"بتكوين" لن تتفوق على محافظي البنوك المركزية بسهولة

قطع رمزية تحمل شعار العملة المشفرة "بتكوين" - المصدر: بلومبرغ
قطع رمزية تحمل شعار العملة المشفرة "بتكوين" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

غالباً ما يبدأ الابتكار في مجال البنوك المركزية في الأسواق الصغيرة؛ ففي عام 1990، كانت نيوزيلندا أول دولة تتبنى رسمياً استهداف التضخم كما نعرفه الآن. واليوم تتقدّم جزر البهاماس وكمبوديا على الصين في تجريب أموال البنك المركزي بشكل إلكتروني.

على الرغم من ذلك، تدرك قلة فقط أن النرويج هي الدولة الرائدة في تقديم أول عملة رقمية لبنك مركزي في العالم، حيث تحمل التجربة بعض الدروس المهمة لأولئك الذين يحاولون بشكل محموم معرفة كيف ستكون العملات الرقمية الثورية للبنوك المركزية، بما في ذلك بريطانيا، التي انضمت إلى المسيرة الشهر الماضي بفريق عمل جديد.

قدمت النرويج بطاقة "أفانت" (Avant Card) في ديسمبر 1992، قبل وقت طويل من ظهور "بتكوين"، حيث يمكن شحن رصيد البطاقة بما يصل إلى 500 يورو (602 دولار) بشروط اليوم، كما يمكن إعادة شحنها. ووفقاً لـِ"أليكسي غريم"، الخبير الاقتصادي في بنك فنلندا، كان محافظو البنوك المركزية مقتنعين بأن هذا النظام سيحل محل النقد بسرعة.

إلا أن المستهلكين وجدوا صعوبة في استخدامها، كما شعر تجار التجزئة بالإحباط لاضطرارهم إلى إضافة معدات إضافية لنقاط البيع، وانتهى الأمر بالبنك المركزي النرويجي ببيع البطاقة لمجموعة من البنوك التي أغلقتها في عام 2006.

يمكن اليوم العثور على بطاقات "أفانت" على موقع "إي باي" (eBay) مقابل 10 دولارات، وبالكاد تكون ذهباً رقمياً.

مخاطر تبني العملة الرقمية

في الواقع، اتضح أن إزاحة كفاءة وراحة شبكات بطاقات الائتمان الحديثة، وأخواتها الرقمية الآن، هي مسألة صعبة للغاية. يُثمّن معظم المستهلكين عالياً الإحساس بالاطمئنان لوجود أموالهم بالبنك، في حال فقدوا بطاقة الخصم أو الائتمان الخاصة بهم، وهو أمر لم يكن صحيحاً مع هذه الأدوات المحمولة.

علاوةً على ذلك، من الواضح أن النرويج اختارت اليوم المسار الرقمي البطيء لإعادة النظر في عملات البنوك المركزية على الرغم من كونها الدولة الأقل تعاملاً بالنقد في العالم حيث يتم إجراء 3% فقط من المعاملات نقداً.

يقودنا هذا إلى درس رئيسي آخر: قبل أن تصدر البنوك المركزية الكبرى العملات المشفرة على نطاق واسع، يجب أن يكون هناك تقييم أعمق بكثير للتأثير على الاستقرار المالي والسياسة النقدية وما إذا كان التأثير يمكن أن يزيد من احتمالية تزايد السحوبات من البنوك. وهذا ليس حكماً تقنياً حول كفاءة أنظمة المدفوعات المنافسة، بل سيحدد كيف ستتصرف البنوك المركزية الكبيرة.

المحرمات التي يجب كسرها

في نهاية المطاف، كان الوصول إلى أموال البنك المركزي تقليدياً حكراً على البنوك المحلية المنظمة؛ في حين يمكن لعصر "بلوكتشين" أن يفتحها مباشرة أمام الشركات الأخرى، وهو من المحرمات الضخمة التي يجب كسرها. ماذا يعني ذلك بالنسبة للنظام المصرفي، خاصة في عالم حيث النقد أقل أهمية بكثير؟

كما أن رحلة الودائع في أوقات الشدة بعيدة كل البعد عن المجازفة النظرية؛ حيث أدار صندوق النقد الدولي 124 أزمة مصرفية شاملة في الفترة من 1970 إلى 2007. وعلى الرغم من أن الإصلاحات التي أعقبت الأزمة جعلت البنوك أقوى بكثير، فإن مخاوف السيولة ستحدث.

