هل تجاوزت "علي بابا" الصينية العاصفة؟
هذا هو السؤال بالنسبة للمديرين التنفيذيين والمستثمرين، إذ تعلن شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة عن أرباحها، اليوم الخميس، في أعقاب حملة حكومية على إمبراطورية الشريك المؤسس "جاك ما".
من المؤكَّد أنَّ أرباح وإيرادات هذا الربع ستكون أقل أهمية من أيِّ دليل ملموس حول حلِّ المشكلات التنظيمية.
غرامة قياسية
وافقت "علي بابا" على غرامة قياسية قيمتها 2.8 مليار دولار فرضتها بكين، وتعهدت بتغيير بعض الممارسات التي تعدُّ مناهضة للمنافسة، ومن بينها شرط أن يبيع التاجر حصرياً على منصاتها، أو لا يبيع على الإطلاق.
كما شكر المسؤولون التنفيذيون المنظِّمين، وتعهدوا بدعم التجار. وكل ذلك في محاولة لوضع المشاكل مع المنظِّمين وراءهم.
يوم الإثنين، أقامت "علي بابا" فعالية سنوية للموظفين والعائلة، في حرمها المترامي الأطراف في هانغتشو، حيث لعب الأطفال في أحواض الكرات، ورسموا رسومات مبتكرة، في حين كان المتنكِّرون في تمائم الحيوانات الخاصة بالشركة يلتقطون الصور مع الموظفين.
استضاف كبير المديرين التنفيذيين، دانييل تشانغ، حفل زفاف لعشرات الأزواج الشباب، وفقاً لفيديو نشرته الشركة.
وقال لهم: "بغض النظر عن الأوقات الجيدة أو التحديات، فلنتحلى بالشغف والحب، ونجعل حياتنا وعملنا أفضل".
وقد شوهد "جاك ما" يرتدي قميصاً أزرق في الاحتفالات، وفقاً للصور على الإنترنت، في ظهور نادر بعد فترة من السبات القسري خلال أسوأ مشاكل "علي بابا".
قضايا عالقة
لكنَّ العديد من القضايا الرئيسية ما زالت دون حل. وما زالت شركة "آنت غروب"، الشريكة المالية لـ"علي بابا"، تتجادل مع المنظِّمين بشأن مستقبلها.
تناقش بكين كيفية تنظيم استخدام البيانات، وهو أمر أساسي لميزة "علي بابا" التنافسية. وأخيراً، تدرس الحكومة ما إذا كانت ستجبر "علي بابا" على التخلي عن الأصول الإعلامية، التي دعمت علامتها التجارية، ودعمت "ما".
وخسرت "علي بابا" حوالي 260 مليار دولار من قيمتها بعد ارتفاعها إلى مستوى قياسي في أواخر أكتوبر.
وارتفعت أسهمها في هونغ كونغ بنسبة 4.4% يوم الأربعاء، لتتقلَّص الخسائر منذ إعلان الغرامة إلى حوالي 1%.
على الصيد الرسمي، من المتوقَّع أن تكون النتائج المالية قوية. كما من المتوقَّع أن ترتفع إيرادات الربع المنتهي في مارس بنسبة 58% لتصل إلى 180.4 مليار يوان (28 مليار دولار) – في تعافٍ من الانخفاض الذي سبَّبه كوفيد، برغم أنَّ صافي الدخل سيتعرَّض لضربة بسبب الغرامة. وإليكم الأمور الرئيسية التي سيختبر المستثمرون الإدارة حولها.
مستقبل "آنت" غير مؤكَّد
تمتلك "علي بابا" ثلث "آنت"، الشركة التي كانت مركز حملة بكين على شركات التكنولوجيا المالية.
ستوفِّر بيانات التقرير الخاص بها هذا الأسبوع، نظرة خاطفة على أداء الشركة التابعة، خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في ديسمبر- وعندما تمَّ إلغاء الاكتتاب العام الأولي القياسي مع تحوُّل التدقيق التنظيمي إلى مستوى عالٍ- فقد تأخرت نتائج شركة التكنولوجيا المالية "علي بابا" ثلاثة أشهر.
بعد أيام قليلة من قيام هيئة الرقابة على مكافحة الاحتكار بفرض غرامة على "علي بابا"، أمر المنظِّمون الماليون شركة "آنت" بتحويل نفسها إلى شركة قابضة مالية تخضع للإشراف بشكل فعَّال مثل البنوك.
ستحتاج الشركة إلى فتح تطبيق المدفوعات الخاص بها أمام المنافسين، وزيادة الإشراف على كيفية قيام هذه الشركة بتغذية عمليات الإقراض الاستهلاكية المربحة، وخفض القيمة البارزة لصندوق سوق المال الخاص بها "يو إيباو" (Yu’ebao).
وقد دفع هذا الإصلاح بالفعل بعض المستثمرين، ومن بينهم "فيديلتي إنفسيتمنت"، و"واربيرغ بينكوس"، إلى خفض تقديراتهم التقييمية لشركة "آنت"، التي كانت تستهدف ذات مرة رقماً قياسياً قدره 35 مليار دولار لإدراجها المزدوج في هونج كونج وشنغهاي.
حالياً، يمكن أن تنخفض قيمة الشركة إلى 29 مليار دولار من 320 مليار دولار سابقاً، وفقاً لمحلل بلومبرغ إنتليجنس، فرانسيس تشان.
حشد البيانات
تمتد حملة الصين على شركات الإنترنت العملاقة لأبعد من استئصال ممارسات، مثل: الاتفاقيات الحصرية القسرية، والتسعير الجائر.
قد تكون لمحاولات تخفيف قبضة "علي بابا" وأقرانها على الكمِّ الهائل من البيانات التي جمعوها، آثار بعيدة المدى، ويقال، إنَّ الحكومة تستكشف عدداً من النماذج والإجراءات لإجبار الشركات على فتح حواجز البيانات.
تضخُّ بكين الأموال في البنية التحتية الرقمية، وتقوم بصياغة قوانين جديدة بشأن استخدام البيانات، وبناء مراكز بيانات جديدة في جميع أنحاء البلاد، بهدف جعل الصين رائدة في تحوُّل الاقتصاد العالمي خلال العقود القليلة القادمة.
وأعلنت "شي جينبينغ" عن نيَّتها في مارس ملاحقة شركات "المنصات" التي تجمع البيانات لتحسين خدماتها، وإنشاء منتجات أفضل تسمح لها بإنشاء احتكارات طبيعية تضغط على المنافسين الأصغر.
وسائل الإعلام والصفقات
مثل عمالقة التكنولوجيا الصينيين الآخرين، نفَّذت شركة "ما" في السابق سلسلة من عمليات الاندماج، والاستحواذ الضخمة من خلال ما يسمى بـ"هيكل كيان المصلحة المتغيرة"(Variable Interest Entity Structure)، الذي يعمل على أسس قانونية مهتزة.
تخضع هذه الممارسة حالياً، للتدقيق من قبل إدارة الدولة لتنظيم السوق، التي بدأت في مراجعة الصفقات القديمة.
وأصدرت الحكومة منذ ديسمبر، سلسلة من الغرامات على الشركات لعدم سعيها للحصول على تصريح لمكافحة الاحتكار، وهي خطوة قد تقلل من إبرام الصفقات المستقبلية، وتعيق قدرة "علي بابا" على التهام الشركات الناشئة الواعدة، أو ببساطة شراء المنافسين الذين يهددون هيمنتها.
في ديسمبر صدرت أوامر لشركة "علي بابا" بدفع 500 ألف يوان مقابل صفقة في عام 2017 تتضمَّن حصتها في مشغل المتجر المتعدد الأقسام "إنتايم ريتيل غروب".
وقد يتمُّ تسليط الضوء على صفقات أخرى من هذا القبيل، ومن بينها استحواذها على خدمة توصيل الطعام "إيل دوت مي"، والاستثمار في مشغِّل سلسلة السوبر ماركت "صن آرت ريتيل غروب".
أما في أسوأ السيناريوهات، فقد تضطر "علي بابا" إلى التراجع عن تلك الاستثمارات، إن تبين أنَّها انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار.
في غضون ذلك، تريد الحكومة الصينية من "علي بابا" بيع بعض أصولها الإعلامية، بما في ذلك "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، بسبب المخاوف المتزايدة بشأن تأثير التكنولوجيا العملاقة على الرأي العام في البلاد، بحسب ما قال شخص مطَّلع على الأمر.
تمتلك الشركة حصة كبيرة في "ويبو" (Weibo) التي تشبه "تويتر"، وتمتلك "يوكو" (Youku)، إحدى أكبر خدمات البث في الصين، إضافة إلى "إس سي إم بي"، الصحيفة الرائدة باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ.
المضي قدماً
بالنسبة إلى "علي بابا"، كانت الغرامة البالغة 2.8 مليار دولار، أقل شدة مما كان يخشى الكثيرون، وتساعد في رفع سحابة عدم اليقين التي تخيم على إمبراطورية "ما".
بعد الغرامة، قال نائب رئيس مجلس الإدارة، جوزيف تساي، للمستثمرين، إنَّ الشركة "سعيدة بوضع هذا الأمر خلفها"، وإنَّها ليست على علم بأيِّ تحقيقات أخرى في أعمالها.
حالياً، يبدو أنَّ اهتمام بكين يتجه إلى منافسيها. بعد أيام من تركيع العملاق الذي يتخذ من هانغتشو مقرّاً له، استدعت هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار 34 من أكثر شركات التكنولوجيا نفوذاً في البلاد، وأمرتهم بالتعلُّم من مثال "علي بابا". وقيل لهم، إنَّ عليهم التعهد بالامتثال للوائح، وتمَّ منحهم شهراً واحداً لتصحيح ممارساتهم التجارية، وهو الموعد النهائي الذي ينتهي هذا الأسبوع.
كانت "ميتوان" (Meituan) عملاق توصيل الطعام الهدف الأكثر وضوحاً. وقد أعلنت السلطات في إبريل أنَّها بدأت تحقيقاً في مزاعم انتهاكات مثل التفرد القسري، وهي التهم الموجهة نفسها ضد شركة "ما".
كما تعرَّضت شركة توصيل الطعام "بيندودو" (Pinduoduo) سريعة النمو، التي تغلَّبت مؤخراً على "علي بابا" من ناحية عدد المستخدمين السنويين لأوَّل مرة، لانتقادات من مجلس المستهلكين في شنغهاي هذا الأسبوع لإضرارها بحقوق المستهلك.
في غضون ذلك، تستعد بكين لفرض غرامة لا تقل عن 1.6 مليار دولار على شركة "تينسنت هولدينغز"، بحسب ما أفادت "رويترز"، مضيفةً أنَّ أعمالها في مجال البث الموسيقي تخضع لتدقيق خاص.
يرى المنظِّمون الماليون أيضاً أنَّ أكبر شركة في آسيا تستحق مزيداً من الإشراف بعد التضييق على "آنت"، وفقاً لما قاله أشخاص على دراية بتفكيرهم لـبلومبرغ في مارس.
وقال مكتب رئيس الاستثمار في "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" في تقريره الصادر في مايو: "يمكن للشركة إدارة الغرامة المفروضة على "علي بابا" برغم ارتفاعها القياسي، وتثبت أنَّ بكين تسعى للتغيير وليس الاضطراب، من وجهة نظرنا. كما أنَّه يعطي لمحة عما يمكن أن تتوقَّعه الشركات الأخرى الواقعة تحت المجهر التنظيمي من ناحية مبلغ العقوبة، وتغييرات إعادة الهيكلة".