ارتفعت الأسهم الأميركية مع تبني الرئيس دونالد ترمب نبرة أقل حدة بشأن التجارة العالمية، وسط زيادة التوقعات بأن سياساته ستعزز الشركات الأميركية الكبرى. واستمرت عائدات السندات في التراجع بعد الارتفاع الأخير الذي هز الأسواق، بينما شهد الدولار تقلبات.
صعدت أسهم أكثر من 400 شركة في مؤشر "إس آند بي 500"، حيث صعد المؤشر بنسبة تقارب 1%، بفعل إعلان ترمب عن دفعة استثمارية جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي بقيادة مجموعة "سوفت بنك"، و"أوبن إيه آي"، و"أوراكل".
وبلغ صندوق استثماري متداول يركز على الشركات التي تتعرض لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات. كما ارتفعت الأسهم الصغيرة نتيجة الرهانات على استفادتها من المواقف الحمائية.
ساهمت مجموعة من الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب في تعزيز أسهم قطاع الفضاء، بينما أثرت سلباً على صانعي السيارات الكهربائية، كما ارتفع صندوق استثماري يركز على الشركات الصينية الكبرى، حيث امتنع الرئيس الأميركي حتى الآن عن الإعلان عن تعريفات جمركية على الصين.
تراجعت عوائد سندات الخزانة قرب أدنى مستوياتها لهذا العام، وتعرض البيزو المكسيكي والدولار الكندي لضغوط بعد إعلان ترمب عن تعريفات جمركية يعتزم فرضها على البلدين بحلول الأول من فبراير.
وقال موهيت كومار من "جيفريز إنترناشيونال" (Jefferies International Ltd): "الأصول ذات المخاطر العالية قد تستفيد من تخفيف القيود التنظيمية والتعريفات الجمركية التي تبدو أقل حدة مما كان متوقعاً، وبالنسبة لأسعار الفائدة، فإن التعريفات الأقل قسوة وأسعار النفط المنخفضة قد تكون إيجابية".
وأشارت كالي كوكس من "ريثولتز ويلث مانجمنت" (Ritholtz Wealth Management) إلى أن الوقت قد حان لتقييم ما إذا كانت المضاربات بشأن التعريفات الجمركية قائمة على أسس صحيحة أم لا.
اختبار حاسم
وأضافت أن ترمب يواجه اختباراً حاسماً في مجال آخر. وتابعت: "سنبدأ في رؤية المزيد من العناوين المتعلقة بمحادثات سقف الديون، وربما المزيد من الضغوط على الطرف الأقل من منحنى سندات الخزانة".
غالباً ما يُستخدم سقف الدين كورقة ضغط خلال المفاوضات المتعلقة بالميزانية في الكونغرس، حيث يتم التوصل إلى اتفاقيات في اللحظات الأخيرة. ونتيجة لذلك، تؤدي هذه المواجهات عادةً إلى تقلبات في أسعار الفائدة قصيرة الأجل، مع تخلي المستثمرين عن أذون الخزانة الأكثر عرضة لاحتمال التخلف عن السداد لصالح أوراق مالية أخرى.
وارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.9%، وأضاف "ناسداك 100" ما نسبته 0.6%، وصعد "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.2%، وقفز مؤشر "راسل 2000" للأسهم الصغيرة بنسبة 1.8%، وأضاف مؤشر "العظماء السبعة" (أبل، ألفابت، أمازون، إنفيديا، تسلا، ميتا، مايكروسوفت) 0.3%.
وفي الساعات المتأخرة، قفز سهم "نتفليكس" بعد إعلان الشركة عن أكبر زيادة فصلية للمشتركين في تاريخها، وأصدرت "يونايتد إيرلاينز" (United Airlines Holdings Inc) توقعات متفائلة. وانخفض العائد على سندات الخزانة ذات أجل 10 سنوات بمقدار سبع نقاط أساس إلى 4.56%، ولم يشهد مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري تغييرات كبيرة.
ارتفاع واسع النطاق
قال كريغ جونسون من شركة "بايبر ساندلر": "شهدت أسواق الأسهم الأسبوع الماضي ارتفاعاً واسع النطاق، مدعوماً ببيانات تضخم أقل حدة، وأرباح إيجابية من البنوك، وتعافٍ من حالات بيع مفرط قصيرة الأجل والمعنويات السلبية". وأضاف: "نتوقع مزيداً من الارتفاع في الأسهم، مدعوماً بعودة سياسات ترمب الصديقة للأعمال والمستثمرين".
أعادت سوق الأسهم ضبط الأداء تزامناً مع إعادة ضبط الأداء الرئاسي الثلاثاء، حيث بدأ ترمب مهامه في البيت الأبيض لأول مرة منذ أربع سنوات.
خلال فترة رئاسة جو بايدن بأكملها، ارتفع متوسط مؤشر "داو جونز الصناعي" بنسبة 39.4%، أي أقل بنحو 18 نقطة مئوية من فترة السنوات الأربع الأولى لإدارة ترمب، وأقل بأكثر من 100 نقطة مئوية من نسبة 149.4% التي تحققت خلال السنوات الثماني لعهد باراك أوباما، وفقاً للبيانات التي جمعتها مجموعة "بيسبوك إنفستمنت".
أضافت "بيسبوك": "رغم أن أداء مؤشر داو جونز في ظل قيادة بايدن كان الأضعف مقارنة بالرئيسين السابقين، إلا أنه لا يزال أداءً يُعتد به، ويختتم ثالث فترة متتالية من المكاسب القوية خلال ولاية رئاسية". وتابعت: "يجب أن تذكّر هذه الأرقام المستثمرين الأفراد بأنه لا ينبغي أبداً أن تتداخل السياسة مع قراراتهم الاستثمارية".
