسهم في المنطقة، حيث انخفضت أسهم البنوك على مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي بنسبة 1.1%، بينما انخفضت أسهم شركات التأمين بنسبة 1%.
مصداقية الفيدرالي
يأتي انخفاض عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل في الولايات المتحدة بعد أن أشارت التوقعات الجديدة الصادرة الأربعاء الماضي من قبل مسؤولي البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة مرتين بحلول نهاية عام 2023، وهو التحول الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السوق لآجال الاستحقاق الأقصر، وفرض قيودا بالنسبة لتوقعات التضخم على المدى الطويل.
قال جورج جونكالفيس، كبير استراتيجي الاقتصادات الكلية في "إم يو إف جي سيكوريتيز أمريكا" (MUFG Securities Americas) :"إن مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي كمكافح للتضخم أعطت الضوء الأخضر لأولئك القلقين بشأن الشراء لفترات طويلة كاستثمار لموازنة المراكز الأخرى الأكثر خطورة في محافظهم".
يبدو أن التسطيح المفاجئ لمنحنى العائد ينبع أيضا من تعرض بعض المتداولين للتسلل بعد أن اتخذوا مركزا سابقا للهبوط، وفقا لـتوم دي جالوما، المدير الإداري للتداول الحكومي والاستراتيجية في "سيبورت غلوبال" (Seaport Global).
وتخلى بعض استراتيجيي "وول ستريت" عن التوصيات السابقة بشأن المراهنة على انحدار المنحنى. وبعد إطلاق الرسالة المتشددة الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع السياسة النقدية لشهر يونيو، عانت صفقات الانكماش من "نكسة كبيرة" ، كما كتبت بريا ميسرا من " تي دي سيكوريتيز" ( TD Securities) في مذكرة مع زملائها.
وأوصى المحللون في " تي دي سيكوريتيز" بالتخارج من سندات الخزانة لأجل 5 سنوات، مقابل السندات لأجل 30 عاما ذات العائد الأكثر انحدارا. كما أوصى استراتيجيو "مورغان ستانلي" بالتخارج من نفس الصفقات، على الرغم من استمرارهم في الدعوة إلى تخفيض أسعار التعادل لمدة 10 سنوات.
إغلاق المراكز
في المقابل، أوصى الاستراتيجيون في "اتش اس بي سي" بإغلاق المراكز طويلة الأجل في سندات الخزانة لمدة 30 عاما بعد أن وصل التداول إلى هدف البنك. بدلا من ذلك، يجب على المستثمرين شراء الأوراق المالية لأجل 5 سنوات، والتي شهدت ارتفاعا في العائدات.
قال جون رايث، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة في بريطانيا وأوروبا في "يو بي إس" لتلفزيون "بلومبرغ" في إشارة إلى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي: "إنهم يقولون بالأساس، إننا نراقب التضخم بعناية أكثر مما كان يُعتقد ". وأضاف: "لقد استوعب السوق المعلومات الجديدة بسرعة كبيرة، لذا من الواضح أن ذلك يعتمد على كيفية تطور النمو والتضخم اعتبارا من الآن. إذا تحرك بما يتماشى مع توقعات الاحتياطي الفيدرالي، أعتقد أن السوق الآن ذات أسعار جيدة جدا".
يتطلع المتعاملون في أسواق النقد حاليا إلى الربع الأخير من عام 2022، حيث يُرجح أن ينفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي أول زيادة لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية ( 0.25%).
دفع التحول المتشدد بشكل مفاجئ لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء الاقتصاديين في بنك "باركليز" إلى توقع أن البنك المركزي سيعلن رسميا عن تقليص برنامج شراء الأصول – تمهيدا لرفع أسعار الفائدة فعليا - في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، مع بدء التقليص الفعلي لشراء السندات في نوفمبر.
كان "باركليز" قد توقع في وقت سابق أن يعلن الفيدرالي تقليص البرنامج في نوفمبر، ويبدأ التنفيذ في يناير لتغيير برنامج شراء السندات، البالغ قيمته حاليا حوالي 120 مليار دولار من الأوراق المالية شهريا.
وينبغي أن تكون الحصيلة الصافية لما أعلنه بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء كافية "لإمالة منحنيات العائد متوسطة الأجل، في مقابل منحنيات العائد الأطول أجلا نحو التسطيح، وفق بيانات أفضل مما كان متوقعا"، كما كتب برافين كوراباتي، كبير الاستراتيجيين لدى "غولدمان ساكس" في مذكرة مع زملائه.