بعد انهيار شركة "ليمان براذرز هولدينغز"، تم إلقاء اللوم على شركات التصنيف الثلاث الكبرى لدورها في أزمة الرهن العقاري؛ حيث لم يكن من الممكن تسويق وبيع المنتجات المورقة المتعثرة بدون ختم موافقتها على درجة الاستثمار.
وفي الواقع، فقد اعتمد المستثمرون على تصنيفاتها بشكل أعمى غالباً.
وبعد أكثر من عقد من الزمن، بدأت دراما مماثلة تتكشف مع شركة "تشاينا هوارونغ آست مانجمنت" المملوكة للدولة؛ فبعد أن فشلت الشركة في الإفصاح عن بياناتها المالية لعام 2020 في الوقت المحدد وسط تقارير إعلامية عن إعادة هيكلة عميقة، أصبحت الشركة المسؤولة عن إدارة الأصول المتعثرة هي إحدى هذه الأصول المتعثرة في حد ذاتها؛ حيث يتم تداول سنداتها الدائمة البالغة 4.5% بسعر 70 سنتاً على الدولار، وهي لا تتوافق على الإطلاق مع تصنيفاتها الآمنة كالنقد.
ومع وجود 22 مليار دولار من السندات الدولارية المستحقة، فإن لدى "هوارونغ" إصدارات مستحقة كل شهر حتى الصيف.
البحث عن مخرج من الورطة
وفي هذا الصدد، بدأت شركات التصنيف الثلاث في السعي وراء مخرج من ورطتها، حيث قامت شركتا "إس آند بي غلوبل ريتينغز"، و"موديز انفستمنتس" بوضع شركة "هوارونغ" في حالة مراقبة ائتمانية سلبية في وقت سابق من هذا الشهر، كما حذت شركة "فيتش ريتينغز" حذوهما، وأخذت خطوة أبعد يوم الاثنين، حيث خفضت تصنيف "هوارونغ" بثلاثة مستويات إلى BBB هبوطاً من A.
علاوةً على ذلك، أصدرت شركة "تشاينا تشنغ شين إنترناشونال كريدت ريتينغ"، وهي وكالة محلية لديها تصنيفات AAA على أوراق اليوان في شركة "هوارونغ"، مراقبة ائتمانية سلبية في 14 أبريل وسط عمليات البيع الخارجية الأوسع.
وفي الواقع، فهي خطوة متأخرة جداً؛ فبفضل هذه الأختام المطاطية، أصبحت "هوارونغ" واحدة من أكبر شركات الإصدار الصينية في الخارج، على الرغم من شروطها غير المواتية.
وفي حال تخلفها عن السداد، سيكافح الأجانب لاستعادة أموالهم. كما أن هذه السندات ليست مضمونة من قبل الشركة الأم التي يقع مقرها الرئيسي في بكين، وإنما من خلال شركة تابعة خارجية تعاني من ضائقة مالية.
وفي الوقت نفسه، شهدت الشركات الأخرى المملوكة للدولة ذات التصنيف الاستثماري، مثل شركة "يونان إنرجي انفستمنت أوفرسيز فاينانس"، تراجع سنداتها الدولارية أيضاً، في إشارة إلى أن المستثمرين يفقدون الثقة في التصنيفات. والسؤال المطروح هنا هو كيف أخطأت "موديز" و"إس آند بي" و"فيتش" في فهم شركة "تشاينا هوارونغ"؟
تحليلات مضللة
في حال وجود شركة مملوكة للدولة، لا ينظر محللو الائتمان ببساطة إلى قوتها المالية المستقلة، وإنما أيضاً إلى احتمال قيام الحكومة بتقديم الدعم الاقتصادي.
وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون العلاقة بين الاثنين وثيقة للغاية لدرجة أن تحليل الائتمان المستقل هو "إما غير ذي صلة أو مضلل"، وذلك وفقاً لتقرير المنهجية الذي نشرته وكالة "موديز" العام الماضي.
واعتباراً من يونيو الماضي، كانت "هوارونغ" مملوكة بنسبة 57% لوزارة المالية. وعند تأسيسها في عام 1999، كانت ولاية "هوارونغ" وغايتها هي مساعدة البنوك على التخلص من أصولها المتعثرة.
ومع وجود 2.7 تريليون يوان (416 مليار دولار) من القروض المتعثرة في النظام،ستحصل شركة إدارة الأصول هذه على "مستوى عالٍ جداً" من الدعم الحكومي، وفقاً لـ "موديز".
وعلى الرغم من أن "هوارونغ" ككيان مستقل لا تستحق سوى تصنيف B1 للسندات ذات المخاطر، إلا أن نتيجتها النهائية حصلت على رفع سبع درجات إلى A3.
الأولويات الاقتصادية قد تتغير سريعاً
ومع بطاقات النتائج والتحليلات الافتراضية المشتركة، قد يبدو هذا النوع من نظام التصنيف خيالياً. ومع ذلك، فإنه لا يعمل بشكل جيد مع الصين، حيث يمكن أن تتغير الأولويات الاقتصادية الكبرى بسرعة أكبر مما يدركه الأجانب.
