تقول "لي باي" (Li Bei)، التي تدير صندوق تحوط في شنغهاي، إنَّها علمت بسرعة أنَّ نهج التقلُّب المنخفض للاستثمار، الذي تسبَّب في صعود شركة "بريدجووتر أسوشيتس" محكوم عليه بالفشل في الصين، بالنسبة لشركة ناشئة مثل شركتها.
لم تجذب العوائد الثابتة المستثمرين بما يكفي، بعدما اعتادوا على استلام الأرباح على فترات قريبة. لذلك، استثمرت "باي" أموالها الخاصة، وزادت الرافعة المالية، وحقَّقت مكاسب رائدة في القطاع بنسبة 258% العام الماضي.
تعدُّ "باي" رائدة في إدارة صناديق التحوط الكلية في الصين، التي تتحدَّى فيها الشركات المحلية مع نظيرتها الأجنبية العملاقة، ممن تعاني من أجل التكيف في هذا القطاع، الذي تحقق فيه حتى الصناديق المشتركة ذات الرسوم المنخفضة عائدات كبيرة.
وفي حين أنَّ "مركز إدارة استثمار شانغهاي بانكسيا" (Shanghai Banxia) التابع لـ"باي" يدير فقط حوالي 500 مليون يوان (76 مليون دولار) من الاستثمارات؛ فإنَّها تقول، إنَّ الشركات مثل مؤسستها هي الأفضل لتقييم الكيفية التي تقود بها الصين الاقتصاد العالمي. وتقول "باي"، التي تبلغ من العمر 37 سنة، في مقابلة هاتفية من شنغهاي:
نشعر حقاً أنَّ الصناديق الصينية تتمتَّع بميزة واضحة في تقييم أرباح الشركات وأسعار السلع.. بالنسبة لنا، هذه أوقات جيدة لكسب المال
حقَّقت صناديق التحوط الكلية الصينية عائداً في المتوسط بنسبة 41% خلال عام 2020، أي أربعة أضعاف المستوى العالمي، وفقاً لبيانات من شركة "باي باي وانغ للاستثمار والإدارة" (PaiPaiWang Investment & Management) في شنتشن، وشركة "يوركا هيدج" (Eurekahedge).
وتسبَّب صعود الأرباح لأكثر من ثلاثة أضعاف المستوى السابق بصندوق "بانكسيا ستيبل" التابع لشركة "باي" في تربُّعه على قمة تصنيف هذه الصناديق في الصين.
تشير بيانات "يوركا هيدج" إلى أنَّ العام المتألق الذي عاشته شركة "باي" يمكن أن يعوِّضها عن الخسائر الناتجة عن النزوح الجماعي للمستثمرين في عام 2019، بعدما تضاءلت عوائد شركتها، ووصلت إلى 9% فقط مقارنة بالصناديق المشتركة المحلية الأخرى في السوق الصاعدة، برغم أنَّ هذا المتوسط لا يزال أعلى من المتوسط العالمي للشركات المشابهة، والبالغ 8.9%
استراتيجية غير فعالة
ترى "باي" أنَّ "استراتيجية بريدجووتر غير فعَّالة في الصين"، إذ لم تساعد طريقة تقديم تقريرين بحثيين مجانيين شهرياً في جذب استثمارات جديدة، كما امتنعت المؤسسات الكبيرة أيضاً عن الاستثمار في صندوق "باي" بسبب صغر حجمه.
وعندما كان العملاء يسحبون الأموال من صندوق "بانكسيا ستيبل"، كانت "باي" تضخ بعضاً من أموالها الخاصة في الصندوق، وأضافت رافعة مالية تتراوح بين 250%، و300%.
يقتدي صندوق "بانكسيا ستيبل"، الذي يدير أقل من 200 مليون يوان، بنمط تخصيص الأصول في صندوق "بانيكسا ماكرو" الأكبر حجماً التابع لـ"باي"، لكنَّه يزيد التعرض للسوق من خلال عقد الصفقات المموَّلة بالهامش في قطاعات، مثل: مؤشر الأسهم، والعقود المستقبلية للسلع.
لم يكن تحقيق النجاح العام الماضي مهمة سهلة بالنسبة لـ"باي"، فبعد إدارتها للأموال في صندوق "بوكوم شرودور" في فترة مبكرة من حياتها المهنية، فازت بالعديد من الجوائز في القطاع بسبب جنيها لـ25% أرباحاً سنوية في أوَّل صندوق تحوط عام في الصين، الذي كان يتبع لشركة "هونغو" لإدارة الاستثمار (Honghu Investment Management)، لكنَّ الخسائر التي مُني بها الصندوق في عام 2016 تسبَّبت في خلافات بينها وبين زوجها آنذاك "ليانغ وينتاو"، مؤسس الشركة.
وبعد أن افترقا، أنشأت باي -وهي أم لطفلين- صندوق "بانكسيا" في نهاية عام 2017، وبدأت من الصفر مجدداً في بناء علاقات مع العملاء.
ويقول "ويليام ما"، الذي كان حتى وقت قريب يعمل مديراً للاستثمار في شركة "نواه" القابضة (Noah Holdings) التي استثمرت في صندوق "بانكسيا" في يناير 2018، عن باي: "إنها مديرة صناديق كلية فريدة جداً في الصين، ولديها القدرة على إجراء أبحاث كلية مركَّزة وعميقة للغاية في قطاعات محدَّدة، مثل الفولاذ".
دور الرافعة المالية
تقول "باي" إنَّ مستوى الرافعة المالية في صندوق "بانكسيا ستيبل" المُحدث يقترب من المستوى الذي حدَّده المستثمر الأسطوري جورج سوروس في سيرته الذاتية.
