تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية مع تكهنات بأن السوق تجاوزت المنطق بعد الانتخابات الأميركية، مما عوض الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل خفض أسعار الفائدة.
فقدت الأسهم زخمها في الساعات الأخيرة من التداولات في نيويورك، حيث كاد مؤشر "إس آند بي 500" يمحو تقدماً مدفوعاً جزئياً ببيانات التضخم المتوافقة مع التوقعات. قدمت شركة "سيسكو سيستمز" توقعات متفائلة للفترة الحالية، لكن التوقعات السنوية المحافظة لم تطلق أي رد فعل من المستثمرين.
تفوقت سندات الخزانة قصيرة الأجل، حيث انخفض العائد على السندات لأجل عامين من أعلى مستوى له منذ يوليو. رفع تجار المبادلات احتمال تخفيض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في 18 ديسمبر، إلى حوالي 80%. استقر الدولار عند أعلى مستوى له في عامين، قلصت بتكوين مكاسبها بعد أن تجاوزت في وقت سابق 93 ألف دولار.
البحث عن أعذار
قال بريت كينويل من "إي تورو" (eToro) إنه "بعد ارتفاع الأسهم بشكل هائل، يبحث المستثمرون عن أي عذر يمكن أن يؤدي إلى تراجعها. ارتفعت الأسواق بعد الانتخابات، مما غرس عقلية الشراء عند انخفاض الأسعار". وأضاف: "إذا باع المستثمرون في الأمد القريب، فمن المرجح أن تكون التراجعات سطحية، حيث يقوم مديرو الصناديق بالشراء عند الانخفاض، ويتطلعون إلى مطاردة الأداء حتى نهاية العام".
جلب مؤشر أسعار المستهلك الذي تطابق مع التقديرات، درجة معينة من الراحة للمتداولين الذين يخشون أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى وقف تخفيف السياسة النقدية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، ركز العديد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي على حالة عدم اليقين العميق لديهم بشأن مدى الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة، مما يسلط الضوء على الصعوبة التي يواجهها صناع السياسات في محاولة تحديد الإطار المناسب للحفاظ على استقرار الاقتصاد.
ولم يشهد مؤشر "إس آند بي 500" تغيراً يُذكر، في حين انخفض مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 0.2%، وارتفع مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 0.1%. كما ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنقطتي أساس إلى 4.45%، وصعد مؤشر "بلومبرغ للدولار الفوري" بنسبة 0.4%.
قراءة متوافقة مع التوقعات
اعتبرت سيما شاه من "برينسيبا أسيت مانجمنت" (Principal Asset Management) أن "رقم التضخم الأكثر قوة من المتوقع، قد يقنع الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل من دون تغيير"، منبهة إلى أن خفض ديسمبر لا يزال مطروحاً.
على الرغم من ارتياح السوق بتقرير مؤشر أسعار المستهلك يوم الأربعاء، فإن الأرقام الأخيرة تؤكد أيضاً على الطبيعة البطيئة والمحبطة للمعركة ضد التضخم، والذي غالباً ما تحرك صعوداً وهبوطاً، وأحياناً لعدة أشهر في كل مرة، في طريقه نحو الانخفاض.
وقال جوش جامنر من "كلير بريدج إنفستمنت" (ClearBridge Investments) إن أرقام مؤشر أسعار المستهلك المتوافقة مع التوقعات تظهر أنه على رغم إحراز تقدم كبير في مكافحة التضخم، فإن "الخطوة الأخيرة تثبت أنها أكثر تحدياً"، مضيفاً أن "الضغوط التضخمية الأساسية تظل أعلى بشكل متواضع من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. ومع ثبات التضخم، لا ينبغي أن تشهد السوق تحولاً كبيراً نتيجة لبيانات اليوم".
اعتبر ستيفن جونو وميغان سويبر وأليكس كوهين من "بنك أوف أميركا كورب"، إن هذه الأرقام بمثابة "عمل الفيدرالي المعتاد". وأضافوا أن "التضخم يتحرك صعوداً وهبوطاً على أساس سنوي، ولكن لا يوجد في تقرير اليوم ما من شأنه أن يثير قلق بنك الاحتياطي الفيدرالي. لذلك، يظل خفض أسعار الفائدة بـ25 نقطة أساس في ديسمبر هو موقفنا الأساسي".
في "سيتي غروب"، حافظ خبراء الاقتصاد على وجهة نظرهم بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في ديسمبر، بعد بيانات مؤشر أسعار المستهلك.
كتب فيرونيكا كلارك وأندرو هولينهورست من "سيتي غروب" في مذكرة، أنه "بينما تظل تفاصيل التقرير متقلبة وليست طبيعية تماماً، فإن تخفيف ضغوط الأجور، وانخفاض توقعات التضخم في الأمد القريب، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة في التأثير على الطلب على المساكن والأسعار، عوامل تدفع مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي للشعور بالارتياح لأن مسار التضخم يتباطأ".
اقتصاد قوي
يرى برستون كالدويل من "مورنينغ ستار" إن هناك احتمالاً لأن تدفع العوامل الخارجية ببنك الاحتياطي الفيدرالي إلى عدم خفض الفائدة في ديسمبر، ولكنه لا يزال يعتقد أن الفيدرالي سيعمد إلى خفض الفائدة الشهر المقبل.
قالت لورين غودوين من "نيويورك لايف إنفستمنتس" (New York Life Investments)، إن جيروم باول أكد أن الاحتياطي الفيدرالي يعتقد أن السياسة النقدية لا تزال مقيدة، وأنهم متمسكون بمسار خفض أسعار الفائدة"، مضيفة: "نحن نتفق مع توقعات السوق الحالية بشأن تسعير خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة".
