في حين يعيد مديرو صناديق الاستثمار حول العالم، التأقلمَ مع المنظور الاستثماري المرتكز على الحكومة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات (ESG). بات من الواضح، أنَّ العامل الاجتماعي، ضمن هذه المعادلة، هو الذي يترك المساحة الأوسع لسوء التفسير. إلا أنَّ هيئة فريدة من نوعها في النرويج، وهي الصندوق الثروة السيادي، قد تساعد في إضفاء المزيد من الوضوح عليه.
التحقق من الشركات
"نورجس بنك إنفستمنت مانجمنت"، وهو أكبر صندوق ثروة في العالم. ويدير أصولاً بقيمة 1.4 تريليون دولار. وهو يقترب الآن من تعديل نهجه الاستثماري، لتجنُّب الأخطار الناجمة عن الحوكمة، وذلك من خلال التحقق من الشركات قبل إضافتها إلى محفظته، وذلك بدلاً من الاعتماد على مؤشراتها فحسب.
منظمة العفو الدولية، هي أحد الجهات التي تقدِّم الاستشارات إلى الصندوق، بالاشتراك مع عدد من المنظَّمات غير الحكومية والجهات المشرعة التي تقول، إنَّ هذا الإجراء الجديد، يتيح الفرصة لتحديد الاعتبارات الأخلاقية التي يتعيَّن أن تشملها الحوكمة الاجتماعية، وذلك في ظلِّ غياب الإرشادات الواضحة من الجهات الناظمة.
على هذا الصعيد، تقول إينا تين، كبيرة الاستشاريين في منظمة العفو الدولية في أوسلو، إنَّ العمل الذي يتمُّ القيام به في النرويج يختلف عن كلِّ ما رأته في أماكن أخرى حول العالم. وأضافت في مقابلة: "حجم صندوق الثروة يجعل عملنا في النرويج فريداً من نوعه".
اعتبارات أخلاقية
تجدر الإشارة إلى أنَّ صندوق الثروة النرويجي يملك أكبر عدد من الأسهم مقارنة مع أي جهة استثمارية أخرى حول العالم. وحرصاً منه على إدارة المخاطر المحتملة على الصعيد الاجتماعي، ومن بينها انتهاكات حقوق الإنسان على سبيل المثال، يعقد الصندوق اجتماعات سنوية مع مجالس إدارة الشركات سعياً لصون محفظته من أيِّ انتهاكات للحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات. إذ يرى الصندوق أنَّ المخاطر على صعيد الحوكمة تؤدي في نهاية المطاف إلى أخطار مالية، بما أنَّها قد تجبر الصندوق على التجرُّد من عوائد مضمونة. (عادة، يقدِّم مجلس أخلاقي منفصل، التوصيات المتعلِّقة بإدراج شركة ما على القائمة السوداء بغضِّ النظر عن الاعتبارات المالية).
نيكولاي تانجين، وهو مدير سابق لصندوق تحوُّط، ويتولى منصب المدير التنفيذي لصندوق الثروة النرويجي منذ سبتمبر الماضي، يتوقَّع أن تبدأ إجراءات التحقق المسبق في النصف الثاني من العام الحالي. وبحسب تين من منظمة العفو الدولية؛ فإنَّه بحلول هذا الوقت سيكون الصندوق قد توصَّل إلى أجوبة حول كيفية القيام بالتحقق من العامل الاجتماعي ضمن حوكمة الشركات، وذلك قبل أن يضمَّ الصندوق أيَّ سهم إلى محفظته.
وكان الصندوق قد سبق وشرح أنَّه يقوم بمعاينة تتعلَّق بقضايا حقوق الإنسان وحقوق الطفل، والفساد والتهرب الضريبي، إلا أنَّ إينا تين تؤكِّد على ضرورة تقديم المزيد من التفاصيل.