وتضيف: "برغم أنَّ التغيير يبدو جريئاً وبسيطاً، إلا أنَّ اتخاذ التحرُّكات الصحيحة خلال الاضطرابات التي حدثت العام الماضي تتطلَّب منا عمل تقييم شديد الذكاء، وذلك حتى نتمكَّن من تحقيق مكاسب بنسبة 63% في الاستراتيجية الأساسية".
في يناير 2020، كانت "باي" من بين الأوائل الذين توجهوا بسرعة إلى الاستثمار في الأسهم والسلع، ولم تكن تراقب تقارير انتشار فيروس كورونا المستجد وحسب، بل مؤشرات ضعف الاقتصاد أيضاً. وقالت، إنَّ خيارات البيع الرخيصة للغاية سمحت لها بإضافة قوة جديدة للرافعة المالية، مما ساعدها في تحقيق قفزة بنسبة 61% في رافعة صندوق "بانكسيا ستيبل" خلال الربع الأول وسط اضطراب الأسواق.
واحدة من الأفضل
يعتقد "ما"، الذي تابع أداء "باي" منذ أن كانت تعمل في شركة "هونغهو"، أنَّ استخدامها للخيارات الاستثمارية في بناء تداولات كلية مختلفة يعني أنَّ "ملف عوائد شركتها مرتبط ارتباطاً عكسياً بأقرانها العالميين والمحليين". ويضيف قائلاً: "إنَّها حقاً واحدة من أفضل مديري صناديق التحوط الكلية الذين قابلتهم في حياتي على الإطلاق".
إلى جانب منافستها مع ما يقرب من 9000 شركة محلية مشابهة، تتنافس شركة "باي" أيضاً مع أكثر من 30 شركة عالمية تعمل في سوق صناديق التحوط الصينية البالغ حجمها 4.5 تريليون يوان.
ويقول المستثمر الأمريكي الشهير "راي داليو"، إنَّه شعر بالحاجة إلى استثمار "جزء كبير" من محفظته الاستثمارية في الأصول الصينية، وجمعت شركته "بريدجووتر" 900 مليون يوان في صندوقها الخاص الثاني في الصين خلال شهر سبتمبر الماضي، مما ضاعف أصول الشركة.
سجَّلت إستراتيجية "أول ويذر تشاينا" (All Weather China) الخاصة بشركة "بريدجووتر" عوائد سنوية نسبتها 22% حتى شهر يوليو الماضي منذ بدايتها في عام 2018. وقالت "باي"، إنَّ هذا الرقم أقل من نسبة 85% التي حقَّقها صندوق "بانكسيا ستيبل" في الفترة نفسها، مشيرة إلى أنَّ الاستراتيجيات المختلفة بين الشركتين لا يمكن مقارنتها بشكل مباشر.
وفي تذكير بالمخاطر التي تواجهها صناديق التحوط الكلية عندما تراهن في الاتجاه الخاطئ، انخفض صندوق "بيور ألفا 2" (Pure Alpha II) الرائد والتابع لشركة "بريدجووتر" بنسبة 12.6% العام الماضي.
وقال "لي مينجهونج"، رئيس استثمارات صناديق الأموال في شركة "بانياو كابيتال" في شنغهاي، إنَّ "أداء الصناديق الكلية يعتمد اعتماداً كبيراً على تقييم مدير الصندوق الشخصي، أكثر من أيِّ استراتيجية استثمارية أخرى".
فصل متخبط
تراجع صندوق "بانكسيا ستيبل" بنسبة 13% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة أسعار الصلب. وتضرَّرت مراكز الصندوق الاستثمارية قصيرة الأجل في قطاع الصلب الخام، بسبب تحرُّك الصين غير المتوقَّع لخفض إنتاج السلعة، وخفض السعة الإنتاجية منها، وفقاً لما جاء في بيان الصندوق الربع السنوي للمستثمرين.
ثبتت استثمارات الصندوق في السندات دون تحقيق ربح أو خسارة، في حين حقَّق ربحاً قليلاً في قطاع الأسهم، برغم انخفاض مؤشر "شانغهاي شنتشن سي إس آي 300" بنسبة 3%.
لم يكن صندوق "بانكسيا" الخاسر الوحيد؛ فقد تكبَّد أكثر من 40% من صناديق التحوط الصينية خسائر في الربع الأول من العام الجاري، على الرغم من أنَّ الصناديق الكلية تمكَّنت من تحقيق مكاسب بنسبة 1% في المتوسط، وفقاً لشركة "باي باي وانغ".
وتواجه "باي" وأقرانها تحدياً كبيراً في جذب المستثمرين في دولة تمثِّل فيها استثمارات الصناديق الكلية 2% فقط من أصل 65129 صندوقاً محلياً خاصاً للأوراق المالية تتبعهم شركة "باي باي وانغ".
وتقول السيدة ذات الـ37 ربيعاً، إنَّها تلتقي الآن بالمزيد من العملاء المحتملين بعد الأداء الجيد الذي قدَّمته العام الماضي، لكن جمع الأموال لا يزال صعباً. ويرجع ذلك جزئياً إلى تاريخ "بانكسيا" القصير في السوق. وتلفت "باي" إلى أنَّ شركتها لم تتأثَّر بانهيار شركة "أركيغوس كابيتال مانجمنت" (Archegos Capital Management) العائلية الأمريكية، موضِّحةً أنَّ رافعتها المالية أقل بكثير مما لدى "أركيغوس"، ومحفظتها الاستثمارية أكثر تنوعاً.
لم تهز الصعوبات ثقة "باي" في قدرتها بالتفوق على الشركات مثل "بريدجووتر". وتختتم بقولها، إنَّ "هذه الشركات يجب عليها فقط توظيف أشخاص مثلي.. لكنَّني لن أعمل معهم".