يتزايد الحديث عن نقص العرض وسط مخاوف متصاعدة من رفع الشركات للأسعار لتلبية الطلب المتزايد، بما قد يؤدي إلى زيادة التضخم.
من المتوقع أيضاً أن تستغلّ الشركات الأسعار المرتفعة لرفع قدرتها على زيادة الإنتاج وتلبية فجوة الطلب، فلماذا يرغب أي شخص في ترك فرصة متاحة لزيادة المبيعات؟
تُعَدّ هذه إحدى قواعد الاقتصاد الجزئي الخاصة بتوازن العرض والطلب التي تُدرَّس في فصول ما قبل الجامعة، لكن العالم الحقيقي لا يتبع في الغالب النظرية الاقتصادية المنطقية، وتدلّ مؤشرات على عدم رفع الشركات للأسعار لاستغلال الإيرادات والاستثمار لرفع قدراتها الإنتاجية في المستقبل.
يشير جورج بيركس، المحلل الاستراتيجي في "بيسبوك إنفستمنت" (Bespoke Investment) إلى طريقتين لاستجابة الشركات للطلب المتزايد، الأولى التي ترفع فيها الشركات الأسعار وتستخدم زيادة الإيرادات للاستثمار ورفع قدراتها الإنتاجية سواء الاستثمار في الأصول الثابتة أو المخزونات أو العمال، وبمعنى آخر تواصل الشركات زيادة الإنتاج والعرض ما دامت تحقق أرباحاً من تلك الزيادة نتيجة زيادة السعر عن التكلفة.
أما الطريقة الثانية التي يؤكدها عديد من الأدلة، فهي تلك التي ترفض فيها الشركات زيادة المعروض، وتراهن على أن أعمالها ستتحسن في ظلّ أسعار مستقرة دون حاجة إلى المخاطرة بالاستثمار وزيادة قدراتها الإنتاجية.
ضبابية الرؤية
وذكرت "بلومبرغ" الخميس الماضي أن بعض المصانع الصينية قرّر عدم زيادة الاستثمار نتيجة ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج واختناق شبكات النقل، مما يضغط على هوامش أرباحها.
يقول صاحب مصنع أغطية زجاجية للمصابيح يورّد لصالح شركات مثل "هوم ديبوت" (Home Depot)، إن "المستقبل غير واضح كفاية ليدفعنا إلى زيادة قدراتنا الإنتاجية". كذلك أخبرت شركة توريد مسكوكات معادن خفيفة مقرها مدينة غواندونغ عملاءها مؤخراً بعدم قدرتها على تلبية الطلبات الحالية بسبب ارتفاع أسعار المعادن.
ولا يقتصر الأمر على الصين، فيشير عديد من المؤشرات إلى حدوث ذلك في اقتصادات أخرى.
يشير بيركس في حسابه على تويتر إلى أن شركة "تول براذرز" (Toll Brothers) المتخصصة في بناء المنازل الفاخرة أعلنت الأربعاء الماضي تسجيلها هوامش أعلى من المتوقع وسط تراكم كبير في الطلبات، لكن الشركة حذرت من احتمال تراجع عمليات التسليم عن التقديرات خلال الربع القادم.
السعى للتوازن
وفي بعض الأحيان يقبل المنتجون حجم إنتاج أقلّ بدلاً من رفع الأسعار للوصول إلى توازن بين العرض والطلب، ويسمى ذلك "اختناق السعر والعرض"، إذ تقلّص الشركات عن قصد كلّاً من العرض والسعر أيضاً، وهو ما يُعَدّ التفكير المنطقي.
يعني ذلك حسب قواعد الاقتصاد الجزئي البسيطة، تفادي الخسائر والاحتفاظ بهوامش ربحية أقل من الممكن، يقابلها فائض أقلّ للمستهلكين. ويعني ذلك على صعيد الاقتصاد الكلي انخفاض التضخم والعمالة والاستثمار والإنتاج بعيداً عن دورة الاقتصاد النظرية التي يمكن أن تحدث.
وإذا كانت الشركات محقَّة في أن الطلب فلن يبقى مرتفعاً، وبالتالي لن تحقّق أرباحاً في المستقبل عن استثماراتها الحالية، فإن الانتعاش الاقتصادي الحالي سيبدو إلى حد كبير مثل الانتعاش السابق، بحيث يأتي أبطأ وأضعف بكثير مما لو كانت الشركات واثقة باستمرار نمو الطلب في المستقبل.
بمعنى آخر، قد يستمر نقص العرض لبعض الوقت، لكنه سيمنع ارتفاع التضخم إلى حد ما، الأمر الذي يُعتبر جيداً لمن لديه مخاوف بشأن الارتفاع المفاجئ في الأسعار، لكنه لا يُعتبر جيداً لاقتصاد يحاول الخروج من نفق وباء عالمي.