مقاييس مشوشة بعض الشيء
وبينما بات يوجد تحديد واضح للأطر التنظيمية الخاصة بالعامل البيئي في الحوكمة، وذلك ضمن الإطار التنظيمي الناشئ الخاص بالاتحاد الأوروبي؛ يبقى العامل الاجتماعي يحيّر المستثمرين والشركات.
تقول جنين دو، كبيرة مديري شؤون التمويل المستدام في شركة "فيتش رايتينغ" في لندن: "بعض المقاييس المعتمدة اليوم غائمة جداً، وتتضمَّن أموراً، مثل معدل دوران العمالة، أو المعدلات الجندرية"، مشيرةً إلى أنَّ جزءاً من هذا التحوُّل في الرؤية سوف ينطلق من النشاط النضالي للقضايا الاجتماعية، وتضيف: "ربما سيسهم ذلك في تحقيق التغيير". إلا أنَّها حذَّرت من أنَّ "المقاييس الحالية مشوشة بعض الشيء، ولا نعرف فعلاً عمَّا يجب أن نبحث".
من جهته، أوضح منصور حسين، كبير مديري شؤون المؤسسات المالية في "فيتش"، أنَّه على عكس المخاطر البيئية التي يستند قياسها في الأغلب على العلم؛ فإنَّ المخاطر الاجتماعية تستند على ردَّة فعل الرأي العام حيال اكتشاف سوء سلوك ما. وقال، إنَّه على الأرجح سيكون "العامل الاجتماعي في سياق خطر المقاضاة"، وهو الأمر الذي سيجعلنا نرى "قيمة بالدولار أو اليورو ترتبط بهذه القضايا".
سلاسل الإمداد
كذلك، قالت كارين سميث إهيناشو، وهو كبيرة مسؤولي حوكمة الشركات في صندوق الثروة: "من الواضح أنَّ العامل الاجتماعي" في الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات " أصعب تحديداً من نواح كثيرة" مقارنة مع الشأن البيئي. ويزداد الأمر صعوبة حين يكون المستثمر يملك أسهماً، وشركات في مراحل انتقالية لا ترتقي إلى أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات. لكنَّها تتعهد أن تحسِّن أداءها. فصندوق الثروة النرويجي يقرّ مثلاً أنَّه يستثمر في شركات ربما يتخلل سلاسل إمدادها استخدام عمالة الأطفال.
يُذكر أنَّ الحكومة والبرلمان في النرويج يحددان الإطار الذي يقوم صندوق الثروة بالاستثمار من خلاله. وكانت البلاد قد اقترحت مؤخَّراً مجموعة قواعد أكثر صرامة تهدف إلى الحدِّ من تعرُّض الصندوق للمخاطر التي قد تهدِّد الاستدامة، مثل انتهاكات حقوق الإنسان. ويتضمَّن جزء من ذلك، اتخاذ مقاربة أكثر حذراً للتعامل مع الأسواق الناشئة.
نقلة فكرية
وتابع حسين من "فيتش"، أنَّ الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات بشكل عام، تتطلَّب "نقلة نوعية في طريقة التفكير" على حدِّ تعبيره، وأضاف: "أجل، من المهم أن ننظر إلى البيانات الموجودة تاريخياً، ولكن بما أننا نتجه نحو ميادين مجهولة، فقد لا نمتلك جميعاً بيانات رصد صالحة لاتباع النهج المناسب".
في حين أشار تانجين إلى أنَّه جاهز للبدء بالتحقق المسبق، وهو الذي كان قد قال في تصريح سابق، إنَّ الأمر "لا يتعلَّق بجني المال فحسب".
أخيراً، مهما يكون النموذج الذي تقرِّر النرويج اتباعه، تقول تين من منظمة العفو الدولية، في نهاية المطاف؛ فإنَّ "الشأن الاجتماعي في الحكومة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات، يعتمد بشكل كبير على قيام المجتمع المدني برفع صوته".