تسير "إس كيه تيليكوم كو"، أكبر شركة للاتصالات المحمولة في كوريا الجنوبية، على خطى "سوفت بنك غروب"، من خلال التخلّي عن صورتها الرصينة وأداء دور أكثر ديناميكية كمستثمر في الشركات الناشئة بقطاع التكنولوجيا.
وبميزانية قدرها 5 مليارات دولار مخصصة لعمليات الاستحواذ على مدار السنوات الثلاث المقبلة، تسعى الشركة للاستحواذ على شركة مثل عملاقة التجارة الإلكترونية الكورية "كوبانغ" (Coupang Inc)، التي غذّى طرحها العامّ الأول الكبير الأرباح القياسية لـ"سوفت بنك" في الربع الأخير.
وستجمع الشركة نحو مليارَي دولار عبر عائدات الاكتتابات العامة الأولية التي خططت لها خمس شركات تابعة لـ "إس كيه تيليكوم"، ومن المحتمَل أن يُدرَج بعضها كشهادات إيداع أمريكية في نيويورك، وفقاً لتصريحات كبير المسؤولين التنفيذيين في الشركة.
قال نائب الرئيس التنفيذي هوه سيوك-جوو، في أول مقابلة للشركة بعد الإعلان عن تقسيمها: "مصلحتنا بسيطة للغاية، فنحن نريد أن يرتفع سعر سهمنا. إنه يشبه إلى حد كبير الشركات المدرجة في بورصة (ناسداك)، وقد فعلنا كل ما في وسعنا لتحسين القيمة للمساهمين".
تأتي تلك التحركات كجزء من تحوُّل جذري جارٍ في ثالث أكبر تكتُّل عائلي كبير، المعروف باسم الـ"تشيابول" في كوريا الجنوبية، وتسيطر على اقتصاد البلاد. كما أدى القلق بشأن حوكمة الشركات التي قد تصبّ في مصالح الأسر المؤسسة على حساب تلك الخاصة بالمساهمين في عمالقة من أمثال "سامسونغ إليكترونيكس" و"هيونداي موتور"، إلى تداول أسهمها جميعاً بـ"خصم كوري" دائم مقارنة بنظرائها الدوليين.
في الوقت ذاته اتخذ مجلس إدارة "إس كيه تيليكوم" مجموعة من الإصلاحات شملت قراراً في الأسبوع الماضي بشأن تقسيم الشركة، البالغة من العمر 37 عاماً، إلى شركتين منفصلتين. وستركّز أعمال الهاتف المحمول والاتصالات التقليدية على التدفقات النقدية الثابتة وتوزيعات الأرباح، فيما ستتخصّص الشركة المعروفة مبدئياً باسم "إس كيه تي إنفيستمنت"، في الاستثمار والنمو والاكتتابات العامة.
سيُعاد إدراج كلا السهمين في شهر نوفمبر بعد توقف دام شهراً لانتظار موافقة المساهمين الأفراد المؤثرين، فيما تتضمن الخطة أيضاً تقسيم الأسهم بنسبة 1-5، لكي تصبح في متناول المستثمرين الأفراد المؤثّرين في كوريا الجنوبية، الذين يمثّلون نحو ثلاثة أرباع حجم التداول اليومي.
تُعتبر الخطوة أيضاً الأحدث في سلسلة من الإجراءات التي أعلنتها مؤخراً "إس كيه تيليكوم، لتعزيز عوائد المساهمين، بما في ذلك تقديم توزيعات أرباح ربع سنوية وإلغاء جميع أسهم الخزانة تقريباً.
قال هوه: "ما زال المستثمرون الأفراد يرون ملكية أسهم الاتصالات مملة، ونحن نعمل جدياً لتغيير ذلك. تتشابه الشركة الجديدة مع منصات (كاكاو) (Kakao) و(نافير) (Naver)".
وبعد اكتمال الانقسام تهدف "إس كيه تيليكوم" إلى زيادة صافي قيمة أصولها بنسبة 30% سنوياً من 26 تريليون وون هذا العام إلى 75 تريليون وون (67 مليار دولار) عام 2025، عبر الاستثمار والإنفاق الكبير.
ارتفاع الأسهم
رحّب المستثمرون بتحوُّل "إس كيه تيليكوم"، بخاصة المؤسسات الأجنبية التي أضافت صافي 1.5 تريليون وون من أسهم الشركة هذا العام، أي أكثر من أي سهم كوري آخر، وفقاً لبيانات البورصة الكورية. وارتفعت الأسهم بنسبة 38% حتى الآن خلال هذا العام، وبلغت ذروتها عند أعلى مستوى في نحو عقدين يوم الجمعة الماضي، مقارنة بمكاسب مؤشر "كوسبي" عند نسبة 14% في عام 2021. ولم يتغير السهم كثيراً يوم الخميس بعد الارتفاع السابق بنسبة 1.1%، فيما انخفض مؤشر الأسهم بنسبة 0.5%.