بعد خفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، عمل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بجد لعدم تقديم إرشادات مستقبلية حول الاتجاه الذي قد تتجه إليه أسعار الفائدة، مع إبقاء خياراته مفتوحة لاجتماع ديسمبر وما بعده.
وأكد أن المسؤولين يمكنهم أن يأخذوا وقتهم لخفض أسعار الفائدة لأن الاقتصاد قوي، وقال أيضاً إن السياسة النقدية لا تزال مقيدة، حتى بعد خفض نوفمبر، وأن صناع السياسات في طريقهم لإيصال أسعار الفائدة إلى مستويات محايدة.
مع استمرار التضخم بعناد فوق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، فقد يكون لدى المركزي الأميركي فرصة لخفض سعر الفائدة مرة واحدة فقط في ديسمبر، قبل الإبقاء عليها دون تغيير، وفقاً لسكايلر وايناند من "ريغان كابيتال" (Regan Capital).
ولفت إلى أن تحرك الأسواق المالية المذهل بعد الانتخابات خفف الظروف المالية بشكل فعال. وأضاف أن هذا التخفيف، إلى جانب التحفيز المالي القادم، يمكنهما تبرير وقفة مؤقتة في خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب للسماح باستقرار الأمور، ومعالجة المزيد من البيانات الواردة.
وتابع أن خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل، إلى جانب التحفيز المالي المستقبلي، قد يشعلان التضخم مرة أخرى، ويوفران سبباً لارتفاع أسعار الفائدة على المدى الأطول، مضيفاً أنه يتوقع ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، إلى 5% في عام 2025.
توقعات الركود
في الواقع، أظهر استطلاع حديث أجرته شركة "22 في ريسرتش" (22V Research) قبل صدور مؤشر أسعار المستهلك، أن نسبة المستثمرين الذين يتوقعون ركوداً قد انخفضت، في حين زادت نسبة أولئك الذين يعتقدون أن الظروف المالية بحاجة إلى تشديد، إلى أعلى مستوى منذ يونيو الماضي.
تلاحظ إلين زينتنر من "مورغان ستانلي لإدارة الثروات"، أن "الأسواق تسعر بالفعل احتمال قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة العام المقبل بأقل مما كان يُعتقد سابقاً، وقد يضغط الفيدرالي على زر الإيقاف المؤقت في وقت مبكر من يناير".
من جهته، قال جيفري روتش من "إل بي إل فاينانشيال" (LPL Financial) إن "مكونات التضخم العنيدة تستمر في التحرك، ما يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي بعض الحرية لخفض أسعار الفائدة الشهر المقبل، ولكن من المرجح أن يتوقف في يناير".
وأضاف أن "قوة بعض المؤشرات تحافظ على الضغط الصعودي على الأسعار، حيث لم يتباطأ إنفاق المستهلك بعد. من المرجح أن يؤدي النمو الاقتصادي الأقوى من المتوقع إلى إبقاء عائدات السندات مرتفعة".
بينما تجاهل المستثمرون آخر الأخبار حول التضخم في الولايات المتحدة، يبدو أنهم قلقون بشكل متزايد بشأن آفاقه على المدى الأطول، وفقاً لديانا إيفانيل من "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics)، مضيفة: "إننا نشاركهم وجهة نظرهم، ونتوقع أن ترتفع عائدات سندات الخزانة قليلاً".
وفي إدارة الأصول في "غولدمان ساكس"، تقول ليندسي روزنر، إنه بعد سلسلة من البيانات القوية غير الموسمية، فإن أحدث مؤشر لأسعار المستهلك يهدئ المخاوف من تباطؤ وشيك في وتيرة خفض أسعار الفائدة.
وتابعت: "مع ذلك، ومع ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسات المالية والتجارية، هناك خطر يتمثل في أن يختار بنك الاحتياطي الفيدرالي إبطاء وتيرة التيسير، مع دخول العام الجديد".
قلق سوق الخيارات
رأى ديفيد راسل من "ترايد ستايشن" (TradeStation) أن الوقت حان "للتوقف عن القلق بشأن الاحتياطي الفيدرالي والتضخم"، مضيفاً: "كانت الأسهم ترتفع بشكل آلي منذ الانتخابات، ولم تفعل أرقام اليوم شيئاً لإيذاء هذا الاتجاه. لا يزال خفض شهر ديسمبر مطروحاً".
من جهتهم، يقول محللون في "سيتي غروب" إن سوق الخيارات أكثر قلقاً بشأن تحرك كبير محتمل في مؤشر "إس آند بي 500" الأسبوع المقبل جراء تقرير أرباح شركة "إنفيديا"، أكثر من قلقها بشأن أرقام أسعار المستهلك يوم الأربعاء.
يراهن المتداولون على تحرك بنسبة 0.9% لمؤشر الأسهم الأميركي القياسي في أي اتجاه في 21 نوفمبر، وهي الجلسة التي تلي إعلان شركة صناعة الرقائق العملاقة عن نتائجها بعد جرس الإغلاق.
على مدار الشهر المقبل، يتم تسعير "إنفيديا" الآن باعتبارها الحدث الأكبر لسوق الأسهم. غالباً ما تأتي المخاوف قصيرة الأمد بشأن البيانات الكلية في المرتبة الثانية عندما يكون الأمر مرتبطاً بشركات التكنولوجيا، إذ يتم التركيز على الإنجاز الجديد المتوقع في مجال الذكاء الاصطناعي.