ارتفعت عمليات إدراج الشركات الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية بوتيرة هي الأسرع على الإطلاق، على الرغم من التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، والمخاطر المستمرة المتمثِّلة في شطب هذه الشركات من البورصات الأمريكية.
وجمعت الشركات في البر الرئيسي وهونغ كونغ نحو 6.6 مليار دولار من خلال طرح أسهمها للاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة هذا العام، وهي بداية قياسية لعام، وتزيد ثمانية أضعاف عن الفترة نفسها في عام 2020، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
وتمثِّل أكبر اكتتاب عام أولي في إدراج شركة "آر إل إكس تكنولوجي" (RLX Technology Inc) لتصنيع السجائر الإلكترونية بقيمة 1.6 مليار دولار، يليه اكتتاب بقيمة 947 مليون دولار لشركة البرمجيات "تويا" (Tuya Inc).
ويأتي ذلك بالرغم من التوترات الصينية الأمريكية التي تُظهر علامات قليلة على التراجع، إذ ما يزال شبح التهديد بشطب الشركات الصينية من البورصات الأمريكية قائماً. وقالت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية الشهر الماضي، إنَّها ستبدأ في تنفيذ قانون يجبر شركات المحاسبة على السماح للمنظِّمين الأمريكيين بمراجعة عمليات التدقيق المالي للشركات الخارجية، وسيؤدي عدم الامتثال إلى إلغاء إدراج الشركات في بورصتي نيويورك أو ناسداك.
مخاطر مرتفعة
ولا يوجد شك في أنَّ الخطر بالنسبة لشركات البر الرئيسي مرتفع؛ نظراً إلى أنَّ الصين رفضت منذ فترة طويلة السماح للجهات التنظيمية الأمريكية بفحص عمليات تدقيق شركاتها المدرَجة في الخارج، وذلك على خلفية مخاوف تتعلَّق بالأمن القومي.
وقالت ستيفاني تانغ رئيسة الأسهم الخاصة في الصين الكبرى بشركة المحاماة "هوغان لوفيلز" (Hogan Lovells): "تُقرُّ الشركات أنَّ هذا الخطر محتمل، وفي حال حصل شيء ما، فهي بحاجة للتأهب لمثل هذا اليوم الأسود؛ إلا أنَّ الخطر بحدِّ ذاته لن يمنع تلك الشركات من التوجه نحو الولايات المتحدة، على الأقل في النصف الثاني من هذا العام أو ربما في العام المقبل".
وعلى الرغم من كل المخاطر، يستمر عدد الشركات في النمو، إذ من المحتمل أن يتجاوز العدد هذا العام 2021 عمَّا سُجل في العام الماضي. وقد جمعت الشركات الصينية ما يقرب من 15 مليار دولار من خلال الاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة في عام 2020، وهو ثاني أعلى مستوى على الإطلاق بعد عام 2014 عندما جمعت مجموعة "علي بابا " (Alibaba Group Holding Ltd) العملاقة للتجارة الإلكترونية مبلغ 25 مليار دولار أثناء تعويمها.
إقبال بلا رادع
و أفادت "بلومبرغ" أنَّ شركة "ديدي تشوكسينغ" (Didi Chuxing) تقدَّمت بسرية بطلب اكتتاب عام أولي في الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، الذي يمكن أن يقدِّر قيمة الشركة الصينية العملاقة لخدمات نقل الركاب بما يصل إلى 100 مليار دولار.
وقال أشخاص مطَّلعون طلبوا عدم ذكر أسمائهم، إنَّ شركة "فول ترك أليانس" (Full Truck Alliance)، التي تشبه "أوبر" (Uber)، تعمل أيضاً على إدراج أسهمها في الولايات المتحدة هذا العام، ويمكن أن تجمع حوالي ملياري دولار.
و قال كالفين لاي، الشريك في شركة "فريشفيلدز براكهاوس ديرينغر" (Freshfields Bruckhaus Deringer): "لا يبدو أنَّ هناك ما يردع الشركات الصينية في الاقتصاد الجديد عن السعي وراء إدراج أسهمها في الولايات المتحدة، على الرغم من التوترات المستمرة؛ إذ تنظر إليها على أنَّها إحدى المخاطر، إلا أنَّها ليست جديرة بثنيها عن عزمها".
و حظيت مبيعات الأسهم الإضافية للشركات الصينية بقبول جيد في الولايات المتحدة هذا العام؛ فقد حقَّقت في الجلسة التالية لطرحها متوسطاً عائداً بنسبة 11٪ من أسعار طرحها، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
طرح مزدوج
وفي حين غيَّرت المراكز المالية المنافسة مثل هونغ كونغ قواعد الإدراج الخاصة بها في السنوات الأخيرة لتسهيل طرح الشركات الاقتصادية الجديدة للاكتتاب العام هناك، إلا أنَّ ذلك لم يوقف تدفق الشركات إلى الولايات المتحدة.
وتسير حركة المرور الآن في كلا الاتجاهين، فقد حصلت الشركات الصينية المتداولة في الولايات المتحدة على إدراج ثانٍ في هونغ كونغ لتوسيع قاعدة مستثمريها، وكتحوط ضد مخاطر الشطب.
وأظهرت بيانات "بلومبرغ أنَّ مثل هذه الإدراجات الثانوية جمعت ما يقرب من 17 مليار دولار العام الماضي، وحقَّقت بالفعل أكثر من 8 مليارات دولار هذا العام؛ فقد أشار مصرفيون إلى أنَّ العديد من الشركات تتوجه نحو الولايات المتحدة مع العلم أنَّها يمكن أن تُدرج لاحقاً في هونغ كونغ.
و تستكشف شركة "ديدي" أيضاً طرحاً مزدوجاً محتملاً في هونغ كونغ لاحقاً، كما قال شخص مطَّلع على الأمر، في حين تبحث شركة صناعة السيارات الكهربائية الصينية "إكسبنغ" (Xpeng Inc) أيضاً بيع أسهمها في المركز المالي بعد أقل من عام على طرحها للاكتتاب العام في نيويورك.
جاذبية لا تضاهى
وكثيراً مااجتذبت أسواق رأس المال الأمريكية الشركات الصينية لعدد من الأسباب، التي تشمل السيولة الأكبر لديها، وقاعدة المستثمرين الأوسع، والجاذبية المرتبطة بالإدراج في الولايات المتحدة، كما توافدت شركات التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية على الولايات المتحدة بسبب عملياتها الأكثر انسيابية، فضلاً عن الانفتاح الأكبر على الشركات الخاسرة.
وقالت "تانغ": "ما تزال الولايات المتحدة نقطة جذب للاكتتابات العامة لشركات التكنولوجيا الصينية؛ وفيما يتعلَّق بتدفُّق الشركات نحوها، فأنا لا أرى أيَّ سبب يدعو لتوقُّفه، بل أعتقد أنَّه قوي للغاية".