أدى الإحباط الناتج عن اقتصاديات كرة القدم الأوروبية إلى توحيد آراء رئيس فريق ريال مدريد فلورنتينو بيريز وعائلة الملياردير أغنيلي، حيث يحاول الاثنان حالياً إصلاح أقوى دوري أوروبي لكرة القدم، وذلك استناداً إلى المبدأ الذي يقوم على ضرورة الازدهار التجاري للأندية الكبرى تماماً مثل الأعمال الأخرى التي يشرفون عليها.
وعلى ما يبدو أن الذكاء التجاري لدى كل من بيريز وأغنيلي أوصل الرجلان إلى أقصى ما يمكن أن يصلا إليه حالياً في كرة القدم. فلقد أسس بيريز شركتي البناء، "آكتيفيداديس" و"هوتشتيف" (Hochtief AG)، من خلال عمليات استحواذ ذكيّة أوصلت حصص التملّك الصغيرة إلى طريق طويل. وفي عام 2017، تحدى بيريز المستضعف خطة "أتلانتيا" (Atlantia SpA) لشراء شركة "آبيرتيس" (Abertis) الإسبانية للطرق السريعة بدعم من عائلة الملياردير بينيتون. ونجح بيريز لاحقاً في إحباط المزاد من خلال إجبار مجموعة شركات البنية التحتية الإيطالية لإدخاله فيها كشريك.
النادي الذي لم ينجح تجارياً
على الجانب الآخر، تدير عائلة أغنيلي أصولها بفاعلية ونشاط، ولديها الخبرة العميقة أيضاً في عمليات الاندماج والاستحواذ. كما تفوقت أداة الاستثمار العائلية المدرجة، "إكسور" (Exor NV)، بيسر على الأسهم الأوروبية خلال العقد الماضي.
إلا أن النجاح في كرة القدم يعتمد بشكل كبير على القوة المالية الضخمة والإنفاق أكثر من المنافسة. فالأندية الإسبانية من أمثال "ريال مدريد" و"برشلونة" مملوكة لمشجعيها ولا يمكنها تحمّل الكثير من الديون إلا للاستثمار في اللاعبين والمرافق فقط. وتكبّد أيضاً نادي "يوفنتوس" لكرة القدم الذي تملك منه عائلة أغنيلي حصة نسبتها 64% ويترأسه آندريا أغنيلي، خسائر تعادل مبلغ 300 مليون يورو (362 مليون دولار) الذي جمعه النادي لزيادة رأس المال في 2019.
بالنظر إلى مكانة "برشلونة" كواحد من أفضل الأندية في العالم، يبدو من الغريب أنه لم ينجح كعمل تجاري، وأن الأجور تمتص إيراداته. كما تجري شركة "إف سي إنترناسيونالي ميلانو" المثقلة بالديون محادثات مع شركة أسهم خاصة لزيادة رأس المال. ومن الواضح أن وباء كورونا كان عاملاً في هذه الصعوبات، إلا أن اقتصاديات كرة القدم الشائكة كانت واضحة فعلياً قبل انتشار الوباء، لأن تكلفة اللاعب تستهلك معظم المطالبات الأخرى المتعلقة بالموارد.
تخفيف الضغوط المالية
يعتبر الدوري الأوروبي الممتاز بقيادة بيريز محاولة صارخة لتحويل اقتصادات كرة القدم لصالح الأندية الكبرى التي تجذب أكبر الجماهير، والابتعاد عن الفرق الأصغر بل واللاعبين ووكلائهم أيضاً. وبذلك، سيضمن الأعضاء الخمسة عشر الدائمون اللعب أمام بعضهم البعض، مما سيزيد من عدد المباريات ذات الأسماء الكبيرة الجاذبة للجماهير الكبيرة. كما سيزيل هذا من مخاوفها بشأن هبوط درجتها إلى مستوى أقل، وربما قد يخفف من الضغط بشأن دفع أثمان النجوم من المواهب الذين قد يساعدونها في تأمين التأهل لمنافسة العام المقبل.
ستحصل الأندية على دخل ثابت وتقييم أعلى.، ولذلك، يصعب علينا هنا ألا نشك في أن بعض الملاك التجاريين للأندية قد يتطلعون إلى إخراج ولو جزء من استثماراتهم منها.
ويجب هنا أن يأتي الرد الواضح على كل ذلك من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مضيف مسابقة دوري أبطال أوروبا الحالي، والذي يتعيّن عليه أن يكون أكثر حزماً في الحد من الإنفاق المفرط على اللاعبين واستكشاف الطرق الأخرى التي ستمكّن الأندية الكبرى من اللعب أمام بعضها البعض بانتظام. وحتى الآن، وفقاً لما نشرته بلومبرغ نيوز، اقتصر رد الاتحاد على التهديدات باستبعاد اللاعبين المشاركين من البطولات الوطنية والدولية، ولكنه يفكّر أيضاً في إصلاح الدوري من خلال التعاون مع شركة إدارة الأصول البريطانية "سينتريكوس" (Centricus).
معضلة المستثمر والمشجع
تدور فكر العمل التجاري حول تقديم شيء ذي قيمة جيدة للأشخاص الذين يدفعون مقابل ذلك، وتقديم عمل بأجر عادل، وإبقاء المجتمع في وضع أفضل. وإذا تم تطبيق نفس المبدأ على كرة القدم، فلا ينبغي أن يكون من الصعب إدارة أندية ومسابقات كروية ذات روح مماثلة. ورغم أن المشجعين الأوروبيين قد يرغبون في مشاهدة المباريات التنافسية بين الفرق الكبرى في كثير من الأحيان، إلا أنهم قد لا يرغبون في أن يتم ذلك في منافسة مغلقة من شأنها الإضرار بالأندية الأخرى.
وقد يكون بيريز وعائلة أغنيلي محقّين بشأن ضرورة وضع "أساس مالي مستدام" للمسابقات، والحاجة إلى تغيير النظام الحالي لكي يتحقق ذلك. ولكن إذا كان الاثنان سينظران من هذا المنظور إلى المشجعين وكأنهم عملاء وإلى الأندية وكأنهم شركات، فهذا يعني أنه سيتعين عليهما منح المعجبين ما يريدونه وأن يكونوا مواطنين مسؤولين.