وما زال السهم يقلّ بنحو 30% عن ذروته في عام 2000، ويُتداوَل بعشرة أضعاف أرباح الشركة فقط، في الوقت الذي يُتداوَل فيه سهم شركة منصة الهاتف المحمول الكورية الجنوبية "كاكاو" (Kakao Corp) بنحو 70 ضعفاً لأرباحها، وفقًا لبيانات "بلومبرغ".
مسار متشابه
لم تخجل الشركة من اقتراض مخطَّط لتطوير ذراع استثمارية ناجحة، قادتها نظيرتها اليابانية "ماسايوشي سون" (Masayoshi Son). وقال هوه، وهو واحد من أول خمسة مسؤولين تنفيذيين كبار ينضمون إلى شركة الاستثمار الحديثة، إن "مسارَي (إس كيه تيليكوم) و(سوفت بنك) متشابهان"، فمثلما امتلكت "سوفت بنك" مصمم الرقائق "إيه آر إم" (ARM Ltd)، وضعت "إس كيه تيليكوم" قدمها في قطاع تصنيع أشباه الموصّلات من خلال الحصة الكبرى في شركة "إس كيه هاينيكس" (SK Hynix Inc)، التي تُعتبر إحدى الشركات الثلاث المهيمنة على منتجي الرقائق في العالم.
قال هوه إن "(سوفت بنك) تبيع نصف أعمالها، فهم لم ينجحوا في صناعة أشباه الموصّلات، ولكنهم نجحوا في الاستثمار بأعمال المنصات، خصوصاً في مجال التنقُّل. أما إذا نظرت إلينا، فستجد أننا ناجحون في مجال أشباه الموصّلات، ودخلنا بنجاح أيضاً في أعمال المنصة".
صفقات الرقائق
نمَت قيمة حصة "إس كيه تيليكوم" في "هانيكيس" بأكثر من ست مرات منذ اشترت شركة الاتصالات المحمولة نسبة قدرها 21% مقابل 3 مليارات دولار عام 2011. وتواصل الشركة الأم "إس كيه غروب" (SK Group) إضافة أعمال إلى نشاطها في قطاع أشباه الموصّلات من خلال صفقات مثل استحواذ "هاينيكس" على قسم رئيسي في شركة "إنتل" بقيمة 9 مليارات دولار، يخضع حالياً للموافقات التنظيمية.
كما تبحث "إس كيه تيليكوم"، وفقاً لهوه، عن صفقات اندماج واستحواذ في جميع فئات صناعة أشباه الموصّلات، بما في ذلك الذاكرة ومعدات الإنتاج والتصنيع، بمبالغ قد تصل إلى مليارات الدولارات أو مبالغ أكثر تواضعاً، مضيفاً أن شركة الاستثمار الجديدة تتحرر من المخاوف التنافسية ومكافحة الاحتكار التي قد تمنع "هاينيكس" من تقديم عطاءات لشركات معينة.
وقال المسؤول التنفيذي: "في أشباه الموصّلات نقص عالمي، لذلك أعتقد أن لدينا فرصة كبيرة للغاية هنا. بالتأكيد سنُجرِي مزيداً من عمليات الاستحواذ، وسندفع باتجاه النمو العضوي وغير العضوي، لنصبح رواداً عالميين في قطاع صناعة أشباه الموصّلات".
طفرة الاكتتابات
أشار هوه أيضاً إلى الارتفاع الشديد في الطلب على طروحات الأسهم في كوريا الجنوبية بالآونة الأخيرة، خصوصاً بين المستثمرين الأفراد، وتدفع أسباب قليلة الشركات إلى التفكير في طرح الأسهم خارج البلاد.
من جانبها تخطط "إس كيه تي إنفيستمنت" للانضمام إلى طفرة الاكتتابات العامة في كوريا الجنوبية من خلال إدراج خمس شركات تابعة لمؤشر "كوسبي"، تشمل "وان ستور" (One Store) المدعومة من "مايكروسوفت" والمتخصصة في قطاع تطبيقات الهاتف المحمول، والمتوقَّع أن تتضاعف قيمتها إلى 1.3 مليار دولار على الأقلّ قبل طرحها للاكتتاب العامّ في وقت مبكر من نهاية هذا العام.
في المرحلة التالية تتطلع شركة الأمن "إيه دي تي كابس" (ADT Caps Co) أيضاً إلى الاكتتاب العامّ في غضون الـ12 شهراً القادمة، فيما تهدف كل من "كونتينت ويفي" (Content Wavve Corp) لخدمة البثّ المباشر، و"11 ستريت" (11 Street) و"تي-ماب موبيليتي" (T-Map Mobility) للتجارة الإلكترونية عبر الهواتف المتحركة، إلى إدراج أسهمها في السنوات الثلاث المقبلة، بحد تقييم أدنى حجمه مليار دولار.
وتُعتبر شركة "تي-ماب موبيليتي"، المشغّلة لعديد من خدمات منصات التنقّل والتي شاركت "أوبر تكنولوجيز" في مشروع مشترك، الشركة الوحيدة التي قال هوه إنه يود شخصياً رؤيتها في إدراج مزدوج بكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، في شكل شهادات إيداع أمريكية.