كما يمكن أن تصبح المناطق التي تُعد استراتيجية غير مهمة بين عشية وضحاها.
علاوةً على ذلك، وبعد قيامها بعملها لخدمة مصالح الحكومة، يمكن أن تفقد الشركات المملوكة للدولة مكانتها بمرور الوقت؛ وغالباً ما تكون شركات التصنيف بطيئة جداً في التعرف على الرياح السياسية المتغيرة.
على سبيل المثال، اتخذت الصين مؤخراً خطوة قوية باتجاه مكافحة الاحتباس الحراري - كما يدل على ذلك تعهد الرئيس "شي جين بينغ" بخفض صافي انبعاثات الكربون بحلول عام 2060 –والتي أدت إلى إغلاق العديد من مناجم الفحم.
وليس من المستغرب أننا شهدنا أيضاً موجة من التخلف عن السداد في الشركات المملوكة للدولة من الكيانات المرتبطة بالفحم؛ ففي 9 مارس - عندما تأخرت شركة "تشونغتشينغ إنرجي إنفستمنت غروب"، أكبر مشغل للفحم في المدينة والمملوكة من قبل الحكومة البلدية، عن موعد تقديم خطاب اعتماد محلي - كانت "فيتش"ما تزال تمنحها تصنيف BBB من الدرجة الاستثمارية؛ في حين كان يتعين عليها الانتباه إلى الدلالات الواضحة.
وفي يناير، أصدرت حكومة "تشونغتشينغ" توجيهاً يفرض إغلاق محطات الفحم التي عفا عليها الزمن، مما ألحق الضرر المباشر بالجوانب المالية للشركة المملوكة للدولة.
وبالمثل، يجدر بنا التساؤل عما إذا كان محللو الائتمان قد أخذوا بعين الاعتبار احتمال أن تصبح شركة "هوارونغ" غير مستساغة سياسياً وقابلة للاستبدال أيضاً.
ففي ديسمبر، أضافت بكين شركة خامسة لإدارة الديون المعدومة - وهي شركة "تشاينا غالاكسي آست مانجمنت" - للانضمام إلى صفوف "هوارونغ".
وستكون "غالاكسي" أول شركة وطنية لإدارة الديون المعدومة يتم إنشاؤها منذ أكثر من عقدين.
وفي يناير، حُكم على رئيس "هوارونغ" السابق "لاي شياومين" بالإعدام، وهي عقوبة غير عادية لارتكابه جريمة مالية؛ حيث تم إعدامه بعد أسابيع فقط.
حملة لتقليل الديون
وفي غضون ذلك، تتغير رياح الاقتصاد الكلي أيضاً. وبتشجيع من الانتعاش الاقتصادي القوي، عادت الصين إلى حملتها لتقليل المديونية المؤسسية، التي بدأت في أواخر عام 2017 إلا أنها خرجت عن مسارها بسبب الحرب التجارية التي شنها الرئيس "دونالد ترمب" والتي تلاها في وقت لاحق تفشي كوفيد-19.
وعلى سبيل المثال، أصدر في 13 أبريل، مجلس الدولة، وهو الهيئة السياسية النهائية التي تحكم وزارة المالية صاحبة الأغلبية في "هوارونغ"، بياناً شديد اللهجة بشأن ميزانيات البلديات، حيث حظر فيه زيادة الديون الضمنية وطالب بإعادة هيكلة وسائل التمويل المعسرة. وقد تم الإدلاء بتعليقات مماثلة في عام 2018.
واعتباراً من يونيو الماضي، ووفقاً لأحدث تقرير مالي متاح، امتلكت "هوارونغ" 1.7 تريليون يوان من الأصول وكان لديها 168 مليار يوان فقط من الأسهم؛ حيث أن شطب الأصول بنسبة 10% فقط من قبل شركة كانت مارقة مع جميع أنواع الاستثمارات غير الأساسية مثل الظل المصرفي، كان من الممكن أن يقضي على حقوق ملكيتها.
ونتيجة لذلك، فإن أي تأخير في وضع خطة إعادة رسملة ذات مغزى قد يؤدي إلى تكبّد حاملي السندات الدولارية لخسارة كبيرة.
بالطبع، فإن النظر إلى الماضي بعين الحاضر يُعطي صورة كاملة. ولكن في اللحظة التي يبدأ فيها المرء في إعادة تقييم مدى الدعم الحكومي، فإن الشركات المملوكة للدولة والتي تم التغاضي عن أوضاعها المالية السيئة بسبب أهميتها الاستراتيجية المتصورة تظهر فجأة تحت الضوء التجاري؛ حيث تبدو أقل جمالاً بكثير تحت هذا الوهج القاسي.
وفي حين تستمر دراما "هوارونغ" في التفاقم، وتتسبّب الصناديق الائتمانية المتخصصة في قضايا الاستثمار في تكبد الخسائر، سيسأل المستثمرون شركات التصنيف حتماً: لماذا لم تعطونا تحذيراً مسبقاً بشكل كافٍ؟