يخطط الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة استيراد على الصلب والأسمنت والألمنيوم المنتج في البلدان ذات المعايير البيئية المنخفضة، إذ يسعى الاتحاد إلى أن يصبح رائداً عالمياً في مجال المناخ دون الإضرار بالمنتجين المحليين.
ووفقاً لمصدر مطَّلع على المقترحات المقرر الكشف عنها الشهر المقبل، تسعى المفوضية الأوروبية إلى إدخال نظام يفرض عقوبة على إدخال سلع تضمن انبعاثات إلى الكتلة الأوروبية، مما يعدُّ خطوة لم تتخذها أي دولة أخرى في العالم. وستستند الضريبة إلى تكاليف الكربون التي يواجهها المنتجون المحليون، وستؤثِّر أيضاً على الأسمدة والكهرباء.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنَّه سيتعيَّن على المستوردين شراء شهادات خاصة بسعر مرتبط بنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. يُذكر أنَّ أسعار الكربون في تلك السوق ارتفعت إلى مستويات قياسية خلال هذا العام.
إجراءات صارمة لخفض الانبعاثات
ويعدُّ الإجراء المخطط له جزءاً من حزمة أوسع سيتمُّ طرحها في 14 يوليو، في محاولة لمواءمة اقتصاد الاتحاد الأوروبي مع أهداف أكثر صرامة لخفض الانبعاثات لعام 2030. إذ تعمل الكتلة المكوَّنة من 27 دولة على تشديد قوانينها البيئية في إصلاح شامل سيؤثِّر على جميع المجالات من النقل إلى إنتاج الطاقة والتجارة. وتسعى أوروبا من خلال تنفيذ الهدف الشامل للصفقة الخضراء إلى أن تصبح أوَّل قارة محايدة مناخياً في العالم بحلول منتصف القرن.
وقال زعماء الاتحاد الأوروبي مراراً في بيانات القمم الأوروبية، إنَّهم سيرحبون بآلية فرض رسوم حدودية. ومع ذلك، فإنَّ مناقشة تفاصيل ما يسمى بآلية تعديل حدود الكربون قد تثير نقاشات طويلة داخل الكتلة، لأنَّ القضية غير مدرجة على جدول أعمال اجتماع مجموعة السبع هذا الشهر، على الرغم من أنَّ أحد المسؤولين قال إنَّه يمكن مناقشتها بشكل غير رسمي.
هدف مزدوج
يريد الاتحاد الأوروبي ضرب عصفورين بحجر واحد عبر توفير "ساحة لعب" متكافئة لأعماله، وتشجيع المزيد من الجهود المناخية من دول خارج الكتلة، لكنَّ خططه تسبِّب قلقاً دبلوماسياً في بلدان من أوكرانيا إلى الصين وصولاً إلى الهند. وسيتمُّ اقتراح الضريبة المخطط لها قبل خمسة أشهر فقط من قمة المناخ الحاسمة التي تستضيفها المملكة المتحدة، إذ سيكون بناء التحالفات أمراً أساسياً لضمان تكثيف جهود الجهات الرئيسية المسببة للانبعاثات.
وفي حال أدى هذا الاقتراح إلى تصعيد التوترات التجارية، فقد ينتهي الأمر بأن تصبح "آلية ضبط حدود الكربون" CBAM)) ، أداة يستخدمها الاتحاد الأوروبي بدلاً من كونها عقوبة شاملة على التلوث المستورد، لتشمل في نهاية المطاف المزيد من القطاعات.
وخلال العقد الماضي، تعلَّم الاتحاد الأوروبي درساً في التجارة والمناخ عندما أدرج الرحلات الجوية من أوروبا وإليها في سوق الكربون، ووضع سعراً لكلِّ طن من ثاني أكسيد الكربون الذي تفرزه الطائرات، مما أدى إلى ضجة وتهديدات بالانتقام من البرازيل حتى الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهذا جعل الاتحاد الأوروبي يتراجع عن الخطوة، ويقلِّص برنامجه.