لمعالجة هذه المسألة، حدّت المشاريع التجريبية من حجم الأموال المتاحة أو قيّدت القدرة على نقل الأموال، كما هو الحال مع "دولار الرمل" لجزر الباهاماس. إلا أنه من غير المرجح أن يكون من المجدي إنشاء أنظمة دفع جديدة باهظة الثمن فقط للمعاملات التي تصل إلى 3,000 يورو، كما اقترح البنك المركزي الأوروبي.

بنك وليس مجموعة دراسة

من المحتمل أن ترى البنوك المركزية أن سيطرتها على انتقال السياسة النقدية قد ضعفت، كما أشار "دينيس بو"، نائب محافظ بنك فرنسا، مؤخراً.

ما من شكٍ في أن الأزمة المالية علمتنا أن النماذج التي اعتمدت عليها البنوك المركزية كانت نسخاً مفرطة في التبسيط وملائمة للظروف العادية عما يمكن أن يحدث حقاً، لأنها تغاضت عن تعقيد كيفية عمل البنوك؛ ولا يوجد محافظ بنك مركزي يريد تكرار هذا الخطأ.

هذا لا يعني أن الدولار الرقمي أو اليورو غير قابل للاستمرار، بل إن محافظي البنوك المركزية سيخطون خطوات حذرة جداً بدءاً من نطاق أضيق. وسيؤدي هذا إلى ترك المجال مفتوحاً لـ"بتكوين"، وأصول العملات المشفرة الأخرى، والعملات المستقرة للقطاع الخاص، للاستمرار في العمل لسنوات قادمة.

ولكن لن يجلس محافظو البنوك المركزية مكتوفي الأيدي بأي حال من الأحوال فيما يبني الآخرون سوقاً لا مركزية سحرية جديدة بدونهم. فبحسب "كاميرون كوبولد"، محافظ بنك إنجلترا السابق، فإن "البنك المركزي هو بنك، وليس مجموعة دراسة". لذا سيتجسّد الإجراء الحقيقي في جعل أسواق البيع بالجملة والمعاملات عبر الحدود أكثر كفاءة. ومثال على ذلك في سنغافورة، حيث يعمل "جيه بي مورغان تشيس" ومجموعة "دي بي إس" القابضة مع "تيماسك" القابضة على رقمنة أموال البنوك التجارية وفق تقنية "بلوكتشين" للمدفوعات الدولية، وذلك بناءً على برنامج تجريبي من قبل البنك المركزي.

نظام تسوية فوري

لذا ربما كان الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في إعلان بريطانيا عن فريق عمل العملة الرقمية للبنك المركزي ليس بصيص الأمل المحير لـِ"بريتكوين" (Britcoin)؛ بل إنشاء بنك إنجلترا حساباً "شاملاً" جديداً لتسهيل الوصول إلى نظام التسوية في الوقت الفعلي بما يتجاوز عملاءه التقليديين. سيسمح ذلك لمقدمي البنية التحتية للسوق المالية الجدد بالاستفادة من تقنية "بلوكتشين" لتقديم مدفوعات جملة أسرع وأرخص، وتسويتها باستخدام أموال البنك المركزي.

وبالفعل، تقدم تحالف مؤلف من 15 مساهماً، بما في ذلك مجموعة "يو بي إس"، و"باركليز"، و"ناسداك" للحصول على إمكانية استخدام النظام، مع السعي لجعله جاهزاً للتشغيل في العام المقبل. ومن المرجح أن يحذو الآخرون حذوهم.

بعبارة أخرى، قد يكون لدى بريطانيا أول نظام عملة رقمية مركّب بالعالم لمدفوعات الجملة –بدعم من البنك المركزي– بحلول عام 2022. ومع مرور الوقت، سيكون لهذا التطور تأثير عميق على دور البنوك في التسوية؛ وهذا ما يجب مراقبته، وليس "دولار الرمل" لجزر الباهاماس.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة