قبل عام مضى، كان المستثمرون في الأسهم والخبراء الاستراتيجيون يتوقعون أن تكون 2024 سنة مضطربة، مع القلق من احتمال حدوث هبوط اقتصادي كبير في الولايات المتحدة الأميركية وتأخر تخفيض أسعار الفائدة بدرجة لا تكفي لتجنب هذا التراجع.
مع بداية العام، لم يتوقع الكثيرون أن يسجل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" واحدة من أفضل مكاسبه السنوية في التاريخ. كما لم يكن متوقعاً أن نشهد صعوداً قوياً آخر تقوده حفنة من عمالقة التكنولوجيا، وأن تكون الثقة في صعود السوق قوية لدرجة أن المخاطر المتتالية لم تترك أثراً يذكر.
في أواخر 2023، كان التباطؤ الاقتصادي هو السيناريو الأساسي للعديد من خبراء الاقتصاد، بينما ظل التضخم مصدر قلق رئيسي، ما جعل مسار السياسة النقدية وآفاق الأرباح للشركات غير واضح. لكن مع انخفاض أسعار الفائدة واستمرار النمو القوي وارتفاع الأرباح، صعدت السوق إلى مستويات مرتفعة، بينما ظلت التقلبات منخفضة رغم سلسلة الأحداث الخطرة.
أسهم شركات الذكاء الاصطناعي
أصبحت الفجوة بين الأداء السنوي لمؤشر "ناسداك 100" و"ستاندرد أند بورز 500" أقل مقارنة بما كانت عليه تاريخياً، إذ سجل كلا المؤشرين مكاسب تجاوزت 20%. وأسهمت شركة "إنفيديا" التي تعد رمزاً لقطاع الذكاء الاصطناعي، في هذا الأداء بتضاعف قيمتها ثلاث مرات مرة أخرى في 2024، ما دفع قطاع التكنولوجيا بأكمله للصعود.
بعد عام قوي بالفعل في 2023، لم يكن الكثيرون يتوقعون أن يتكرر هذا الأداء في العام التالي. وقال ويليام ديفيز، المدير التنفيذي العالمي للاستثمارات في شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments): "شهدنا طفرة استثنائية في الأسهم، لا سيما في أميركا. كان نمو الاقتصاد الأميركي قوياً، واستمر التضخم في الولايات المتحدة في التراجع بصورة مطردة".
ظلت تقلبات السوق طفيفة، ولم يكن هناك سوى فترة ركود واحدة كبيرة مع حدوث تراجع في الصيف بلغ ذروته بموجة هبوط في أوائل أغسطس. واستمرت تلك الفترة أقل من شهر، ولم تصل إلى حد الانخفاض بنسبة 10%، الذي يعتبر عادة حركة تصحيحية.
لم يهدأ تدفق الأموال الداخلة لسوق الأسهم، ما ساعد على تحقيق الاستقرار في الأسواق، إذ تسارع هذا الزخم بصورة أكبر خلال العام الحالي. وبحسب أحدث تحليل لتدفقات الأموال من "بنك أوف أميركا"، فقد تم ضخ أكثر من تريليون دولار في سوق الأسهم الأميركية منذ 2020، مع تسجيل رقم قياسي بلغ 141 مليار دولار خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ويوصي خبراء استراتيجيون بقيادة مايكل هارتنت بالاستثمار طويل الأجل في الأسهم، مع الرهان على سيناريو "ازدهار أميركي" خلال الربع الأول من العام المقبل قبل تحويل التركيز إلى الأسهم الدولية في وقت لاحق.
موقف الأسواق العالمية
رغم أن التوترات الجيوسياسية شكلت تهديداً مستمراً، إلا أن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط والحرب المستمرة في أوكرانيا والانتخابات الرئاسية الأميركية لم تُثر مخاوف قوية. وعلى صعيد الصين، فقد أطلقت موجة من الحوافز الاقتصادية، ورغم أنها لم تتجاوز الصعوبات بعد، إلا أن ذلك كان كافياً للحفاظ على الصورة بشأن الاقتصاد العالمي القوي.
حتى أسواق أوروبا حققت أداءً جيداً. فقد سجلت معظم المؤشرات الرئيسية لدول المنطقة مكاسب خلال العام الحالي، رغم النظرة الاقتصادية غير المستقرة وانهيار الحكومات في فرنسا وألمانيا. لكن المكاسب القوية في الولايات المتحدة كانت كبيرة لدرجة أن مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي يستعد لتسجيل واحد من أسوأ أعوامه إذا ما قورن بمؤشر "ستاندرد أند بورز 500". كما شكلت الأسهم الفرنسية استثناءً نادراً بين أسواق الدول المتقدمة، إذ عانت من ضعف الأداء جراء الاضطرابات السياسية.
مع اقتراب العام الجديد، يميل المزاج العام هذه المرة نحو التفاؤل، إذ لا يتوقع أحد في "وول ستريت" حدوث حركة تصحيحية كبيرة، رغم وجود بعض الشكوك حول قدرة الأسهم على تحقيق 3 أعوام متتالية من الأداء القوي.
اختتم ويليام ديفيز من شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" بالقول: "لا تزال توقعات نمو الأرباح خلال 2025 في الولايات المتحدة متفائلة، إذ تبلغ حوالي 15%. هذا الأداء القوي يُعد مفاجأة إلى حد ما، لأن الاقتصاد العالمي لا يخلو من المخاطر ونحن نتجه صوب 2025".