وفي السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي رسمه بعض المحللين، بالإضافة إلى دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، ستؤدي خطط أوروبا إلى إنشاء "نادٍ للمناخ" عابر للقارات. وسيحتاج ذلك إلى موافقة من الإدارة الأمريكية، التي لم تقرر بعد ما هو النهج التنظيمي الذي يجب اتباعه لتقليل غازات الاحتباس الحراري؟.
ووفقاً لمسودة اقتراح؛ تدرس المفوضية فترة انتقالية تصل إلى ثلاث سنوات قبل بدء تنفيذ الآلية بالكامل في يناير 2026. وبين عامي 2023 و2026، يمكن أن تستخدم نظاماً مبسطاً "بهدف الحدِّ من مخاطر الآثار التخريبية على التدفُّقات التجارية، وتخفيف العبء الإداري الأولي". وستذهب الإيرادات إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي.
نقطة شائكة
من جهتها، دعت صناعة الطاقة أيضاً إلى إدخال "آلية ضبط حدود الكربون"، لكنَّ العديد من الشركات يريد أن تكون الأداة إضافةً، وليست بديلاً عن المخصصات المجانية التي يحصلون عليها الآن كدرع ضد تسرُّب الكربون. وتعدُّ هذه نقطة شائكة أخرى سيتعيَّن على صانعي السياسات معالجتها.
ونظراً لكل هذه الحساسيات، قد يستمر تغيير مسودة اللائحة حتى قبل اعتمادها من قبل المفوضية في يوليو. وبمجرد طرحها، سيتعيَّن الموافقة عليها من قبل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء لتصبح قانوناً. وتتضمَّن هذه العملية مفاوضات قد تستغرق عامين.
وبموجب المسودة، سيطلب من المستوردين في القطاعات المتضررة شراء شهادات الانبعاثات الإلكترونية بأسعار مماثلة لتلك الموجودة في "نظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي"، وهو أكبر برنامج للحدِّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. وستتوافق كل شهادة "آلية ضبط حدود الكربون" مع طن متري واحد من الانبعاثات المضمَّنة في البضائع المستوردة.
تسعير التلوث
وارتفعت تكلفة الانبعاثات في سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي بمقدار عشرة أضعاف في السنوات الأربع الماضية، فقد عززت الكتلة البرنامج، وتعهدت بتكثيف العمل المناخي. وقفزت التصاريح المعيارية للتلوث إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 56.90 يورو في 14 مايو.
ووفقاً للمسودة؛ سيتمُّ حساب سعر شهادات "آلية ضبط حدود الكربون" على أنَّه متوسط أسعار إغلاق جميع المزادات الحكومية لتصاريح الكربون خلال كل أسبوع تقويمي.
وقالت اللجنة في المسودة: "في حالة تعذُّر التحقق من الانبعاثات الفعلية بشكل كافٍ، بما في ذلك الحالات التي يفشل فيها المصرِّح المعتمد في تقديم المعلومات الضرورية، يتمُّ تحديد عدد التصاريح "آلية ضبط حدود الكربون" التي سيتمُّ تسليمها وفقاً للقيم الافتراضية"، التي قد تتغيَّر قبل النشر.
وفي حال نشأت الانبعاثات المضمَّنة في بلد يحتوي على تسعير الكربون، فيحقُّ للمستورد المطالبة بتخفيض عدد تصاريح "آلية ضبط حدود الكربون" التي سيتمُّ تسليمها. ويجب أن يتماشى مثل هذا التطبيق مع نظام تصاريح سعر الكربون الخاص الذي ستصممه المفوضية بشكل منفصل.
وبحسب المسودة؛ سيواجه المستوردون عقوبةً في حال عدم الامتثال للائحة. وسيتعيَّن عليهم دفع ثلاثة أضعاف متوسط سعر تصاريح العام السابق لـ"آلية ضبط حدود الكربون" لكل تصريح لم يتم تسليمه.