منذ عام 1944، حقق مؤشر "إس آند بي 500" مكاسب بمتوسط 1.6% خلال الفترة من الانتخابات وحتى يوم التنصيب، وفقاً لما ذكره سام ستوفال من شركة "سي إف آر إيه" (CFRA). وأضاف أنه خلال أول 100 يوم بعد التنصيب، حقق المؤشر مكاسب بمتوسط 2.1%.
انتعاش باقي الأسهم
أوضح ستوفال أن "الأداء الذي تسجله قطاعات وصناعات فرعية في مؤشر (إس آند بي 500) خلال فترة 'شهر العسل بعد الانتخابات' كان مؤشراً للتفوق في الأداء خلال العام بأكمله".
منذ عام 1993، حققت القطاعات الأربعة الأعلى أداءً خلال الفترة من يوم الانتخابات وحتى يوم التنصيب متوسط زيادة سنوية قدرها 17% مقارنة بمتوسط ارتفاع قدره 15.9% لمؤشر "إس آند بي 500"، متفوقة على المؤشر بنسبة 75% من الوقت.
وأضاف ستوفال أن الصناعات الفرعية العشر الأفضل أداءً في المؤشر سجلت متوسط زيادة سنوية قدرها 26.8% وتفوقت أيضاً على السوق بنسبة 75% من الوقت.
في هذه الدورة، تُظهر مؤشرات مبكرة على أن المستثمرين يستعدون لانتعاش الأسهم متأخرة الأداء بناءً على توقعات بأن ترمب قد يتبنى موقفاً أقل حدة مما كان متوقعاً بشأن التجارة العالمية، وفقاً لاستطلاع أجراه "بنك أوف أميركا".
إذا اتضح أن المخاوف المتعلقة بمقترحات ترمب حول التعريفات الجمركية "لا أساس لها"، فإن مخصصات المستثمرين ستظل موجهة نحو المخاطر، وستلحق أسواق الأسهم التي تأخرت في الأداء بركب الانتعاش القوي في الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكره مايكل هارتنت، استراتيجي "بنك أوف أميركا".
في ظل احتمال وجود نظام مختلف على مستوى السوق الكلية في عام 2025، ومع انتعاش معتدل في النمو الاقتصادي، ينبغي البحث عن الأسهم الأخرى التي تمتلك إمكانات للعودة إلى القمة، ولديها مراجعات إيجابية في الأرباح، وفقاً لما ذكرته إميلي رولاند ومات ميسكين من شركة "جون هانكوك" لإدارة الاستثمارات.
الخيارات الأفضل في سوق الأسهم
وأشارا إلى أن "الأسهم ذات القيمة الكبيرة في الولايات المتحدة (ذات الوزن الكبير في القطاع المالي) وأسهم الشركات متوسطة الحجم في الولايات المتحدة (ذات الوزن الكبير في القطاع الصناعي) هما الخياران الأفضل في أسواق الأسهم العالمية التي تقدم إمكانات للعودة وتحسين اتجاهات الأرباح". وأضافا أن "الأسهم غير الأميركية وأسهم الشركات الصغيرة قد تستفيد ببساطة من اتجاهات التناوب، ولكنها ليست قوية بالأساس".
كما أضاف رولاند وميسكين أن المستثمرين ليسوا بحاجة إلى البحث بعيداً للاستفادة من إمكانية تقليل التركيز في مؤشر "إس آند بي 500" عن أكبر 10 أسهم مدفوعة بنمو التكنولوجيا.
واختتما بالقول: "مجرد التحول نحو الأسهم ذات القيمة أو تقليل حجم رأس المال قليلاً قد يوفر فرصاً مواتية بشكل كبير".
قالت سوليتا مارسيللي من إدارة الثروات العالمية في "يو بي إس": "موقفنا الأساسي بالنسبة للاقتصاد الأميركي هو تحقيق 'نمو رغم التعريفات الجمركية'. وبينما نراقب المخاطر عن كثب، لا نعتقد أن التدابير الجمركية المحددة في حالتنا الأساسية ستكون كافية لتعطيل نمو الاقتصاد".
وأضافت: "لا نعتقد أن هذه التعريفات ستمنع التضخم من الاستمرار في الانخفاض عن مستوياته الحالية، بالقدر الذي يُمكّن الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في وقت لاحق هذا العام".
تغييرات جوهرية في التضخم
يصف بنك "إتش إس بي سي" أحدث القراءات المعتدلة للتضخم بأنها "تغيرات جوهرية في اللعبة"، ويشير إلى أنها توفر بيئة ملائمة للأصول ذات المخاطر على مدى الأشهر المقبلة.
ويتوقع الاستراتيجيون في البنك بقيادة ماكس كيتنر حدوث انخفاضات سطحية فقط في الأشهر المقبلة، ويوصون باستغلال أي تراجع لزيادة التعرض للأصول ذات المخاطر. ويشيرون إلى أن معنويات السوق والتمركز يشيران إلى علامات شراء.
أما بالنسبة لمات مالي من شركة "ميلر تاباك"، فرغم أهمية العناوين الرئيسية المتعلقة بسياسات ترمب وتأثيرها المحتمل على الأسواق، إلا أن موسم الأرباح وتوجيهات الشركات المستقبلية سيكونان مهمين للغاية أيضاً.
قال مالي: "مع ارتفاع تكلفة السوق كما هو الحال اليوم، هناك بعض المخاوف بشأن ما إذا كانت الجوانب الإيجابية لهذه السياسات الجديدة قد تم بالفعل احتسابها في سوق الأسهم. لذلك، سيكون من المهم للغاية أن لا تبدأ الصورة العامة للأرباح في التدهور بشكل كبير".